ينشغل البرلمان العراقي بقراءات أولية لتشريع قانون القبائل والعشائر العراقية، في خطوة لتكريس عودة ممهورة بالقوانين الى عهد ماقبل الدولة، إجراءات صارخة عن فشل السلطات السياسية والقانونية وخطورة استمرارها في الحياة العراقية، بكونها تشتغل على تدمير المجتمع بعد إنجاز مشروع تدمير الدولة .
في نظرة تاريخية فأن قانون العشائر العراقية صدر قبل نحو قرن 1918 وكان يختص بالأحكام في جغرافية المناطق العشائرية حصرا، أما المدينة فلها قوانينها المختلفة، وبعد التطورات الإجتماعية وتنامي الوعي الثقافي واقتراب مظاهر الحياة في القرى والمناطق النائية الى مستوى مقبول من الإندماج القضائي مع الحياة المدنية، ألغي قانون العشائر عام 1959 أي بعد عام من تغيير نظام الحكم الملكي الى الجمهوري فيما يعرف بثورة تموز 1958.
العملية السياسية في العراق التي صنعها الإحتلال الأمريكي سنة 2003 ، وبعد مضي نحو 14 سنة، تعلن عن فشل صريح في تطبيق بنود الدستور الذي يؤكد على السيادة والديمقراطية ودولة القانون والحياة المدنية وغيرها من مظاهر التحضر التي تشهدها الأنظمة الديمقراطية في دول العالم الحر، فبعد إنتهاك السيادة واستقطاع اجزاء من أرض الوطن من قبل دول الجوار، واحتلال داعش لمدنه لسنتين أو أكثر، وسقوط دولة القانون جراء انتشار الميليشيات المسلحة التابعة لأحزاب السلطة الحاكمة، وهذا التراكم الكارثي للفساد الإداري والمالي الذي أنتهى بالدولة الى شلل كبير في تقديم الخدمات والإيفاء بواجباتها في حماية الفرد ورعايته، تقدم سلطة الأحزاب الحاكمة وبرلمانها المشوه على تشريع قانون العشائر، لتضع المجتمع خارج نطاق سلطة القانون الحضري وتعود به الى مواضعات إجتماعية سادت قبل ستين سنة خلت .!!
صحيح ان فساد المحاكم وضعف دور القضاء التنفيذي وتراجع سلطة القانون والأثر المهاب للدولة ، وتنامي نفوذ سلطة العشيرة وانتشار ثقافة( الﮕوامة) والميليشيات والإحتكام لسلطة مكاتب الأحزاب الإسلامية وشيوخ العشائر ورجال الدين من سادة وشيوخ، هذه الظواهر كانت نتيجة طبيعية لفساد الطبقة السياسية الحاكمة وأجنداتها الطائفية وصراعها على السلطة والمال، وعدم إهتمامها في مشروع الدولة المدنية وثقافة المواطنة والتقدم الإجتماعي.
الطبقة السياسية بإعادتها إنتاج مجتمع وتقاليد القبيلة في القرن الحادي والعشرين، إنما تمثل ظاهرة سلوكية شاذة وكأنها تسير بدوافع إنتقامية من المجتمع العراقي، ومحاولة ترييفه وإعادته الى حضائر إنقرضت منذ قرن مضى..!
كان حريا ً بالطبقة السياسية وبرلمانها وتشريعاتها، أن لاتسيء الى الطبيعة المدنية للمجتمع العراقي، بل تعمل على تثبيت ماينمي هذه الروح المدنية القادرة على تفعيل وترسيخ النظام الديمقراطي في تشريعات تحدّث القوانين بموجب التطور الكبير الذي تشهده مجتمعات الأرض والأنظمة السياسية الديمقراطية، بدلا من تشريعات تسعى الى نقله من مجتمع المدينة وتحصيلاتها الحضارية في مئة عام ماضية، الى مناخ القرية واعرافها التي تعمل بذاكرة استعادية لمفاهيم (الدية) و(الفصل) و(السبايا)....الخ.
لا اعرف بماذا يمكن وصف هكذا دور رجعي متخلف وسلبي تمارسه هذه الطبقة السياسية الطارئة والمتهمة بالخيانات للقسم الدستوري، وهل يستسلم الشعب والمجتمع العراقي ويستقبل هكذا تشريعات تسمه بالتخلف والموت الحضاري والتراجع التأريخي ..؟
التعليقات