تطمح اوروبا بعد إكمال مشروع غاليليو بالتخلص من تبعيها لنظام جي بي أس الأميركي.


ميونيخ: نظام غاليليو التكنولوجي المتقدم لتحديد المواقع على سطح الكرة الأرضية هو أحد أهم أكبر المشاريع الأوروبية التي تبنتها أوروبا بعد الوحدة، إذ تبلغ النفقات الأولية اللازمة لتشغيله 4.8 مليار يورو، وارتفعت مؤخراً بإضافة 1.4 مليار يورو زيادة للمبلغ المقرر.

وتنتظر أوروبا أن تدخل عصراً جديداً من عصور تكنولوجيا الفضاء مع دخول هذا النظام الجديد حيز التنفيذ بإطلاق أول قمرين من أقمار النظام، إنطلق بهما صاروخ سويوز في تمام الساعة 12.34 اليوم 20 اكتوبر من القاعدة التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية في فرنسا. كما تطمح أوروبا بعد إكمال مشروعها العملاق المتمثل في إرسال 30 قمراً الى الفضاء، بالتخلص النهائي من التبعية المطلقة لنظام بي جي إس الأميركي الذي مازالت أوروبا تتبعه فى طرق ملاحتها سواء في البر او البحر أو الجو .

من المعروف أن هذا النظام الأميركي جي بي إس كان قد بدأ كنظام عسكري سري مخصص لتوجيه الصواريخ العابرة للقارات، لكنه تحول الى الخدمة المدنية في عصر الرئيس الأميركي بيل كلينتون. ومنذ ذلك الحين تحقق الشركات الأميركية أرباحا عالية من بيع معدات الإتصال التي تستخدم النظام ومن أهمها التي تنشر في أوروبا واميركا على نطاق واسع والمستخدمة في السيارات لإرشادها على الطرق، إضافة إلى الهواتف النقالة التي تستطيع تحديد موقع حاملها من الفضاء.

ستعمل اقمار النظام الأوروبي الثلاثين على مدار يعلو عن الأرض 23.600 كيلو متراً في ثلاث مدارات مختلفة مما يتيح تغطية الكرة الأرضية من كل جوانبها. ورغم أن الكثير من الجدل والنقاش صاحب المشروع في بدايته نظراً للكلفة العالية والتي تبلغ المليارات، فإن المشروع كان قد تأجل عن الوقت المحدد لإنهائه في عام 2008 إلى الآن.

من المقرر ان يعمل النظام بكامل طاقته بحلول عام 2020 بعد وصول كل الأقمار الى المدارات المقررة لها، حيث ستظل ثلاثة أقمار فى وضع الإحتياط للقيام بالعمل فور تعطل أي من الأقمار العاملة، في وقت تقول فيه المفوضية الأوروبية أن مصاريف الصيانة ستبلغ 800 مليون يورو سنويا بعد إكتمال النظام. ومن المقرر إطلاق 18 قمر صناعي من أقمار النظام بحلول عام 2014 لضمان جودة الخدمة .

ويؤكد العلماء الألمان على أهمية هذا المشروع العملاق الذي يضمن لأوروبا البقاء بعيداً عن العين الأميركية، اضافة الى دقة النظام التي ستكون فائقة الجودة . إذ من المؤكد إستخدامه بشكل واسع في النواحي المدنية الإنسانية مثل هبوط الطائرات اتوماتيكيا وفي الملاحة الجوية بمختلف أشكالها والملاحة البحرية وفي قيادة السيارات والتخلص من النفايات والانقاذ وإسعاف المرضى وتحديد أماكن وجود أصحاب الهواتف الجوالة.

ويقول العلماء ان النظامين الأوروبي والأميركي سيكونان منسجمين معاً في العمل فى بعض الحالات مثل العثور على الأشياء الإلكترونية المفقودة أو السيارات المفقودة أو تحديد الوقت المتبقي قبل مرور سيارة أو متابعة تحركات شخص مراقب يحمل سوارا إلكترونيا أو إنقاذ مصاب.

وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي أكد مرارا بأن نظام غاليليو لا يتعدى كونه مشروعا مدنيا، غير أن ذلك لا ينفي احتمال أن يلعب هذا النظام دورا حيويا في الجيوش الأوروبية في المستقبل. لهذا السبب، فإن أميركا بدأت في وضع خطة لتحسين نظامها المعروف باسم جي بي أس لضمان بقائه فى مركز الصدارة ، وفى هذا لإطار بدأت الصين وروسيا ايضاً في بناء النظام الخاص بهم ليدخلوا بذلك المنافسة مع الولايات المتحدة واوروبا.

إن مواقع التحكم لنظام غاليليو فى اوروبا تقع في ثلاث دول هى البرتغال وايطاليا والمانيا. غير أن غرفة التحكم الرئيسة للنظام تقع في إقليم بافاريا الألماني حيث يعمل بها مئة خبير ومهندس فضاء. في هذا السياق تتوقع وكالة الفضاء الأوروبية ان يضمن المشروع وظائف لـ 150 ألف عامل من دول الإتحاد الأوروبي .

من جهة أخرى، ووفق خبراء الفضاء الأوروبيين، فمن المحتمل أن يصل عدد مستخدمي النظام إلى 1.8 مليار شخص فى أول التشغيل وإلى 3.6 مليار عام 2020. وفي ذلك التاريخ يتوقع أن يبلغ حجم السوق العالمية لهذه الخدمات أكثر من 250 مليار يورو.

إسم هذا المشروع quot;غاليليوquot; أطلق تيمناً باسم عالم الفيزياء والفلك الشهير الإيطالي غاليليو الذي عاش مابين (1564-1642م)، ومن اهم خدماته للبشرية اختراع المرصد الفلكي واكتشاف البقع الشمسية. وقد اعتبر غاليليو مناضلاً من أجل حرية البحث العلمي التي شنت ضد السلطة الحاكمة آنذاك، وكان قد درس الطب قبل أن يتحول إلى الفلسفة والرياضيات، وتخصص في أدوات الحساب والقياس الدقيقة، واخترع عام 1609 جهاز التليسكوب مكبرا عشرين مرة .

وكان قد تم إعدامه نتيجة لأبحاثه العلمية المخالفة لتعاليم الكنيسة في ذلك الوقت.