الخميس:09. 02. 2006
د. أحمد عبد الملك
كتبت هذا المقال، قبل انعقاد مؤتمر وزراء الإعلام -بالقاهرة- يوم الرابع من الشهر الجاري، وتنبأت بما سيأتي في المقال، حسب الأجندة التي كانت على طاولة الوزراء، ولربما استجد جديد واحد، وهو الهجمة والإساءة للدين الإسلامي، وهي في ذات الوقت ''محفّز'' جيد للتحرك الإعلامي الخارجيmiddot; وأقف عند مقولة الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى: ''لا أجد عقبة في التعامل مع هذه الخطة (التعامل مع العالم) إذا صحت الإرادة''! فالنية غير واضحة تجاه مشروع عمل يدعم القضية الفلسطينية، خصوصاً بعد نشر اختلاسات في السلطة وصلت إلى 700 مليون دولار حسب ما رددته وسائل الإعلام يوم الأحد 5/2/،2005 كما أن التجاذب السياسي يجهض أية خطة في هذا الاتجاهmiddot; أما قضية التحديث والتطوير والإصلاح في العالم العربي، فلا يمكن لأي إعلام عاقل أن يتبناها، لأنه لا توجد خطط -على أرض الواقع- لعملية التطوير والتحديثmiddot; وهنا نحن نشهد كلما خرج مسؤول من الحكومة تتهمه الحكومة بالسرقة والفساد والعمالة! كما توجد دول يتحدث زعماؤها عن التطوير والإصلاح الاقتصادي منذ أكثر من عقود، ولا زالت هذه الدول تعاني من التخلف والفساد والديونmiddot;
أما المحور الثالث، وهو دور الإعلام في الحفاظ على الهوية العربية، فهو أيضاً صعب التحقيق، ذلك أن الاستيلاء السياسي والهيمنة الرسمية على إعلام الدول العربية، وتنوّع مصالح القائمين على الإعلام، ونشاط النزعة الإثنية والشوفينية المحلية، تجعل هذا المحور صعب التحقيقmiddot; ولعل أهم ما يمكن الحديث عنه هنا، هو إنْ كان الوزراء صادقين في عزمهم، فليصدروا قراراً بعدم استخدام اللهجات المحلية في الإعلام! أعتقد أن السادة الوزراء يحتاجون إلى أسبوع لمناقشة أو الإجابة على هذا التساؤل! ثم ما هي الهوية التي نتحدث عنها؟ هل هي هوية الأثرياء أم الفقراء؟ هوية الأصوليين أم العلمانيين؟ هوية الفضلاء أم الفاسدين؟ هوية المتحفزين أم هوية الغارقين في الجهل والشعارات الفارغة؟ هوية القابلين للآخر والمنفتحين على العالم أم هوية الرافضين للآخر والمتقوقعين في شعارات وأيديولوجيات رؤسائهم؟!
المحور الرابع: دعم حوار الحضارات: هل فعلاً سياسات الدول العربية تدعم هذا الحوار؟ وهل كل الدول العربية على استعداد لنسيان حوادث التاريخ، والدخول في هذا الحوار؟
المحور الخامس: دور الإعلام في دعم قضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية: أنا أعتقد أن الإعلام في الدول العربية يعمل بنجاح في هذا المحور، وإن كانت الوعود التي تُعطى للشعوب واهية وصعبة التحقيق! ثم هل نجحت خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية في أي بلد عربي؟ وأي تنمية نتحدث عنها؟ كما أن نصف البلاد العربية -إنْ لم يكن جلها- مكبّل بالديون، نظراً لغياب المساءلة، واستشراء الفسادmiddot;
إذا كان السادة الوزراء صادقي العزم على إحداث تغيير جوهري في توجه الإعلام فلــــديّ (أجندة) تخرجهـــــم مــــن ''وهـــم'' أو ''تجليات'' النـــــص الإعلامــــــي، وهــــذه الأجنــــدة هـــــــي:
1- تحقيق حرية الرأي والدفاع عنه في كل الدول العربية، وإزالة كل أنواع الهيمنة الحكومية على الإعلامmiddot;
2- رفع الرقابة عن الإعلام، ورفع الحواجز أمام تدفق المعلومات، وكشف السلبيات التي ترافق مسيرة التنمية، ونصب محاكمات علنية للضالعين في الفساد، وقراصنة الشعوبmiddot;
3- إن تحديث أو نقل الصورة الحقيقية عن العالم العربي ستحرج هذا الإعلامmiddot; ذلك أن الصورة في الداخل مشوهة! وأهم ما يُشين الصورة هو غياب الديمقراطية، وسيطرة الحزب الواحد، وامتلاء السجون بالمعارضين، وغياب حرية الرأي وحقوق الإنسان في بعض الدول، وبقاء ''الحاكم الجمهوري'' طوال حياته حاكماً، وتوريث النظم الجمهورية، ناهيك عن فشل الخطط الخاصة بالتحديث الاقتصادي والتنموي! فأي صورة يريد السادة الوزراء نقلها إلى العالم الخارجي؟ هل يريدون ''تلميع'' صورة باهتة يعرفها العالم الخارجي؟ هل يريدون بوقاً كاذباً لحالة عربية متخلفة (التاء هنا قبل الخاء)middot;
4- الإعلام في بعض الدول العربية يعاني تخلفاً فنياً وبشرياً، فهنالك نشرات أخبار لا زالت قيمها وشكلها، كما هما منذ ثلاثين عاما! لقد تطورت القيم الإخبارية ووسائــــل تقديــــم الأخبار، وهنالــــك دول عربية لا زالت تعيـــش إعــــلام الستينيـــــات، إعلام: استقبل وودّع، إعلام فـــوز الرئيس بنسبة 99,7%، إعلام الحزب الأوحــــد، إعــــلام الدعايــــة السياسية التي كشفتـــها الإنترنــــت والأقمــــار الاصطناعيةmiddot; الإعلام في بعض الدول العربية يعاني شكليات وروتيناً إدارياً لا يصلح لهذا القرنmiddot; فالصحف تثير قضايا لبس حجاب المذيعة، أو لون شعرها أو ماكياجها، لكنها لا تثير شكل البرنامج وعمقه، ومدى الحرية فيه! هــــذا هو أسلــــوب الإعلام التنمـــوي الذي يرسمه الساسـة ولا يجـــرأ أحد على انتقــــاده أو تغييــــرهmiddot;
5- توجد في بعض الدول العربية أكثر من خمس أو عشر فضائيات، هل قامت جهة معينة بدراسة مدى فائدة هذا البث أو الصرف غير المفيد؟ ماذا تعني أكثر من 45 فضائية عربية أمام قناة أو قناتين يداوم العرب على مشاهدتهما؟! هذا سؤال يختصر كل المشاهدات، والهنات التي تحيط بالبث التلفزيوني العربيmiddot;
6- ماذا سيفعل الوزراء أمام استشراء حالة الاتصالات (SMS) ونهم شركات الاتصال في ''قضم'' الشاشة، بحيث توالدت الرسائل إلى ثلثي الشاشة؟ وهذا من الناحية الإعلامية غير صحيح، بل ويؤثر من ناحية أخرى على تشتيت تركيز المشاهد على مادة البثmiddot;
7- ماذا سيفعل السادة الوزراء إزاء التدريب، وهنالك من يدخل المجال الإعلامي دون دراسة أو موهبة أو قدرة على التعامل مع المتلقين، الأجساد غزت الشاشات، واللهجات المختلفة تحتل الإذاعات، والتغريب يزداد يوماً بعد يوم! إن وسائل الإعلام العربية هي التي تساهم في عملية التغريب والتجهيل ونصرة الحاكم ظالماً أو مظلوماً!
التعليقات