جميعهم يحتفلون بالنصر، جميعهم فرحون مبتهجون، ولكن أين الخاسر؟ الرئيس الأميركي دونالد ترامب والإدارة الأميركية والجيش الأميركي والشعب الأميركي يحتفلون بالنصر لأنهم حققوا ما أرادوا بالقوة والدبلوماسية والحكمة، الإيرانيون حكومة وشعباً يحتفلون بالنصر لأن بلدهم باقٍ وقيادتهم باقية ولم يستسلموا استسلاماً كاملاً بالرغم من الخسائر الكبيرة، كذلك الإسرائيليون واليهود حول العالم يحتفلون بالنصر لأنهم حققوا ما كانوا يتمنونه طوال أربعة عقود.

الحقيقة التي لا غبار عليها: فعلاً جميعهم انتصروا، لأنَّ معنى النصر هنا ليس النصر العسكري مئة بالمئة، بل النصر أن يكون للعقل كلمته، فلتسكت الشعارات الفارغة التي صدّعت رؤوسنا ولتذهب للجحيم، وليبقَ قول الفصل للحكمة. ستنشغل كل من إيران وإسرائيل بمداواة جراحهم وإعادة بناء بلدانهم، وليتفرغ المجتمع الدولي لإحلال السلام بين روسيا وأوكرانيا. العالم اليوم على قناعة بأنَّ الحروب يجب ألا تكون الحل النهائي.

من دروس الحرب الإسرائيلية - الإيرانية أنَّ الإيرانيين أدركوا أنَّ تعاطف حكومات وشعوب جيرانهم أهم مكسب لهم، وأهم من أي شيء آخر، فبات عليهم إعادة الحسابات مع شعوب وحكومات المنطقة، فقد اكتشف الإيرانيون أخيراً أن هؤلاء ليسوا أعداء كما كانوا بظنونهم، وإنما إخوة العيش المشترك لآلاف السنين، وإخوة الجوار والدين التي ما زالت باقية.

أمَّا الإسرائيليون فقد اقتنعوا بأن دول وشعوب المنطقة يمكن لها التعايش مع الدولة اليهودية، ولكن بشرط أن ينال الشعب الفلسطيني حقه، ولا تعايش بدون حق الشعب الفلسطيني. أما الدرس الأهم فهو أن الدول العظمى ودول العالم الغربي أصبحوا على قناعة كاملة بأن السلام والاستقرار في الشرق الأوسط هو السبيل الوحيد لديمومة مصالحهم، ولانتعاش الاقتصاد العالمي وبناء أواصر الصداقة والمحبة مع الجميع.

لا ننسى أنَّ السر الخفي لضراوة الحرب الإيرانية - الإسرائيلية هو الدين، ومتى ما أصبح الدين طريقاً للمحبة والسلام سيعم الخير للجميع، وسيكون كل شيء ممكناً، فالمصالحة الدينية تفسح المجال الواسع للمصالحة السياسية، وهذا ما سوف يحدث بعد هذه التجربة المريرة.

إذاً، الخاسر الوحيد في هذه الحرب هي الإيديولوجيات المتطرفة والتعصب الديني والحسابات الأحادية التي أثبتت هزيمتها ولم تعد تقاوم إرادة العقل والمنطق. لو هُزمت إيران نهائياً في هذه الحرب لأصبح العالم على قناعة مطلقة بأن القوة وحدها يجب أن تحكم العالم، ولو هُزمت إسرائيل لأصبح العالم على قناعة بأن الإيديولوجيات وحدها يجب أن تحكم العالم. ولكن ما حصل أن القوة والإيديولوجيا لم تحسما الأمور، وإنما حسمتها الحكمة والعقل، لذلك شعر الجميع بأنهم منتصرون، لأن بوجود العقل ليس هناك خاسر.

لقد كانت الحرب العالمية الثانية، بكل ما حملته من دمار وألم، سبباً كافياً لنهضة الشعوب الأوروبية وتطورها وترابطها لأنها كانت ضحية تلك الحرب القاسية، واليوم ستكون نتائج الحرب المدمرة في الشرق الأوسط، والتي كانت ضحيتها شعوب ودول المنطقة، سبباً كافياً لنهضة دول وشعوب الشرق الأوسط من جديد على قاعدة جديدة ورؤية جديدة، أساسها السلام واحترام حقوق الجميع. فهل سنشهد الحياة الهادئة الجميلة التي كنا نحلم بها، لا نسمع فيها صوت المدفع والصاروخ، أم إنها ستبقى مجرد أمنيات؟