أسامة العيسة من القدس : أضحت الإحتجاجات، والإحتجاجات المضادة، السمة التي تميز الطائفة العربية الأرثوذكسية في الأراضي المقدسة، وتحولت شوارع مدينة القدس، إلى المكان المفضل للتظاهرات التي تؤيد أو تعارض البطريرك الحالي أو السابق، أو تندد بهما معًا، في الوقت الذي تشهد فيه شوارع المدينة احتفالات اسرائيلية ضخمة ستستمر حتى العام المقبل، في الذكرى الاربعين لاحتلال القدس.

حجاج في كنيسة القيامة
وأصبحت المواجهة سافرة بين البطريرك الحالي ثيوفيلوس الثالث ومعارضيه، اثر قرار الحكومة الأردنية الاخير سحب اعترافها به.

ويأخذ خصوم البطريرك عليه، عدم إلتزامه بما قطعه على نفسه، بعد أن خلف البطريرك السابق ايرينيوس، بشأن العمل على إلغاء صفقات بيع العقارات في القدس لجماعات يهودية، واشراك رجال الدين العرب في مؤسسات البطريركية العليا، علمًا بأن رعايا طائفة الروم الأرثوذكس في الأراضي المقدسة، والتي تشمل فلسطين والأردن وإسرائيل، يشكلون 90% من مجمل الرعايا بين يشكل اليونان 10% وهم مسيطرين على مقدرات البطريركية.

وكان خصوم البطريرك الحالي قد تنادوا لعقد مؤتمر في العاصمة الأردنية عمان في الثاني من شهر أيار (مايو) الجاري، واستجابت الحكومة الأردنية لتوصية المؤتمر بسحب الإعتراف من البطريرك، وهو ما جعل الأمور تزداد سخونة وسط المجتمع الأرثوذكسي.

أما مؤيدو البطريرك الحالي، فيرون أنه يواجه إبتزازًا من الحكومة الإسرائيلية التي تشترط للإعتراف به، التصديق على صفقات بيع أراض وعقارات لجماعات يهودية وهو ما يرفضه البطريرك.

ووفقًا لما نشرته صحيفة هارتس العبرية، فإن الحكومة الإسرائيلية وضعت سبعة شروط للاعتراف بالبطريرك الحالي، أهمها موافقته على صفقات يتم بموجبها نقل الملكيات على عقارات أرثوذكسية لإسرائيل في القدس، وإلتزام البطريرك ببلورة طريقة لإبقاء العقارات عند باب الخليل بيد المستأجرين الإسرائيليين، الذين استأجروها في عهد البطريرك السابق ايرينيوس، والذي رفع التماسًا أمام القضاء الإسرائيلي لإلغاء الصفقة، معتبرًا أن الصفقة غير قانونية لأنه تم فيها تزوير توقيعه.

ومن بنود الوثيقة أيضًا: quot;كل مُلك، إن كان بيتًا أو أرضًا أو متجرًا وغير ذلك، يتم عرضه للبيع أو التأجير لفترة طويلة يجب عرضه بداية على الحكومة الإسرائيلية، أو من يُمثلها، ويكون لها الحق الأول بشراء أو استئجار هذا العقارquot;.

ويطلب البند السابع من البطريرك أن يجري quot;إحصاء لكافة أملاك البطريركية ثم يجري بحثًا مع إسرائيل حول الأملاك التي ينوي بيعها أو تأجيرها لأمد طويلquot;.

وصعّد البطريرك من هجومه على خصومه واتخذ قرارًا بمنع المطران عطا الله حنا، الشخصية الأرثوذكسية البارزة، من أداء الخدمات الكنسية لمدة شهرين من باب تأنيبه، إضافة إلى رجلي دين آخرين من المعارضين للبطريرك الحالي.

وأصدرت البطريركية بيانًا بهذا الشأن أشارت فيه إلى حنا باسمه اليوناني وهو ثيوذوسيوس، جاء فيه quot;بحث مجمع بطريركيتنا المقدس في جلسته المنعقدة بكامل النصاب يوم الخميس الموافق 24-5-2007، حسب التقويم الغربي الرسالة الدفاعية للإكليريكيين الثلاثة أعضاء أخوية القبر المقدس رئيس أساقفة سبسطية ثيوذوسيوس والأرشمندريت خريستوفوروس والأرشمندريت ملاثيوس فأدان هؤلاء واعتبر سلوكهم غير قانوني ومغايرًا للقوانين الكنسيةquot;.

وأضاف البيان: quot;من أجل الحفاظ على مناخ السلام والتسامح والوحدة ونظرًا للظروف الحساسة سياسيًا فرض عقاب التأنيب الشديد نحو الأرشمندريتين وإيقاف رئيس الأساقفة السيد ثيوذوسيوس عن القيام بالخدمات الكنسية مدة شهرين. غير أن المجمع على استعداد أن يرفع ذلك في حال أظهر هؤلاء أمام لجنة مجمعية سلوكًا يتفق والأوامر الإنجيلية والقوانين الكنسيةquot;.

وذكر البيان أن المجمع المقدس وافق quot;على توجيه رسالة إلى دولة رئيس وزراء الأردن تتعلق بإعادة تأسيس المجلس المختلط وقرر تأسيس مكتب للإعلام والمطبوعات تابع للبطريركية في عمّان ndash; الأردنquot;.

وبعد صدور هذا البيان، تحرك حنا ومؤيدوه ضد البطريرك الحالي، واعتبروا ان اجراءاته العقابية، تكشف عن نواياها، وانها تمهد لاجراءات اخرى.

وتنادى مؤيدو البطريرك ثيوفيلوس الثالث، وعقدوا مؤتمرًا في القدس، وهم يطلقون الشعارات الداعمة للبطريرك وخاصة في ما وصفوها معركته ضد المؤسسة الاستيطانية الإسرائيلية التي تحاول السيطرة على عقارات البطريركية وتلاقي مقاومة شرسة منه.

وتحدث في المؤتمر فؤاد البندك رئيس الجمعية الأرثوذكسية في بيت لحم مؤكدًا quot;أهمية الوحدة لمجابهة المخاطر التي تحيط بالبطريركية المقدسيةquot;، داعيًا الجميع للكف عن التوجه لوسائل الإعلام لبث ما quot;يشوه صورة الرعية الأرثوذكسية ورعيتهاquot;. وتوجه للبطريرك ثيوفيلوس الثالث بالتقدير quot;على الإنجازات التي حققها خلال الفترة القصيرة منذ انتخابه، على الرغم من المعوقات التي حاولت وتحاول شل عمل البطريركيةquot;.

وندد الدكتور خليل اندراوس عضو اللجنة التحضيرية للمؤتمر الأرثوذكسي الوطني بقرارات مؤتمر عمان الذي عقد في الثاني من أيار (مايو) الجاري، مؤكدًا ان بيانه تم إصداره قبل بدء أعمال المؤتمر تماشيًا مع مصالح بعض القائمين عليه، ودون أي اعتبار للأصوات المعارضة من المشاركين بالاجتماع الذي وصفوه بأنه quot;تمثيلية سيئة الإخراجquot;. وقدم اندراوس صورة عن الممارسات الإسرائيلية بحق البطريركية quot;وتوافق مصالحها الاستيطانية مع مصالح بعض الذين يزرعون الفتن ويحاولوا شق الصف الأرثوذكسيquot;.

وألقى الأب عيسى مصلح، من بيت ساحور، كلمة رجال الدين شدد فيها على ضرورة quot;التمسك بصخرة الإيمان المسيحي الحق لكي نتمكن من اجتياز هذه المرحلة الحرجة التي نمر بها نتيجة طمع المحتل ونزوات بعضهمquot;. وأكد quot;على ضرورة فتح أبواب الحوار ومد جسور التعاون بين أبناء الرعية الأرثوذكسية وقيادتها الروحية لكي نتمكن من تحقيق حقوقناquot;. وسرد الأب مصلح الإنجازات التي تم تحقيقها منذ انتخاب البطريرك ثيوفيلوس، من بناء للكنائس والمدارس واهتمامه الخاص بالرعية الفلسطينية واحتياجاتها، وهي تمر في ظروف مأسوية نتيجة الأوضاع السياسية والاقتصادية السيئة التي نعيشهاquot;.

واستهجن البيان الختامي للمؤتمر quot;حملة التشويه المنظمة التي يقودها بعض أصحاب المصالح الشخصية ضد بطريركيتنا المقدسة ورئيسها الروحي البطريرك كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالثquot;.

واستنكر ما نتج عن اجتماع عمان وأعلن التأييد والمبايعة للرئاسة الروحية ودعا إلى إحترام استقلالية المؤسسة الروحية الأرثوذكسية في الأراضي المقدسة والأردن quot;وعدم السماح لذوي المصالح الشخصية للتأثير السلبي على العلاقات الأخوية التكامليةquot;.

وبعد النقاش تجمهر المشاركون في المؤتمر في منطقة باب الجديد في البلدة القديمة متوجهين إلى بطريركية الروم الأرثوذكس وهم يحملون يافطات الدعم والتأييد للبطريرك ثيوفيلوس الثالث ويطلقون شعارات التنديد بإسرائيل وممارساتها بحق البطريركية.

وينقسم أفراد الرعية الآن إلى ثلاثة أقسام، الأول يدعو إلى عودة البطريرك السابق ايرينيوس الأول باعتباره البطريرك الشرعي، معتبرين انه كان ضحية مؤامرة إسرائيلية لتشويهه لأنه لم يتورط في تسريب أراض لجماعات يهودية، ويطالبون حكومتا الأردن والسلطة الفلسطينية إعادة الاعتراف به، علمًا بأن اسرائيل لم تسحب الاعتراف به، والقسم الثاني، يدعم البطريرك الحالي ثيوفيلوس الثالث، والقسم الثالث هو الذي يتخذ موقفًا مشددًا من ايرينيوس وثيوفيلوس، ولا يطالب بإعادة الأول، ويطالب الثاني بالإلتزام بما قطعه على نفسه من وعود عشية انتخابه لمنصبه، أو استقالته.

وفي القدس، وعمان، والناصرة، وبيت لحم، وبيت ساحور، وبيت جالا، تنظم تجمعات، وتعقد مؤتمرات، للنشطاء الأرثوذكس المتحاربين فيما بينهم، ويتوقع أن يستمر النزاع، الذي تعود جذوره لأكثر من مئة عام عندما انطلقت الدعوات وسط الطائفة الأرثوذكسية لاصلاح حال البطريركية، ولكن لم يحدث أي شيء جدي منذ ذلك الوقت.

وحسب مراقبين للشان الأرثوذكسي، فان البطريركية، تمر الآن في مرحلة من أصعب مراحلها، لأن البطريرك الحالي لم يعد يحظى بإعتراف السلطة الفلسطينية، بعد أن سحبت عمان اعترافها به، وعدم اعتراف إسرائيل به أصلاً، وهناك دعوات إلى السلطة بسحب الإعتراف، في الوقت الذي لا يؤيد قسم من الأرثوذكس في البطريرك السابق ايرنيوس، عودته إلى كرسي البطريرك، بعد الحملة الكبيرة التي شنت ضده، وأدت إلى إقصائه.

وفي ظل ظروف كهذه تزداد الخشية من تسريب أراض تابعة للطائفة إلى جهات يهودية، يصفها عطا الله حنا بأنها quot;أملاكًا عربية فلسطينية، تسعى إسرائيل لوضع يدها عليها ضمن خطتها لتهويد المدينة المقدسةquot;.