إيلاف من لندن: منذ تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي، يواجه لبنان حالة من التوتر المستمر، حيث يسعى حزب الله إلى إعادة بناء قدراته العسكرية عبر شبكات تهريب في الموانئ والمطارات، بينما تستغل إسرائيل الوضع الهش لشن غارات جوية مكثفة تستهدف عناصر وقيادات الحزب ومرافق لبنانية حيوية، ما يهدد بإفشال الاستقرار المنشود.
يعمل حزب الله على استغلال البنى التحتية الوطنية، مثل مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت ومرفأ بيروت، لتمرير شحنات أسلحة وأموال بطرق غير شرعية، في محاولة للالتفاف على الرقابة الدولية والتزامات نزع السلاح الواردة في اتفاق وقف إطلاق النار. وخلال السنة الأخيرة، أعلنت السلطات اللبنانية عن ضبط شحنات مخصصة للحزب في هذه المنافذ، مما دفع إلى تعزيز الرقابة عبر تركيب أجهزة مسح متطورة في مرفأ بيروت قادرة على كشف المواد المحظورة.
ومع ذلك، أثارت هذه الإجراءات مخاوف من نقل أنشطة التهريب إلى مرفأ طرابلس في الشمال، حيث تشير تقارير إلى تصاعد تهريب المخدرات والوقود والأشخاص، مع شبهات حول تداخلها مع شحنات أسلحة، بما في ذلك محاولة إحباط عملية تهريب مخدرات كبيرة إلى السعودية. وأكدت مصادر أميركية نجاح إيران وحزب الله في استخدام طرابلس كمسار بديل بعد تشديد الرقابة في بيروت.
في هذا السياق الهش، تستغل إسرائيل محاولات إعادة بناء حزب الله لتبرير غاراتها المتواصلة على مناطق لبنانية متفرقة، مستهدفة قيادات وقواعد الحزب في الجنوب والبقاع والهرمل. ومن أبرز هذه العمليات: غارة على مجمّع تدريب تابع لقوة "الرضوان" ومستودعات أسلحة قرب بلدة زلايا في البقاع الغربي، بالإضافة إلى ضربات على مرتفعات الجبور والقطراني والريحان جنوباً، ومناطق بوداي والهرمل شرقاً.
وشملت الاستهدافات أيضاً قيادات جديدة، مثل اغتيال علي الطبطبائي، إحدى الشخصيات البارزة في حزب الله، في عملية تندرج ضمن حملة إسرائيلية لتصفية القادة النشطين أثناء محاولات إعادة التنظيم. كما امتدت الغارات إلى مرافق مدنية، حيث أُصيب عدد من العمال في مؤسسة كهرباء لبنان أثناء غارة على شاحنة في بلدة الطيبة بقضاء مرجعيون، ما أدى إلى احتراق مركبتين وحدوث إصابات. ووصف رئيس مجلس النواب نبيه بري هذه الغارات بأنها "رسالة إلى مؤتمر باريس لدعم الجيش اللبناني".
ورغم الهدنة التي توسطت فيها الولايات المتحدة، تستمر إسرائيل في السيطرة على مواقع جنوبية وشن هجمات شرقية وجنوبية، ما أدى إلى حوادث عنف، منها إطلاق النار على مدنيين نازحين في بلدة كفر كلا في كانون الثاني (يناير) 2025، مما أسفر عن مقتل 23 شخصاً وإصابة 134، بالإضافة إلى وقوع إصابات في صفوف الجيش اللبناني. وتأتي هذه الغارات في سياق تصعيد أوسع مرتبط بالحرب في غزة، حيث يُزعم استهداف "بنى تحتية عسكرية" تابعة للحزب.
ويطرح هذا التصعيد تساؤلات حول التزام الحكومة اللبنانية بإغلاق بوابات التهريب، وقدرتها على مواجهة نفوذ حزب الله، مقابل استغلال إسرائيل للوضع لتعزيز تفوقها العسكري، ما يعرض سيادة لبنان لخطر مزدوج يهدد استقراره الداخلي وعلاقاته الإقليمية. ويستدعي هذا التوازن الهش دعماً دولياً فورياً لتعزيز مؤسسات الدولة، دون أن يشكل ذلك ذريعة لمزيد من الغارات.






















التعليقات