عبد الجبار العتابي من بغداد:عرضت على قاعة المسرح الوطني ظهر يوم الاحد مسرحية (الاسكافي) تأليف واخراج الاستاذ الدكتور عقيل مهدي، وتمثيل رياض شهيد الباهلي وخالد احمد مصطفى وحسين علي هارف وجبار خماط، وهي من انتاج كلية الفنون الجميلة / جامعة بغداد، وبحضور مميز من الفنانين والاعلاميين والمثقفين واساتذة وطلبة كلية الفنون الجميلة، على الرغم من الاجواء الحارة جدا التي كانت في القاعة بسبب عدم وجود تكييف!.

ظهرت على الخشبة مع ازاحة الستارة واندلاع موسيقى سمفونية منضدة مستطيلة تصطف على مقدمتها مجموعة من قناني المشروبات الروحية، مختلفة الاشكال، ومع الاضاءة الخافتة يظهر شخصان منكفآن على المنضدة احدهما يرتدي ملابس رجل دين والاخر يرتدي بدلة، ثم يدخل عليهما شاب يرتدي ملابس انيقة وملونة ويذهب ليقف امام منصة ويقول : ساحصل لكل واحد منكم رقما، حذاء رجل او امرأة او طفل، ويضحك قبل ان يقول : اهلا بكم.. اهلا اهلا بكم جميعا، ثم سرعان ما يصرخ بالرجلين تهديدا ووعيدا، ثمم يخلع ملابسه لتظهر ملابس الاسكافي، ونعرف ان الرجلين يمثلان (رجل دين والشخصية اليهودية الامريكية جومسكي) وبعد قليل يهبط رجل اخر يرتدي بدلة يؤكد انه ضل طريقه الذي كان من المفروض ان يكون هبوط مروحيته في المنطقة الخضراء لكنها هبطت في مكان ما من بغداد، ونعرف انه جورج تنت رئيس وكالة المخابرات الامريكية، ونعرف ان هؤلاء الثلاثة تعرضوا للاختطاف من قبل الاسكافي.

وتتواصل المسرحية في اجراء حوارات ما بين الثلاثة (رجل الدين المسلم وجومسكي وجورج تنت) حوارات تتسم بالنقاش الحاد تارة والهاديء تارة اخرى، نقاشات حادة لاسيما التي يكون طرفها جورج تنت فيما تكون هادئة مابين رجل الدين المسلم وجومسكي، الحوارات تتناول قضايا سياسية ودينية وفكرية وعقائدية، فيما يظهر بين اونة واخرى الاسكافي بملابس مختلفة ومعه تتغير خلفية العرض المسرحي، حتى اللحظات الاخيرة التي توضح ان تنت يحمل في حذائه جهاز رصد لم يستطع الاسكافي كشفه وهو ما يعني ان الاختطاف يفشل، فيما يدور بين رجل الدين وجومسكي حوار قصير ينتهي بقول رجل الدين (الناس صنفان، أماّ أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)، يمضي رجل الدين ويبقى جومسكي متفكرا في القول قبل ان يمضي هو الاخر.

وبعد انتهاء العرض توقفنا عند الدكتور عقيل مهدي مؤلف ومخرج العمل وتحدث الينا عن فكرة عمله ورسالته والمبررات من عرضه، فقال : هذا العرض اضاءة لتجربة سابقة تشتغل على شخصيات عراقية معروفة بشكل افتراضي، وسبق ان قدم هنا علي الوردي وغريمه بعد سلسلة من العروض عن السياب والجواهري وجواد سليم وحقي الشبلي ويوسف العاني، وفي هذا النص الجديد حاولت ان اخرج عن الاطار العراقي وتناولت شخصيات اجنبية ولاول مرة يتعرف جمهورنا على نمط من الشخصيات الجديدة مثل جومسكي اللغوي الامريكي المعروف وجورج تنت رئيس وكالة المخابرات الامريكية، وهو في العرض سيتحاور مع شخصيات عراقية مثل رجل الدين الذي يمثل هنا رمزا عراقيا متفهما ومتنورا، اي يمثل الجانب الايجابي فيما يحصل الان من صراعات على ارض الواقع، وهناك شخص سلبي عراقي يمثله الاسكافي رجل الميليشيا الذي هو عبارة عن مسخ لفشل في التجربة السياسية في جوانبها المعرقلة للحياة، وهو بالتالي لا يمثل مستقبل العراق وانما ولد لكي يفنى ويندحر نهاية اسلوب الميليشيات والقتل على الهوية، وهو اسلوب شائن لايليق بكرامة اي انسان وبالتالي هو يحيلنا الى الفوضى والاضطراب وتدمير الوطن.
واضاف : كانت فرضية العرض هي ما الذي يحصل لو اتيح المجال امام الاسكافي ليؤدي دورا سلطويا ويكون حاكما، ويجيب العرض عن هذه التساؤلات لان الشخصيات يجمعها انفعال مشترك امام الموت والتحدي رغم اختلاف طبائع الشخصيات ودوافعها وغاياتها.

واكد : اردت ان اقول ان الجهل وشرطية العرض بررت لماذا اخترت الاسكافي مثلا من داخل عناصر هذه المسرحية نفسها، لانه يرتبط بأحذية المغدورين والقتلى الذين للاسف بتنا نتعرف على ابنائنا الشهداء والمغدورين من خلال الاحذية.

واستطرد اجابة حول سؤال ما الذي حرضه لاخراج مثل هذا العمل قائلا : مبررات عديدة منها المبرر الشخصي الاساسي لانني بوصفي مسرحيا ان اعلن وجهة نظري واثبت موقفي مما يحصل في العراق والعالم واعتقدها قضية رئيسية لكل فنان يعبر عن ضمير شعبه والناس المهمشين، وبالتأكيد قدمت العمل لما تنبأت بالكثير من المواقف التي حصلت لاحقا بعد كتابة النص الذي كتبته قبل اكثر من سنة ونصف بأن الاحتلال سينسحب وان الشعب هو الذي سيختار حاكمه الحقيقي وان ما سيبقى في البلد ويمكث عميقا لا المجنزرات ولا الطائرات، بل الثقافة الانسانية ممثلة بجومسكي الذي يحب الانسان ويحب الشعوب ويدافع عن الحق بوجه الطغاة اينما يكون.