في خضم ردود الافعال التي تتزامن مع اصرار كردستان على اجراء الاستفتاء باعتباره الحدث الاهم الذي يعصف بالمنطقة ومايعقب ذلك من تكهنات وتهديدات اقليمية وعراقية باللجوء الى اجراءات عسكرية واقتصادية تجاه كردستان بذريعة أن الاستفتاء يشعل صراعا جديدا في المنطقة وان التوقيت غير مناسب وسيكون كارثيا بينما تصر القيادة الكردية وعلى رأسها الرئيس مسعود بارزاني يسانده في ذلك غالبية الاحزاب وقواعد الجماهير الكردية على اجراء الاستفتاء وتثبيت الاستقلال والخروج من معركة الاستفتاء بشكل مربح...الاستفتاء ماض ولاتراجع في عملية الاستفتاء كما أكد على ذلك مسعود بارزاني في آخر تصريح له واعتبار الاستفتاء في هذا التوقيت السترة الواقية لكردستان وفي المقابل فان الضغوطات و المخططات والمؤامرات مستمرة لافشال عملية الاستفتاء وعزل الاكراد عن التأثير على مجريات الامور والتغيرات والتطورات والتحولات المتسارعة التي تطرأ على المنطقة بعد الانتهاء من محاربة داعش وتيرة الاحداث هذه مستمرة واصرار البارزاني على تنفيذ عملية الاستفتاء يعطيه زخما سياسيا قويا باعتباره الشريك الاقوى للولايات المتحدة الامريكية في العراق.... بغداد ترفض الاستفتاء وباعتقادي بأن حجم الامتداد الجغرافي، والتاريخي، والثقافي، بين بغداد وأربيل يعكس آثاراً ارتجاعية لكل حدث أو متغير في ساحة أيّ منهما على الآخر الأمر الذي يجعل من أية محاولة طارئة لاستيعاب مفردات ما تترتب من تطورات على المسار الثنائي لعلاقات الطرفين السياسية عملاً ليس بالسهل فهمه وغالباً ما يقع المتسرعون في فهم القضية ضحية التحليل السطحي وخلاصاته الضحلة و تزداد مخاوف هذه الاوضاع المتأزمة بإزدياد رقعة الصراع الدائر حول المطالب الكوردية المشروعة وإنفجار البالونات الملونة على طاولة الحوارات الساخنة بين بغداد و القيادة الكوردية التى كانت دائما ترى ظرورة تنفيذ الإستحقاقات الكوردية جملة و تفصيلا في عاصمة الرشيد إن أمكنهم الايام ذلك.في وقت تدرك هذه القيادات جيداً أن بغداد لا تتفاوض بل تمارس دور المفاوضات بلهجة الصدق الكاذب و التجارب التأريخية برهنت و أثبتت هذه الحقيقة المرة و اخبرتهم أن السلطة المركزية مختصة بشنق الخطاب الكوردي على أبواب بغداد إن لزم الأمر ذلك!! المشكلة عويصة وأمام محك مزمن بحيث عندما يقول الاكراد لبغداد (نحن) عراقيون وجزء اصيل من نسيج هذا البلد لكم مالنا وعليكم ماعلينا أنذاك يتم اتهامهم بالعمالة للاجنبي وانهم غير منتمين (للعراق العظيم) وعند المطالبة بالاستقلال يقال لهم لايجب تجزأة العراق (انتم عراقيون ) حتى بات من الصعب على المواطن الكردي التفكير بالاتجاه الذي يضمن به وطنيته وقوميته فأين المفر؟ وكلما تسلم نظام جديد مقاليد الحكم في العراق ولكي يثبتوا أركان النظام يعملون على ملاطفة الطرف الكوردي و إظهار المرونة وسعة الصدر في تنفيذ مطالبهم و ان الاكراد شعبهم ولا يتجزؤون منهم و العديد من مَوالات المكر السياسي و التي ظهرت تداعياتها فيما بعد... إنها أزمة الثقة المعدمة بين الطرفين في سفينة مثقوبة لم تمتلك السلطات العراقية النية و الجرأة لحلها و وضع حد للتداخلات الدولية خاصة لصراصير دول الجوار حتى لا يستمروا في تدوين هوامشم على مساحات هذه القظية العراقية الصرفة. كردستان ومنذ ما يزيد على نصف قرن باتت مجالا للاستنزاف وحتى وقتنا الراهن. والأكثر صحة اليوم أن نقول أن من يرفضون التجربة الكوردية يرفضون في الحقيقة كل تغيير ولايقبلون بواقع العراق الجديد..لا شك أن هذه المشكلة المزمنة في العراق لا يمكن إرجاعه إلى عوامله المحلية "الوطنية" بمعزل عن مناخه الدولي العام، وواقع ما آلت إليه فلسفة رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي الذي بنى لنفسه منهجاً، وصيتاً، وصوتاً سلطويا مذهبيا على حساب بقية مكونات الشعب العراقي. المالكي مع الحدث لكن أسلوب حديثه لايتناسب مع الاحداث فلغة المقابلات والحديث لها فنونها وعلى المتحدثين أن يتكلموا بهدوء وثقة لايتكلموا دون ترتيب للأفكار ونبذ الرموز الوطنية؟ والاخطر من ذلك ان دولة القانون تعيد انتاج مشهد العجز عن تحديد موقعهم على خرائط الازمات المتتالية دون اية استفادة من التجارب لتدلل من جديد على غياب حالة الوعي التراكمي..ويبدوا ان صناع القرار داخل حكومة المالكي يتقنون فن العيش بين الالغاز السياسية فالحليف عندهم لغز والخصم كذلك وهذه الحالة ليست وليدة اللحظة او المرحلة فهي متأصلة الى الحد الذي يصعب تحديد بداياتها وان طفت ملامحها على مفاصل تاريخية من فصول المؤامرة ضد الحركة التحررية الكوردية واذا كانت هناك قواسم مشتركة بين المفاصل التاريخيية بحيث يصعب استبعاد وخروج اقليم كردستان بـ " خفي حنين "من الازمة الحالية وهو مجاز جرت العادة على استخدامه في خداع الذات للتنصل من تحمل مسؤولية الخطأ والتقليل من تداعيات الازمة حتى اكتشفت بغداد لكن بعد فوات الاوان أن منطق "الفهلوي" في التعامل مع سلطات كردستان لم يكن مجديا لخياراتهم المعلقة والبحث عن الانتصارات السهلة جعلت من الابرياء رمادا لنياتهم..المسألة برمتها لا تتعدى أن تكون جنوحاً نحو التطرف المذهبي والفكري لدولة القانون ومحاولة الغاء الاقليم الكوردي،إذن تصبح جهود التنسيق الثنائي بين بغداد واربيل ذات ضرورة ملحة في ردع لغة القوة وتهديد كردستان بطائرات(أف 16) وإنما استباقها بمساعي سلمية، وتطوير الظرف المحلي الداخلي بآليات فكرية وثقافية تعيد للمجتمع العراقي توازنه الطبيعي دون الحاجة إلى "جدار فاصل" يؤدي مهمة "البتر" ضد الإقليم الكردي وبالتالي فإن التخلص من التوجهات الشاذة كان يعني تحصيناً للشعبين العربي والكردي كشركاء اساسيين فيالعراق لكن هذا وبكل أسف لم يحدث؟؟. مع هذا فإن المسألة كلها لن تكون ذا أثر بعيد المدى ما لم يتبنَّ الطرف الدولي مسئولياته الاخلاقية والتزاماته تجاه الشعب الكردي وحقه المشروع في تقرير مصيره باعتباره ضحية المؤامرات الدولية كما أكد على ذلك رئيس اقليم كوردستان ( مسعود بارزاني ) في مناسبات عديدة وكف بغداد عن استفزاز هذا الشعب المضطهد وزج حكومة الاقليم بين الحين والاخر في مواقف حرجة كما حدث في قضية الهاشمي وقضايا اخرى هائجة.وبلاشك ان كل درس وكل لحظة سابقة وكل صفحة تاريخية من الماضي لها اعتبارها من الناحية السايكولوجية والاجتماعية والعسكرية وحتى الاقتصادية من منظور تفاعلها مع جملة امور كانت فيما بعد لها أشد التاثيرات الايجابية والسلبية على سياسة الجانبين ومن هنا فان التفسيرمحاولة لكشف الخلل والتبرير يقود الى التعايش مع افرازات الكوارث. فلم تزل ذهنية صناع القرار في بغداد مشدودة نحو نمطية الفهم حين يتعلق الامر بمصير كردستان خاصة في هذا الظرف الحساس من تأريخنا وابرز ملامح هذه النمطية تتلخص من خلال تداول مفاهيم سياسية مشكوكة في صحتها والشروع في تفكيك آليات صنع القرار في كوردستان كما طالبت بغداد بذلك مرات عديدة. وتبرير التحايل على الذات لتسويغ استمرار الترنح في عالم متغير...ان القيادات الحقيقية التي يعرفها الناس ويلتحمون معهم عليهم أن لا يكتفوا بتوجيه الناس عبر البيانات والخطابات الحماسية الواقع أن حكومة بغداد حتى الآن منقسمة على نفسها ومتصارعة مع بعضها البعض كصراع تناقض العوارض.وفي كل الأحوال لم تنجح الحكومة العراقية في تقديم رموز مقنعة للجماهير العراقية لكي يلتفوا حوله في مطالباتهم بتحسين اوضاع الشعب العراقي المنكوب ومن ناحية أخرى كما أن العدالة ليست عمياء ومطلقة دائما كذلك لاتخلو آداء السلطات في كردستان من عيوب وقصور في العمل الاداري وحسن التدبير ولم ينكروا ذلك فقد دعى رئيس اقليم كردستان وفي مناسبات عديدة الى ظرورة تنفيذ واتباع اصلاحات عديدة في كردستان والقضاء على كل اشكال الفساد الاداري ومحاربة بؤر الفساد جملة وتفصيلا وان يكون الجميع تحت سلطة القانون وتحت شعار (الحق يعلو ولايعلى عليه) وقد شجعت ظروف الاحداث الأخيرة كل ألوان الطيف السياسي في كردستان على الحديث بجرأة غير معهودة عن التغيير وأن غالبية التيارات أجمعت على ظرورة التغيير والاصلاح مع خلافهم على بعض التفاصيل. واخيرا نقول: ان مصير الشعب الكوردي في المرحلة المقبلة سيكون رهينا بالتغير الذي يطرأ على مقدرات القوة في المنطقة.