ميزانية العراق للعام المقبل 2017 تجهز على آخر ما تبقى من مساحة الإكتفاء بحدوده الدنيا لعموم العراقيين، وتنهي من تبجح في السنوات السابقة عن حديث الرفاهية وحقوق الشعب والتنمية وغيرها من سفسطات زعماء الفساد السياسي، فالشعب الذي حرم من الأمن والسلام الإجتماعي والبطاقة التموينية وخدمات الكهرباء و الصحة والنظافة والتعليم الجيد، سيكون في العام المقبل رهينة لدفع العجز في الموازنة البالغة 21% من ميزانية مقدارها 100ترليون دينار عراقي، أي مايقارب ال 77 مليار دولار امريكي .

العجز بحسب ماورد في الموازنة سترمي بثقلها على كاهل المواطن المتعب معيشيا، مسبقا ً، لأن موظفي الدولة سيدفعون استقطاع شهري يبلغ نحو 4% من الراتب، كما سيشهد زيادة تبلغ 20% على كارتات الموبايل وخدمات الأنترنيت وزيادة في التعرفة الكمركية والبضائع المستوردة، اضافة الى زيادة في اسعار تذاكر السفر بالطائرة خارجيا وداخليا ً وفي عموم الضرائب على المواطنين ،يضاف لها زيادة في اجور الكهرباء والماء والمشتقات النفطية التي تباع للمواطنين .

تستطيع ان تحكم على فشل" الدولة " العراقية وفساد حكوماتها المتعاقبة وسلطتها التشريعية عندما تصل الرواتب والنفقات الى 75% من الموازنة، في ظل إنعدام التنمية والإستثمار وغياب أي نشاط صناعي وزراعي وتجاري يمكن ان يسهم على نحو ما في تغطية هذا العجز ..!؟

 

 ان سوء التخطيط وعدم الإستفادة من ارتفاع اسعار النفط في السنوات السابقة وضياع مئات المليارات في صفقات فساد ومشاريع وهمية، واقتصار الإقتصاد العراقي على عائدات النفط ، أبقى الإقتصاد العراقي إقتصادا ًريعيا متخلفا ً ومقيدا ً لم يستطع الإستفادة والإستثمار الإيجابي حتى في قطاع النفط ، بينما يعد العراق أحد أوفر البلدان المنتجة للنفط .

 الفساد والضعف وهشاشة الوضع الإقتصادي يعد ترجمة صريحة للفساد السياسي، وهذا الفساد المركب كان ومايزال السبب الرئيس لضياع ثروات النفط وعدم استثمارها، بل تذهب النسبة الأعظم من تلك الإيرادات للرواتب ونفقات ليست لها أثر في بناء الإقتصاد، وإنما رواتب متعاظمة للمسؤولين من الرئاسات والوزراء والنواب والدرجات الخاصة، وجيوش مليونية من موظفي دولة غير منتجة إنما هي ماكنة وحشية للهدر وإفلاس الدولة والمواطن ..!

مايدعو للدهشة ان البلاد تخوض الحرب ضد داعش والشعب الذي يقاتل ويدفع ثمن أخطاء المسؤولين سياسيا ً، هو من يتحمل عجز الموازنة أيضا في زيادة الضرائب والإستقطاعات ونقص الخدمات، بينما يتنعم كبار المسؤولين والرؤساء ونوابهم والوزراء ووكلائهم واعضاء مجلس النواب وعشرات الآلآف من الموظفين ( الفضائيين) أي الوهميين ، يتنعمون برواتب وامتيازات ومنافع تثقل الميزانية وتشكل واحدة من معالم فساد توزيعها .

العام المقبل سيكون عاما ً صعبا ً معيشيا ً وتقليصا ً تدريجيا للطبقة الوسطى وتقلصها، وأما الضرائب والإرتفاع في الأسعار سوف يصحب معه غلاءً معيشيا عاما، يضرب محدودي الدخل والفقراء بأزمات معيشية عسيرة، ناهيك عن تكاثر البطالة وانحسار فرص العمل وارتفاع معدلات التضخم والفقر .