ها هي اتفاقية أوسلو تؤتي الآن أكُلها المسمومة.
بعدما تم استدراج القوى الفلسطينية إلى داخل فلسطين في الضفة والقطاع، تحت تعهدات غير مغرية.. بإعطاء فتات من الحكم الإداري لمنظمة التحرير، وأشكال باهتة من الإجراءات البروتوكولية.. بساط أحمر في المطار، وطائرة رئاسية تتجول بالرئيس الفلسطيني في الأجواء المشدودة بين العالم العربي، والولايات المتحدة وأوروبا.. مجلس وزراء مهمَّش على سيادة فلسطينية منقوصة، حيث تخترق الطرق الالتفافية المدن والقرى الفلسطينية..
بعد هذا المولد التلفزيوني.. يعاجل ارييل شارون المصلين في المسجد الأقصى، بزيارته الاقتحامية، التي لم تكن سوى مادة انفجارية في تلك الزاوية الساخنة بدماء الطفل محمد الدرة، وهو يحتضن أباه المفزوع من رصاصات الجنود الإسرائيليين.
لقد ألهب شارون مشاعر الغضب في شرايين الفلسطينيين.. ولم تزد جرائم دولته الاستفزازية للفلسطينيين، إلا كفاحاً نادراً، تجلى في صمود هذا الشعب المظلوم المقاوم..
وهكذا أصبح يقدم قرابينه كل يوم..
نعم كل يوم.. والشاشات الفضائية، لا تخلو من مشهد لو كان للعالم قلب لهاج وماج.. ولو كان للمسلمين من قوة الوحدة، ووحدة القوة لارتدعت إسرائيل، دون ارتكابها اليومي مجازرها الوحشية، وقد طالت الإنسان والشجر والحجر في فلسطين..
أما العرب فماذا بقي منهم، بعد هذه السنوات العجاف من عمر دولهم المستقلة، ومشروعهم القومي المنهار فوق رؤوسهم.. فقط مجرد بيانات شجب، ومؤتمرات قمة يجف حبر قراراتها في اللحظة التي يتلوها أمينها العام!
إن العرب اليوم في أحلك لحظة، وأخطر منعطف يمرون به.. هذا هو أمل إسرائيل الذي تحقق لها، بفضل تحشيد الرأي العام في الغرب الأوروبي والأمريكي تحشيداً منهجياً محكماً، طاول مؤسسات صنع القرار ووسائل الإعلام وهياكل الاقتصاد.. فجّروا من أجل ذلك طاقاتهم، بعد ما وحدوا جهودهم، وجمعوا نثارهم المشتت في العالم.. وهم ينوون إقامة وطنهم القومي الحالم في فلسطين..
لقد تحقق لهم ذلك، لأنهم توحدوا صفاً واحداً على اختلاف مشاربهم العرقية والثقافية.. وراء قادتهم وزعاماتهم.. وهؤلاء لم يستلينوا إلى كرسي الحكم قامعين شعبهم مستبدين.. بل قبلوا بمبدأ التداول على السلطة.. هذا هو رئيس يأتي.. وآخر يذهب.. كل واحد منهما في رأسه عقيدة واحدة، هي إقامة دولة إسرائيل الكبرى.. بهذه الدعاوى التوراتية يعمل رئيس الوزراء الإسرائيلي، سواء أكان يمينياً ليكودياً، أم يسارياً عمالياً.. فلا أحد يخرج عن هذا الخط.. الكل يسعى نفس المسعى.. من المواطن العادي،إلى المثقف الراديكالي اليساري.. إلى الحاخام..!! لم يقبل أحد التفريط بذرة واحدة من الحلم الصهيوني، وإن اختلفت لغة هذا عن ذاك على مائدة التفاوض السياسي، أو الحوار الثقافي.
أما الفلسطينيون.. فأعءظِم بهذا الشعب المكتوي بنيران الاحتلال صباح مساء.. لكن السياسيين منه قلوبهم شتى.. اللسان يلهج بحب فلسطين، بينما العين على كرسي الرئاسة، أو مقعد الوزارة!! ما عدا هؤلاء الحركيين من منظمات المقاومة بكتائبهم الباسلة.. فهم على قلة الحال والحيلة.. وقفوا يدافعون وحدهم عن شرف الأمة.. عن مقدسات المسلمين.
هكذا كان ينادي القائد الرمز للمقاومة الفلسطينية الشهيد الشيخ أحمد ياسين.. بجسمه المنهك المشلول كان يقول كلاماً يشل إسرائيل برمتها.. ومع ذلك لم يجد السند من أمة الإسلام والعرب.. المجاهدون ضلوا الطريق عن القدس إلى مواقع أخرى!.. والساسة ظلوا منذ وعينا يرددون كلاماً استهلاكياً لا طائل من ورائه ولا قوة .. وهكذا أدرك الإسرائيليون.. انه لا أحد في الساحة غير هذا الشيخ الجليل.. فصوبت صواريخها نحوه، وهو عائد من مصلاه .. وهيئ لها أنها قتلت المعنى الرمزي لمقاومي فلسطين.. لكن هيهات.. فلن يطيب لإسرائيل هناء.. ولن يغمض لها جفن! مادام غيها مستحكماً بها، إلى هذا الحد الصلف من الاستعلاء والغرور والإجحاف..
نعم لن يحل السلام في أرض السلام.. ما لم يرغم العالم هؤلاء المجانين على وقف نوازعهم الشريرة، قبل أن ينهدم المعبد على رؤوس الجميع.. هذا ما نرى حيث لا سلام في العالم كله، مادام الفلسطينيون بلاوطن .. ومقدسات العرب والمسلمين بلا حرمة.