"أعداء الله"؛ إنَّ كم التلوث الفكري والسمعي في هذه العبارة يجعل مجرد سماعها مؤذ لكل أذن عاقلة وفكر ناضج، وقد صارت ليتورجية يومية يرددها الجميع دونما تدبر في معناها الخطير، حيث تصور الله الخالق، جل جلاله، كقوه مكافئة ومناوئة لعبده ومخلوقه (حاشا)، وقد يقرر أن يناصبه العداء، ومن ثم يبدأ الصراع بين حزب الله وحزب أعداء الله، ويبدأ التجييش المقدس ويعلن النفير العام (هبوا لتنصروا الله) ويزجوا باسم الخالق زجاً في وهميات حروب طواحين هواء على الأرض. والمؤلم المؤذي أنه، في أحايين كثيرة، وأخرها على الساحة الآن حيث بدأت البكائيات واللطميات، فقد خذل الله (حاشا) حزبه وبدا أنَّ أعداء الله أو (القوم الكافرين) على وشك (نصر مبين)، وأجزم أنَّ التعبير يصطدم بأدنى درجات الضمير الإنساني، لكن فن اصطناع الغباء يتولاه محترفون قادرون على غسل الأدمغة وإزالة أي فلاتر قد تعيق التمييز بين ما هو معلوم بالفطرة لإنسان حر عاقل، وبين ما هو معلوم بالضرورة لإنسان تم تدجينه في حظائر وأقفاص مغيب العقل، مكبل بسلاسل موروث تراثي لا فكاك منه.

إقرأ أيضاًَ: تترات قديمة

مظهر آخر من مظاهره المتعددة، أي الغباء الاصطناعي، هو مفهوم الفوز والخسارة، أو النصر والهزيمة؛ فلقد بات المنظرون يعرضون أنماطاً جديدة اختلطت فيها المعايير، بل وانقلبت رأساً على عقب، فما يظهر عياناً بياناً واضحاً جلياً أنه هزيمة منكرة، يكنى عنوة بالنصر المبين، والعكس صحيح، فقد ابتكروا برامج موازية لبرامج الذكاء الاصطناعي، هي برامج الغباء الاصطناعي، وما ان يتم تطبيق المحتوى عليها حتى تخرج بدرجة غباء ممتازة تحظى بمشجعين ومدمنين؛ فمئة ألف من القتلى والمصابين ومدينة بحجم دولة تم تسويتها بالأرض وملايين المهجرين والمشردين في العراء... كل ذلك لا يكفي أن يكون عنواناً لهزيمة منكرة؟ إلا أنه يمكن تمريره على تطبيقات برامج الغباء الاصطناعي فيتحول بقدرة قادر إلى نصر مؤزر مبين، وأي محاولة لتصحيح هذه المقاييس هي بدع وضلالات.

إقرأ أيضاًَ: التوجس العرقي

ومثلما يمكن توظيف برامج الذكاء الاصطناعي في تحسين وتسهيل ورفاهية حياة الإنسان والولوج إلى المستقبل الرقمي الذى لا مناص من الاندماج فيه، يكمن أعداء العقل متحفزين لأي بادرة خروج عن مسار القطيع لمألوف المتفق عليه، ولا زلت أذكر كم البهجة التى غمرتني عندما وقف وزير إماراتي يخطب في كنيسة وبذكاء طبيعي غير مصطنع، فألقى كلمة تهنئة هى نموذج لمشاعر السماحة والعيش بين البشر وافدين ومقيمين ومواطنين، وقد أظهر احتراماً لعقائد مغايرة تماماً لعقيدته، ليكون نموذجاً لباقي مواطنيه، ويكون حافزاً لكل وافد ومقيم جاء ليعمل فيرد الجميل عملاً متقناً وإخلاصاً وإنتاجاً، في المقابل، يتحرج رئيس وزراء دولة عربية من مجرد ذكر اسم لمناسبة دينية تخص مواطنين ملاك أصليين لا وافدين ولا مقيمين، وهو معذور، فبرنامج الغباء الاصطناعي المؤدلج يمنعه من احترام عقائد الغير، بل وإن أمكن احتقارها، فهذا ما توارثه وتعلمه ونشأ عليه، فقد نشأ على ثقافة أن احترام عقائد الغير تقلل من التزامه نحو عقيدته، فأولئك (أعداء الله جل جلاله)، ونسي أن كل البشر على هذا الكوكب خلقهم إلله ومنحهم رخصة حياة ومنحهم رخصة حرية أيضاً، إلا أن برامج الغباء الاصطناعي تأبى إلا أن تقسم البشرية إلى حزب الله وحزب أعداء الله.