هل تتحول إسرائيل لجمهورية موز يحكمها برلسكوني إسرائيلي؟
الجهاز السياسي ضد القضاء والحكومة ضد رجال القانون؟؟
نضال وتد من تل أبيب: منذ ازداد تورط رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت في ملفات الفساد التي يجري التحقيق معه فيها، وتحديدا بعد جلسات التحقيق المضاد مع الشاهد الرئيسي ضده تالينسكي، انتقل أولمرت إلى الهجوم، على اعتبار أن الهجوم خير وسيلة للدفاع، فبعد أن تهرب أولمرت طيلة الوقت من الخوض في الملفات المتعلقة بالفساد المنسوب إليه، شهد الأسبوع الأخير تحركا لافتا من أولمرت كانت أهم سماته اعتماده رسميا على مسؤول للعلاقات العامة، أمير دان،مهمته الرئيسية متابعة كل ما يجري في وسائل الإعلام وquot;تبيضquot; صفحة أولمرت أو على الأقل، نقل وجهة نظره لوسائل الإعلام والجمهور الإسرائيلي، ولفت الأنظار عن التهم المنسوبة لأولمرت والتركيز على زعزعة مصداقية تالينسكي من جهة، وضرب مصداقية ودوافع الشرطة والمدعي العام الإسرائيلي من جهة أخرى.
لكن تحرك أولمرت هذا الذي امتد على مدار الأسبوع، وبلغ ذروته اليوم، في ما أطلق عليه quot;رواية أولمرتquot; لصحيفة معاريف في عددها الصادر اليوم، جوبه برد فعل من قبل الصحف الرئيسية الثلاثة في إسرائيل التي استشهدت كلها اليوم بتصريح المستشار القضائي للحكومة ، ميني مزوز بأن أولمرت يسعى لعرقلة جلسات التحقيق معه، وهو العنوان الذي اختارته لعددها اليوم، صحيفة هآرتس، ووصل الأمر بصحيفة معاريف إلى اختيار عنوان يقول: quot;حكومة إسرائيل ضد سلطة القانونquot; وأردفته بعنوان ثاني لتصريح من أولمرت، يقول فيه quot; المدعي العام للدولة يحاول إسقاط رئيس حكومة دون محاكمةquot;، وعنوان أخر على الصفحة الأولى حمل تلميح أقرب منه إلى التصريح لوزير القضاء في حكومة أولمرت، استاذ القانون، البروفيسور دانيل فريدمان quot; لن استغرب أذا تبين لي أنهم يحاولون الآن إيجاد مواد ضدي ايضاquot; في هجوم عنيف على النيابة العامة وعلى المستشار القضائي للحكومة.
وعلى الرغم من أن صحيفتي معاريف ويديعوت أحرونوت أجريتا لقاءين مع أولمرت، إلا أنهما انتقدتا بشدة الجو العام، أو النذر الصادرة من أروقة الحكومة ومن ديوان أولمرت، خصوصا بعد أن اتهم ديوان أولمرت الشرطة والنيابة العامة، بتسريب محاضر جلسات التحقيق معه، والتي ساهمت في خلق جو عام معاد لأولمرت حتى في صفوف أعضاء حزبه والوزراء الذين اعتادوا الدفاع عنه مطالبين بالانتظار لنتائج التحقيق النهائية.
وقد تمكن أولمرت، باتفاق أغلبية المراقبين والمحللين، خلال الأسبوع الماضي من صرف الأنظار عن مسالة المبالغ التي تلقاها من تالينسكي وبقية الشبه التي تحوم حوله، على السؤال المركزي: من سرب محاضر التحقيق ضد أولمرت، وهل تقف النيابة العامة وعلى رأسها المدعي العام الرئيسي، موشيه لادور ( وهو الذي كان المدعي في محاكمة النائب السابق عزمي بشارة، في قضية زياراته لسوريا وتصريحاته بشأن المقاومة والصمود، عام 2002) ومحاولة التشكيك بنزاهة لادور، ودوافع رجال الشرطة والمحققين.
واستغل أولمرت نهاية جلسات التحقيق المضاد لشن حرب على النيابة العامة، وعلى كبار المحققين في الشرطة اعتبرها المحلل السياسي في يديعوت أحرونوت، شمعون شيفر، الأولى من نوعها في تاريخ إسرائيل، وقال شيفر quot;يبدو أنه لم يسبق أن هاجم رئيس حكومة، في الماضي، المسؤولين عن فرض القانون في إسرائيل كما يفعل أولمرت اليوم. ويقتبس شيفر قول أولمرت :quot; لقد حدد رجال الشرطة والنيابة العامة هدفا، وليس هناك أكثر إثارة من رئيس حكومةquot;.
ولكن الحرب أو المواجهة بين الجهاز\ المستوى السياسي وبين الجهاز القضائي وسلطة القانون في إسرائيل لا تقتصر على الحرب الإعلامية وتراشق الاتهامات، فقد انضم وزير القضاء، دانيل فريدمان، وهو أستاذ في القانون، إلى الحرب في تحرك يهدف إلى تقليص صلاحيات المستشار القضائي للحكومة، والنيابة العامة في الوقت ذاته، فهو يقترح في مشروع قانون يعمل على إعداده، تقليص صلاحيات المستشار القضائي للحكومة من جهة، وفصل مكتب النيابة العامة عن المستشار القضائي، بحجة أن المستشار القضائي في إسرائيل مخول بصلاحيات واسعة تفوق بكثير الصلاحيات التي يتوجب أن تتوفر لموظف حكومي مهما على شأنه، وخصوصا في ظل الوضع القائم من حيث ضم صلاحيات المستشار القضائي للحكومة وصلاحيات النيابة العامة.
وبحسب التعديل الذي يعتزم دانيل فريدمان إدخاله على صلاحيات المستشار القضائي للحكومة، فإن الاراء والمواقف والتوصيات التي سيعرضها المستشار القضائي للحكومة لن تلزم بعد الآن لا الحكومة ولا الكنيست ولا حتى ديوان مراقب الدولة. والأهم من ذلك لن يكون المستشار القضائي للحكومة هو الطرف الذي سيترافع عن الدولة/ الحكومة في كل القضايا المرفوعة ضدها، كما هو الحال اليوم، بل سيقوم بذلك مكتب المد\عي العام الرئيسي.
وقد دعت هذه التطورات خصوصا الهجوم الأخير الذي يشنه أولمرت من جهة، ووزير العدل، فريدمان، من جهة أخرى، على الجهات التي تمثل في إسرائيل سلطة القانون وسيادة القانون، في مواجهة الفساد الحكومي، المحلل القانوني في يديعوت أحرونوت، رينو تسرور إلى القول: quot;إن ما يجري هو في الواقع: حرب، فالسلطة تشن حربا على سلطة القانون، رئيس الحكومة أولمرت، ووزير العدل، فريدمان ضد المستشار القضائي للحكومة، ميني مزوز، وضد المدعي العام للدولة، موشيه لادور، اثنان ضد اثنان، والحرب على لائحة اتهام، هذه هي الحرب الدائرة أمام أعيننا، ومن يستطيع أن يوقف هذه الخيول فهذا هو الوقت المناسب لذلكquot;.
وتعيد قضية أولمرت وهجومه المكثف على سلطات القانون والقضاء في إسرائيل، وخصوصا رجال الشرطة، إلى الأذهان توجه ميز كثير من السياسيين الإسرائيليين، في السنوات الأخيرة، وحتى قبل فترة قصيرة، تمثل بالهجوم الأرعن على الشرطة والنيابة العامة، كلما قررت التحقيق مع أحد السياسيين الإسرائيلي، في شبهات للفساد، أو استغلال الصلاحيات الممنوحة له. فقبل عدة شهور، عقد زعيم حزب quot;يسرائيل بيتينوquot;، اليميني المتطرف، أفيغدور ليبرمان مؤتمر صحافيا اتهم فيه النيابة العامة والشرطة، بأنها تسعى للقضاء على مسيرته السياسية، عبر المماطلة في عمليات التحقيق، علما بأن الشرطة والنيابة العامة، كانت اشتكت أكثر من مرة أن ليبرمان يستغل منصبه الوزاري، وعمله السياسي للتهرب من عقد جلسات التحقيق معه، وهي نفس الشكوى التي رفعها أمس المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، ميني مزوز، عندما أعلن أن أولمرت يستغل منصبه رئيسا للحكومة، ويرفض تخصيص الوقت اللازم لرجال الشرطة للتحقيق معه، كما يقوم بعرقلة عملهم، عبر استغلاله لمنصبه العالي.
وعلى غرار ليبرمان، نحى الوزير السابق للداخلية، ارييه درعي، الشرقي الأصول، الذي اتهم الشرطة والنيابة العامة، والمؤسسة الحاكمة بملاحقته للقضاء على مشرعه السياسي بسبب أصوله الشرقية، لكن درعي أدين في نهاية المطاف بسرقة المال العام، وتزييف في وثائق الجمعيات، وبالنصب والاحتيال، كما أدين رفاق آخرون له من نفس الحزب، مثل يئير ليفي، وشلومو بن عيزري.
وكان وزير المالية السابق، يعقوف نئمان، هو الوزير الإسرائيلي الوحيد، الذي استقال من منصبه الوزاري، عام 1998 وتفرغ للتحقيق والمحاكمة لتبرئة ساحته وقد تسنى له ذلك، خلال عام واحد فقط دون أي مماطلة. لكم أهم ما يقلق بال الأوساط السياسية والنخب في إسرائيل في ملف أولمرت، وسابقه، شارون، (الذي أوقفت إجراءات التحقيق معه، فيما أدين أبنه، بسبب المرض الذي أصابه)، هو أن تتدهور إسرائيل من دولة تعتبر نفسها دولة قانون ونظام إلى دولة المافيا، دولة تتحكم فيها الرشاوى والفساد داخل أروقة الحكم، وهو ما يفسر النفور الرسمي من الثري الروسي الأصول أركادي غايدماك، بسبب التقولات والإشاعات الدائرة حوله بخصوص تجارته في السلاح وعلاقات مشبوهة غير واضحة عدا عن غموض مصادر ثروته.
وترى هذه الأوساط أن استمرار هذا التدهور وغياب المعايير التي تضبط العلاقة بين رأس المال وبين السياسة، كما هو سائد اليوم، بسبب الثغرات القانونية الكثيرة، في قوانين تمويل الأحزاب، وأنظمة جمع التبرعات من الخارج، سيقود في نهاية المطاف إلى أن تصبح إسرائيل جمهورية أخرى من quot;جمهوريات الموزquot; في أميركا اللاتينية التي يباع فيها الحكم ويشترى بالمال وبظهور برليسكوني إسرائيلي جديد.
التعليقات