الانقسام اللبناني بلغ حد العداء المتبادل
حزب الله يخسر في السياسة ما يربحه في الميدان

إقرأ أيضا

هُزمت اميركا فهل ربح العراق؟

لا تراجع لشعبية عون

الشارع خطوة لا تحمد عقباها

لبنان طوائف تحتقن ولا حلول في الأفق

المحكمة الدولية تحت مجهر القانون الدولي

وزير المالية اللبناني: نزع سلاح حزب الله

اليونيفيل الفرنسية للرد على تحليق اسرائيلي

الطائرات الإسرائيلية تواصل انتهاك المجال الجوي اللبناني

خوجة التقى السفير الإيراني مرتين: مبادرة سعودية لحل الأزمة اللبنانية

بلال خبيز من بيروت: يعلن قادة حزب الله أنهم سيسقطون حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بالتحركات الشعبية والديمقراطية. لكنهم وهم يعلنون ذلك لا يصرحون بالخطط التي يعدونها لتحقيق هذا الهدف. الخطط بهذا المعنى سرية وتكتسب صفة الخطط الحربية مبنى ومعنى. وهذا ليس غريباً على حزب الله وسلوكه عموماً في الداخل اللبناني وعلى مستوى مواجهاته مع العدو الإسرائيلي. لكن إصرار قادة حزب الله على ديمقراطية التحركات الشعبية التي يعتزم مناصروه وحلفاؤه القيام بها، والتي تُرك للبنانيين التكهن بوقت ساعتها الصفر، لم تمنع الانقسام اللبناني من ان يصل حداً لا عاقبة بعده للمتقين.

لا يخفى ان هذا الانقسام اللبناني الحاد لا يقع في مصلحة حزب الله ومشاريعه، سواء ما تعلق منها بموجبات مواجهته مع المشروع الاميركي في المنطقة والإسرائيلي على وجه التحديد، او ما تعلق منها بتغيير قواعد اللعبة الداخلية وإعادة تشكيل الأوزان المقررة في الحياة السياسية اللبنانية. والارجح ان حزب الله يعرف اكثر من غيره أهمية الانضباط اللبناني تحت سقف المقاومة المسلحة للاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان طوال عقد التسعينات من القرن الماضي، وأثّر هذا الانضباط في تشكيل بيئة مناسبة، ان لم تكن داعمة فهي غير معادية ولا تجهر بالعداء لمشروع التحرير الذي اضطلع حزب الله بأعبائه.

لكن التوتير الذي كان حزب الله أحد طرفيه الرئيسين في الآونة الأخيرة جعل المناطق اللبنانية تقفل على نفسها وترفض كل اختلاط من اي نوع. وجعل المشاريع السياسية تتباعد بما لا يبقي مساحة شاغرة للمشترك بين القوى المختلفة. مما يعني ان حزب الله سيجد نفسه معزولاً في أي مواجهة محتملة مع العدو الإسرائيلي. وإذا ما اخذنا في الاعتبار ارتباك المشروع الاميركي في المنطقة بسبب المقاومة التي يلقاها، ما يجعل الولايات المتحدة الأميركية أمام واحد من خيارين خطرين، اما الانسحاب من المنطقة وتركها نهباً لأطماع القوى الاقليمية، واسرائيل في مقدمها، وإما اللجوء إلى إشعال حرائق جديدة طلباً لإطفاء الحريق العراقي، على ما اتسمت به سياسة الرئيس الاميركي جورج بوش.

في كلا الحالين، لن تكون المواجهة المقبلة بين حزب الله واسرائيل منضبطة تحت اي سقف، والأرجح ان الطرفين سيستعملان فيها اسلحتهما المحرمة كافة، فضلاً عن صعوبة ضبط المدة والخسائر في مثل هذه الحرب التي يرغب فيها الجانبان. ما يعني ان سيناريو حرب تموز قد يتكرر مرة اخرى، من حيث حجم التدمير والتهجير الذي لا سابق له في تاريخ المنطقة. وحيث إن سياسة التوتير التي كان حزب الله أحد اطرافها الأساسيين قطعت اوصال المناطق اللبنانية وأدخلت كل طائفة في قوقعتها المذهبية وضربت عميقاً كل ما هو مشترك وعام بين اللبنانيين، فإن تكرار السيناريو نفسه سيكون كارثياً على قدرة حزب الله وجمهوره على الصمود في حرب لا ضوابط فيها.

يكرر اللبنانيون من فريق 14 آذار ndash; مارس القول إن تحييد المناطق اللبنانية غير الشيعية في الحرب الاخيرة مكّن حزب الله من الصمود في تلك الحرب، فلو كانت تلك المناطق قد استهدفت بالقصف والتهجير والتدمير لما امكن لحزب الله ان يعيد المهجرين إلى بيوتهم بالسرعة نفسها التي تمت فيها هذه العودة، ولما امكن له اصلاً أن يدير حربه السياسية على النحو الذي أدارها فيه. فثمة فارق هائل بين أن يتهجر مئات ألوف اللبنانيين إلى خارج لبنان وأن يتهجروا داخل لبنان إلى مناطقه الآمنة. هذا الفارق بالضبط هو الذي يجعل الحديث عن الصمود اللبناني في تلك الحرب ممكناً.

اليوم يغامر حزب الله في تعميق القسمة بين اللبنانيين. وإذ يفعل ذلك، فإنه من دون شك يدرك أن المناطق التي استقبلت المهجرين في أحضانها الآمنة نسبياً من القصف في الحرب الاخيرة ستقفل في وجه هؤلاء في أي حرب مقبلة، إذا لم يجتهد القادة السياسيون وقادة حزب الله في مقدمهم في إعادة إحياء ما هو مشترك بين اللبنانيين ومحاولة الاتفاق على قواسم مشتركة تحمي لبنان من نتائج كارثية قد يمنى بها في اي حرب قادمة.

في تموز ndash; يوليو من العام 1981 خاضت المقاومة الفلسطينية مدعومة من الحركة الوطنية حرباً صاروخية ضد إسرائيل سميت يومذاك بحرب الجسور، لأن الجيش الإسرائيلي دمر فيها معظم الجسور. خرجت المقاومة من تلك المعركة ببنية سليمة عسكرياً وباتفاق على وقف النار ينظم الحرب بين الجانبين. لكن وقائع الأشهر التي تلت تلك الحرب وشعور اللبنانيين، والطائفة الشيعية في مقدمهم، بأن المقاومة الفلسطينية حمّلت لبنان ما لا يطيق ولا يستطيع احتماله، وانها تجاوزت في مواجهتها إسرائيل كل حدود العدل والانصاف لهذا البلد، جعلت المقاومة الفلسطينية تخسر الحضن الذي حماها لبنانياً. ولم يلبث أن أتى صيف العام 1982 لتجد المقاومة الفلسطينية نفسها عارية من أي دعم وخاسرة لأي سند، فاجتاحت اسرائيل لبنان وسط صمت عربي ودولي، واحتلت بيروت وطردت المقاومة الفلسطينية من لبنان، وهزمت مشروعاً لبنانياً ndash; فلسطينياً ndash; عربياً، كان يملك من الطموحات والمقدرات ما يتجاوز قدرات حزب الله وداعميه في المحور السوري ndash; الإيراني بما لا يقاس.