أثرت التكنولوجيا على حياتنا بشكل كبير، فلقد غيرت الطريقة التي نسافر بها والطريقة التي نلعب بها، والطريقة التي نعمل بها، ولعل من أكثر الطفرات في عالم التكنولوجيا هو ظهور الإنترنت والذي بدأت ثورته منذ حوالي عقد أو عقدين ومع ذلك ما زلنا نكافح لإستيعاب أثره علينا.

ولقد أدى ظهور الإنترنت إلى اعتمادنا على شبكة الإنترنت في البحث عن المعلومات والتواصل مع الآخرين، مما جعل البعض يرى أن هذا الإعتماد قد أثر بشكل ما على الطريقة التي نفكر بها، ولقد طرح هذا التساؤل وناقشه الكاتب نيكولاس كار في كتابه quot;المياه الضحلة: ما الذي فعلته شبكة الإنترنت بعقولنا؟quot; وأثارهذا الكتاب جدلاً حادًا ومتواصلاً.

يقول المؤلف في كتابه إن قضاء أوقات طويلة في تصفح شبكة الإنترنت ربما يؤثر على المسارات العصبية والتي تؤثر بدورها على الطريقة التي نستجيب بها للمعلومات والطريقة التي نتذكرها بها، كما يؤدي إلى تصفحنا فقط لقشور المعرفة ومرورنا بالكثير من الموضوعات دون أن نستوعب منها إلاّ القليل، وإذا كنا جميعاً نعتقد أن تقلص اهتمامنا بالعديد من الأمور الحياتية، وتزايد الوقت الذي نمضيه ما بين الهاتف المحمول والإنترنت والإيميل الإلكتروني ndash; هو مجرد إعتياد، فإنه يجب أن ننتبه لجرس الإنذار الذي يحذر من أن الأمر أكبر من ذلك فهو ليس عادة فحسب، ولكنه نتيجة لتأثيرات لحقت بالأعصاب.

على جانب آخر نشرت دراسة مؤخراً في جريدة quot;نيويورك تايمزquot; تقول إن فريق من علماء الأعصاب في جامعة كاليفورونيا بولاية لوس أنجليس وجدوا أن عمليات البحث عن طريق غوغل أدت إلى زيادة نشاط المنطقة المجاورة لقشرة الفص الجبهي بشكل أكبر مما يحدث حينما يقوم الإنسان بتصفح كتاب نصي، وهو ما يدحض ما أشار إليه نيكولاس كار في كتابه بأن قضاء الوقت في تصفح الإنترنت يؤثر بشكل سلبي على تلك المنطقة وهي المنطقة التي تكمن فيها المواهب الدقيقة والقدرة على الإنتباه والتحليل المنظم.

كما أكد تقرير لصحيفة quot;الغارديانquot; أن سبب رفض البعض لفكرة وجود تأثيرات سلبية لشبكة الإنترنت على المخ والأعصاب هو أن مخ الإنسان تطور على مدى مئات الآلاف من السنين، لذلك من غير المحتمل أن يتم حدوث تغييرات به في هذه الفترة الزمنية القصيرة التي لو حسبناها في عمر التطور لوجدنا أنها لا تتجاوز الجزء من الثانية.

ويقول التقرير أنه مما يؤيد الرأي السابق أننا حتى الآن لم نستطع التوصل إلى كيفية عمل الذاكرة، والمعلومات المتاحة لنا عن الطريقة التي يتم بها تحويل البيانات إلى الوعي والذاكرة قليلة جداً؛ لذلك يستبعد البعض فكرة أن يكون لشبكة الإنترنت أي تأثيرات على مخ الإنسان.

وينتهي تقرير quot;الغارديانquot; بالقول إنه إذا كان نمط الحياة العصرية يزيد من فترات جلوسنا مما يجعلنا في أمس الحاجة لممارسة الرياضة الجسدية، فإنه من المطلوب أيضًا بعد أن نمارس التركيز على شبكة الإنترنت لفترات طويلة أن تكون لنا نشاطات عقلية أخرى بعيدة عن شاشات الكمبيوتر.