&سليمان يوسف يوسف
&
&
&
إن مصير كل شعب يتوقف أولاً وقبل كل شيء على كفاحه ونضاله من أجل حقه في الوجود والحياة بحرية. لكن كثيراً ما تلعب الظروف الموضوعية(إقليمية ودولية) دوراً مهماً وأحياناً حاسماً في تقرير مصير هذا الشعب أو ذاك. والشعب الآشوري(كلدان/سريان)، ربما هو من أكثر شعوب العالم، لعبت الظروف الموضوعية دوراً مهماً وحاسماً في حياته، إذ منذ سقوط الدولة الآشورية 612ق.م لم تكن الظروف التاريخية في صالحه، لا بل كانت سبباً أساسياً فيما آلت إليه أوضاعه، من تشتت وانحسار وجوده وهجرته من موطنه القديم ( بلاد ما بين النهرين). واليوم، من جديد، يجد الشعب الآشوري نفسه محاطاً في ظروف سياسية وأمنية صعبة بسبب (الأزمة العراقية) التي بدأت في أعقاب الحرب (العراقية الإيرانية) 1980 وتفاقمت في أعقاب (الحرب الأمريكية الإنكليزية)على العراق، واحتلالها له.
&خصوصية الوضع الآشوري:
&نظراً لخصوصية وضع الآشوريين(سريان/ كلدان)، كشعب يتميز قومياً ودينياً وثقافياً عن باقي شعوب المنطقة، يسود (الوسط الآشوري) حالة من القلق والخوف والارتباك السياسي بسبب تداعيات وتطورات الأزمة العراقية، لما ستتركه من تأثير مباشر وكبير على المستقبل والواقع الآشوري أية تطورات أو تغييرات في المنطقة لا تكون في صالح عملية التغيير الوطني وإيجاد البديل الديمقراطي والاستقرار السياسي في العراق والمنطقة. وما يجعل (الحركة القومية الآشورية) أكثر تأثراً بالأحداث والتطورات السياسية، هو افتقارها (لفكر قومي استراتيجي) أو(نظرية قومية) تستمد منها خطابها القومي والسياسي، وبسبب غياب (الاستراتيجية القومية) غالباً ما تطرح (الحركة الآشورية)أهدافها القومية وشعاراتها السياسية تحت ضغط وتأثير (التطورات والأحداث السياسية) التي تشهدها المنطقة، وهذا يبدو واضحاً وجلياً في ظروف وشروط انعقاد المؤتمر القومي العام(الكلداني/السرياني/الآشوري) في بغداد من( 22-24/10/2003 )، الذي فرضته التطورات السياسية الجديدة التي يشهدها العراق، وانتهاء عهد الدكتاتورية والاستبداد وفتح صفحة جديدة في التاريخ السياسي الحديث للعراق، طبعاً من غير أن يتحدد شكل الحكم أو النظام السياسي فيه بعد، ومن غير أن تتضح صورة عراق المستقبل بشكل كامل، إذ ما زال العراق محتلاً من قبل قوات التحالف. لكن بات من المؤكد، أن زمن انفراد حزب واحد أو قومية واحدة بالسلطة والحكم وإدارة البلاد قد ولى من غير رجعة. حيث شكلت لجنة دستورية من العديد من القانونيين والحقوقيين والباحثين العراقيين لوضع دستور عراقي جديد يقوم بشكل أساسي على الإقرار بالتعددية القومية والإثنية والدينية والثقافية والسياسية في المجتمع العراقي، وعلى تداول السلمي للسلطة عبر انتخابات ديمقراطية. وقد أصدر مجلس الحكم الانتقالي في العراق، قبل أيام، قرار يسمح بموجبه لغير العرب التعليم بلغتهم القومية في كامل أنحاء العراق.
ظروف انعقاد المؤتمر القومي (الكلداني/السرياني/الآشوري) في بغداد:
هذه التطورات العسكرية والتحولات السياسية والفكرية العميقة فرضت على الآشوريين أن يرتبوا وضعهم الداخلي ويستعدوا للاستحقاقات القومية والوطنية التي تنتظرهم في العراق. ولأجل هذا كان لا بد من عقد مؤتمر قومي (كلداني/سرياني/آشوري) عام تتفق فيه جميع الطوائف والشرائح التي تنضوي تحت هذه التسميات الثلاث والتي تتكون منها (القومية الآشورية)، على تصور مشترك وموقف موحد من المستقبل السياسي للعراق وشكل نظامه ودستوره الجديد، كذلك من مسألة حقوقهم القومية ومستوى تمثيلهم في السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في العراق الجديد. خاصة وكلنا ندرك ما تحويه (الخريطة السياسية) والبناء القومي الآشوري من تصدعات وتشققات طولاً وعرضاً، وهناك تباين وخلاف كبير بين مختلف الطوائف والمذاهب الكنسية والدينية التي تتكون منها (الأمة الآشورية) وكذلك بين الأحزاب والتنظيمات الآشورية حول (التسمية القومية والهوية الثقافية) لهذه الأمة، هل هي آشورية أم كلدانية؟ سريانية أم أرامية؟. لهذا انعقد المؤتمر تحت شعار: ( من أجل وحدتنا وحقوقنا القومية والوطنية في العراق)، حاملاً اسماً ثلاثياً توفيقياً شاملاً للتسميات الأساسية الثلاث (كلداني /سرياني/آشوري). بمشاركة أكثر من مائتي عضو مثلت غالبية التيارات والقوى السياسية والاجتماعية والثقافية و المؤسسات القومية والكنائس الكلدانية الآشورية السريانية في العراق، وبمشاركة وفود من مختلف دول المهجر ومن سوريا ولبنان وإيران وتركيا.
&لا شك أن (الهوية الثقافية) و(الشخصية القومية) لأي شعب هي المحصلة الرئيسية للتطور (الثقافي/السياسي/الاجتماعي/التاريخي) لهذا الشعب. لكن بسبب ضعف (العامل السياسي ) في ابراز (القضية الآشورية) وتحديد الشخصية القومية للآشوريين، يبرز دور (عامل التاريخ) كأهم وأقوى العناصر في الهوية الآشورية. مع هذا بدلاً من أن يكون (التاريخ) عنصراً إيجابياً يقوي الموقف القومي الآشوري، يبدو اليوم إن هذا التاريخ بات عبئاً كبيراً على الآشوريين وسبباً أساسياً لخلافاتهم وانقساماتهم وضعفهم وانتقاص الآخرين من وجودهم وحقوقهم. فمن المؤسف حقاً أن تتركز وتنحصر الجدالات الفكرية والسجالات السياسية التي تشهدها الساحة الآشورية، منذ سنوات، حول مسألة التسمية والهوية القومية والثقافية للشعب( الآشوري/الكلداني/السرياني)، لهذا أدرجت (مشكلة التسمية)، كإحدى النقاط الأساسية على جدول أعمال المؤتمر، الذي أقر على أن كل من ( الآشوريين والكلدان والسريان) هم أبناء لقومية واحدة. وأقر التسمية(الكلدوآشورية) كتسمية قومية موحدة لهذه الفئات الثلاث، و بأن (السريانية) هي لغة وثقافة هذا الشعب. وطالب المؤتمر بضرورة تثبيت هذه التسمية في الدستور العراقي الجديد. والإقرار بالوجود القومي (الكلدوآشوري) كقومية أصيلة وعلى أساس المساواة مع بقية القوميات ومبدأ الشركة في الوطن، وبما يضمن ممارسته لحقوقه القومية والسياسية والادارية والدينية والثقافية وكذلك حقه في التمثيل والترشيح في السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
الحالة الآشورية السورية وقرارات مؤتمر بغداد:
طبعاَ وكما قلنا منذ البداية أن (الحالة العراقية) فرضت على الآشوريين عقد مؤتمرهم هذا، ولهذا جاءت قراراته ملبية حاجة (الحركة السياسية الآشورية) في العراق. وهنا لا بد من أن نسأل: كيف ستتعامل (الحركة القومية الآشورية) مع مشكلة(التسمية) إذا ما واجهت استحقاقاً قومياً في سوريا في المستقبل؟ هل
ستتبنى تسمية مركبة مثل (الآشوري سرياني) نزولاً عند رغبة الطائفة الكبيرة وهي(السريان )، إذا ما اعترضت على التسمية (الآشورية) كتسمية قومية للسريان، مثلما تنازلت الحركة الديمقراطية الآشورية في العراق نزولاً عند رغبة (الكلدان). ثم ألا تنسحب قرارات المؤتمر، باعتباره مؤتمراً قومياً- طبعاً ما يخص منها التسمية القومية للشعب( السرياني/الكلداني/الآشوري) بـ( الكلدوآشوري) واعتبار(السريانية)، لغة وثقافة هذا الشعب- على (الحالة الآشورية) خارج العراق؟ خاصة على (الحالة الآشورية السورية)، التي تشكل الامتداد الديمغرافي الطبيعي للحالة العراقية و(لبلاد ما بين النهرين)؟. خاصة أن حضور (الحركة الآشورية السورية) كان قوياً وفاعلاً في جميع جلسات المؤتمر، من خلال وفد قيادي من (المنظمة الآثورية الديمقراطية)، - التي ساهمت في عقد هذا المؤتمر لدوافع وأهداف (قومية) أكثر مما هي (سياسية)- وكذلك حضور العديد من الشخصيات الآشورية المستقلة. إذ ليس من الواقعية والعقلانية بشيء أن يسمى شعب بلاد ما بين النهرين القديم في العراق بـ(الكلدوآشوري) وفي خارج العراق بـ( آشوري) أو (سرياني) أو(كلداني)، فهناك خشية حقيقة من أن يتحول انصار(الكلدوآشوري) في المستقبل إلى (طائفة سياسية)، ولدت بقرار سياسي، ليس أكثر، إذا ما اقتصرت على الحالة العراقية وحدها.
لا شك أن الخريطة الطائفية(المذهبية) والسياسية الآشورية في (سوريا) ليست كما هي عليه في (العراق). ففي سوريا أكبر (الطوائف الآشورية) هي السريان(أرثوذكس وكاثوليك)، أما في العراق يمثل(الكلدان) الغالبية العظمى من الشعب الآشوري. كما (أن المنظمة الآثورية الديمقراطية)، وهي أكبر الفصائل الآشورية في سوريا، غالبية أعضاءها وكوادرها هم من طائفة (السريان الأرثوذكس)، أما في (العراق) أن غالبية كوادر (الحركة الديمقراطية الآشورية)، وهي أكبر الفصائل الآشورية، هم من (الطائفة الآشورية الشرقية).
بالرغم من حالة التشابه الكبير بين وضع (الكلدان) في العراق ووضع (السريان) في سوريا من حيث الثقل البشري، لكن هناك فروقات كبيرة بينهما من حيث الموروث الثقافي والاجتماعي ومن حيث النزعة الطائفية، التي تبدو عند السريان أقل حدة منها عند الكلدان المتأثرين جداً بالفكر (الكاثوليكي) الغربي الذي لا يريد للكلدان أن يندمجوا في القضايا القومية والشؤون السياسية في الشرق. لهذه الأسباب وغيرها لا أظن أن (الحركة القومية الآشورية) في سوريا ستواجه ذات المشكلة وبذات الحجم ما بات يعرف بمشكلة (التسمية) كما حصل في العراق، خاصة الموقف الجيد والمرن الذي أبدته الكنيسة (السريانية الأرثوذكسية) من مسألة التسمية (الآشورية) أو (الكلدوآشورية). فـ(الكنيسة السريانية) تنظر لـ(السريانية) كمفهوم ثقافي لغوي يخص الآشوريين والكلدان مثلما يخص السريان، في حين للتسمية الكلدانية بعد (أثني/جيهوي) بنسبة معينة، متميز في مراحل معينة من التاريخ الوثني القديم لسكان(بلاد ما بين النهرين).
أخيراً:
إن المطلوب من (المنظمة الآثورية الديمقراطية) اليوم في سوريا، التي تجاهلت كلياً انعقاد المؤتمر القومي(الكلداني/السرياني/الآشوري) في بغداد، وفي ظل الموقف السوري الرسمي الرافض للاعتراف بالآشوريين في سوريا وحقوقهم كقومية ذات خصوصية تاريخية وثقافية، هو إعادة تأسيس (الحركة القومية الآشورية) تحت أسم(الكلدوآشوري) على نحو يجعلها كتلة اجتماعية ثقافية وسياسية وطنية واحدة ومتماسكة والولوج للمعترك السياسي السوري لتأخذ دورها الفعال في (الحركة الوطنية السورية) وتصبح جزءاً منها. وإبراز الوجود الآشوري(كلداني/سرياني) في سوريا، كمكون أساسي وأصيل في المجتمع السوري، باعتبار يشكل الآشوريون(سريان كلدان) العمق التاريخي والحضاري لسوريا القديمة منذ أكثر من خمسة قرون مضت.
سوريا........... مهتم بمسألة الأقليات