تقترح طبيعة عملنا في الكتابة السياسية والإعلام إختلاطا ً واسعا ً ومتنوعا ً مع مختلف أطراف العملية السياسية العراقية، ومن هم داخل العملية أو خارجها، ومن يقف معها أو يعارضها، واعرض هنا جملة من المفارقات والطروحات والوقائع المتواكبة مع ماراثونات مشروع ما يسمى ب " التسوية التاريخية " تقوم بها قيادات التحالف الشيعي، في محاولة للفوز بمشروع وطني يعيد تجديد حضورها في مراكز السلطة والدور القيادي للعملية السياسية .

 أغرب ما أثار انتباهي أن طروحات الآخر ( العدو) السياسي في نظر القائمين على التسوية، تذهب بأتجاهات موضوعية يتجلى فيها العمق الوطني وإجتراح حلولا ً إصلاحية حقيقية، ليست شعاراتية ترقيعية بهدف كسب الآخر والهروب للأمام كما حدث مع الأتفاقات والتسويات السابقة، أنما هي تؤكد على جذور وأسس المشكلة المتمثلة بمشروع الإحتلال والنظام الطائفي والمحاصصة والدستور والإستبداد بأسم الغالبية والتبعية المذهبية والإستئثار بالسلطة وإنعدام مبادئ العدالة واستقلال القضاء ومبادئ المواطنة وقوانينها ...الخ .

ومقارنة بما يتحدث فيه الآخر( العدو) وما تقدمه التسوية من تصفير للمشكلات المتراكمة والمآسي الكارثية، واقتراحها بتنازل كل طرف للآخر وفق اشتراطات استنجادية لتغطية مرحلة الفشل لثلاثة عشر سنة مضت، إنماهي تمرير لمشروع تسوية يحمل لعبة المغالبة وتكريس واقع حال سياسي مرهون لمدارات اللعبة السياسية والمراوغة وكسب الرهان في زمن أطول لسلطات فقدت مشروعية وجودها، بعد ان تفسخت وطال فسادها مشارب الحياة العراقية المتنوعة .

 السؤال الذي يتقدم هنا، هل أن التسوية أو المصالحة التي يتبناها التحالف الوطني الشيعي مع أطراف سياسية معارضة تعبر عن قرار وطني شعبي عام، أم هي رغبة أطراف سلطة حاكمة تريد أن تخفف من أعباء معارضيها ..؟

الحقيقة الماثلة واقعيا ً أن هذه السلطات باتت مرفوضة من قبل الشعب بقطاعاته الواسعة والمتعددة في انتمائاتها ومكوناتها الطائفية والسياسية، ولعل استحضار مظاهرات الربيع الأخير في عموم مدن العراق، وماحدث في مدن الناصرية والعمارة والبصرة قبل أيام قليلة، يكشف بوضوح تام عن معارضة المدن ذات الغالبية الشيعية لهذه السلطات الحكومية والسياسية الفاسدة .

 أنا أرى ان التحالف الشيعي مدعو أكثر من أي وقت مضى للتصالح مع الشعب العراقي قبل التصالح مع معارضيه السياسيين، فهذا الشعب قدم أكثر من مليوني ضحية في الدفاع عن حكومتهم الفاسدة التي سرقت ثرواته وأحلامه، وأحالته الى شعب يائس فاقد الأمل يعيش اكثريته في ظروف الحرمان والفاقة والتخلف ، وأكثر من 40% من سكانه تعيش تحت خط الفقر، ناهيك عن غياب الأمن والكرامة وانعدام الخدمات وظروف المعيشة الأنسانية وأيسر حقوق الإنسان، شعب يعاني سطوة الأحزاب وميليشياتها ويتعرض للخديعة بأسم الطائفية والمذهب وحروبها العبثية الإجرامية، بينما ينهب السياسيون خيراته وواردات النفط البالغة الف مليار دولار خلال عشر سنوات!

 أي تسوية ومدن الجنوب والفرات الأوسط تصارع الأوبئة والأمراض والفقر والبعض يحصل على طعامه من مكب النفايات والمزابل، بينما تنعم الطبقة السياسية بالثروة والأمن والخدمات..؟

أي تسوية وأهالي ثلاث محافظات سنّية تعيش في مخيمات النزوح والتهجير والإذلال، وهناك مليون مواطن موصلي مهدد بالموت تحت وابل الرصاص ونيران المدفعية وشظايا القذائف ..؟

التسوية التي يقترحها تاريخ من فشل وفساد يمتد ل 14 سنة عجفاء ماضية، ليس أكثر من لعبة سياسية مخادعة، تأتي مع اقتراب الإنتخابات لتعطِ أربع سنوات أخرى لسلطات سياسية وحكومية وبرلمانية فاسدة، أصبح الشعب يقف منها موقف المعادي والمنتفض ضدها .