النظام بات ملزماً للإختيار قريباً ما بين الشرعية أو إحتكار السلطة
مخاوف من تحول إيران بسبب أزمتها إلى ديكتاتورية رخيصة
إيلاف: جاء مشهد مظاهرات المليون شخص الشاذ في شوارع العاصمة الإيرانية، طهران، والذي لم يحدث منذ إندلاع الثورة الإسلامية التي أطاحت بنظام الشاه عام 1979، ليثير قلوب عشاق الحرية في جميع أنحاء العالم. هذا ما ينطبق بصفة خاصة عندما يكون المصدر الرئيس للغضب الشعبي، وهو الرئيس أحمدي نجاد، ذو الشخصية المستأسدة المنكرة للمحرقة، الذي بات فيما يبدو مصممًّا على مواصلة مساعيه الخاصة بامتلاك السلاح النووي. ومع هذا، فقد مال الغرباء للإعلان عن دعمهم للمتظاهرين من منطلق ضرورة معاملتهم بحذر خشية تحقيق عكس ما يعتزمون فعله. وفي هذا الإطار تعد مجلة quot;ذا إيكونوميستquot; البريطانية تقريرًا مستفيضًا حول تصاعد حدة الأجواء المضطربة في إيران عقب انتهاء الانتخابات الرئاسية التي أقيمت قبل أسبوع.
تقول المجلة في البداية، أنه وبعد وضع البلاد في قبضة قوية على مدار ثلاثين عامًا، يمر رجال الدين الحاكمين في إيران بحالة من الفوضى. فالمرشح للانتخابات الرئاسية، مير حسين موسوي، الذي كان من المفترض أن يحل ثانيًا في الانتخابات التي أقيمت الأسبوع الماضي، يبدو أنه كان من يجب أن يفوز على الأرجح، استنادًا إلى كل موجات اللغط التي أحاطت بعمليات فرز الأصوات. كما أكدت المجلة على أن هناك حالة من الانقسام بداخل المؤسسة السياسية في البلاد، في الوقت الذي ينحاز فيه بعض من شجعان الثورة للمتظاهرين. وحتى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية، الذي يحظى بقدر كبير من الروحانية التي تحول بينه وبين المشاركة في الاقتراعات الشعبية نظرًا للوظيفة شبه كلية القدرة التي يشغلها على مدار العقدين الماضيين، قد أصبح متورطًا في النزاع الانتخابي القذر. وربما يواجه حتى في نهاية المطاف مسألة بقاؤه أو بقاء النظام على قيد الحياة.
وأشارت المجلة في ذات الوقت إلى أنه لا يمكن للمرء أن يرى ما بداخل الغرف الخلفية للمؤسسة الدينية أو المواقع الحصينة للحرس الثوري. كما لا يعرف أحد النتائج الحقيقية لعملية التصويت. ولا يمكن لأحد أن يتوقع الفترة التي ستستمر بها مظاهرات الشوارع، أو مدى جاهزية النظام في استخدام القوة، وكذلك الثمن الذي سيدفعه مقابل دماء شعبه. ومع هذا فقد حدث أمراً غاية في الأهمية بدولة محورية في أكثر مناطق العالم سخونة. ومن خلال قراءتها الخاطئة لشعبها على نحو مهلك، يجب على الحكومة الإيرانية الآن أن تقرر إذا ما كانت ستدعم أم ستقوم بشن حملات قمعية.
حكم التاريخ
تعد إيران نقطة ارتكاز لتلك المنطقة غير المستقرة. وإذا ما تصرفت بصورة مسؤولة، فإن العالم سينظر إليها بصورة طبيعية على اعتبار أنها القوى الإقليمية. بدلا ً من تقمص دور الوساطة، الذي غالبا ً ما يتم بصورة حقودة، مع جيرانها. فيما اعتبرت المجلة أن ما يحدث في إيران الآن لم يكن بالأمر المفاجئ، لأنها كانت ضحية لكثرة تقمصها دور الوسيط. كما أنها وقعت بين طيات المنافسين الإمبرياليين ndash; روسيا وتركيا وبريطانيا وأميركا ndash; لأكثر من قرن. كما سبق للغرب وأن استحوذ على النفط الإيراني لنفسه. وسبق لبريطانيا وأميركا أن قاما بتخريب تجربتها الموجزة مع الديمقراطية في عام 1953، كما سبق وأن اعترف الرئيس الأميركي باراك أوباما في خطابه المثير للإعجاب الذي ألقاه من القاهرة للمسلمين في وقت سابق من هذا الشهر. ومنذ جيل مضى، تعرضت إيران لاعتداء من جانب جيش عربي كان يترأسه الرئيس العراقي، صدام حسين، ما نتج عنه مقتل نحو مليون شخص.
أما الوخز الفارسي، وكذلك جنون العظمة، فقد كان أمراً مفهوماً. وتشعر إيران بأنها مطوقة من قبل القوات التي تراها عدوها الرئيسي ndash; ألا وهي الولايات المتحدة. وهناك أيضاً شغف وحرص من قبل القادة الإيرانيين بامتلاك القدرات النووية، التي يقسمون على أنها للاستخدام المدني فقط، غير أن معظم المتابعين من الخارج يرون أن ذك سيكون من شأنه أن يؤدي حتماً إلى تطوير قنبلة نووية، يشترك فيها كافة الايرانيين تقريباً، حتى هؤلاء المنتشرين في الشوارع، باعتباره حق بكوري وطني في هذا العالم العدائي. لكن المجلة عاودت لتؤكد من جانبها على أن وجود تهديد خارجي لا يمكن أن يُبَرِر حالة التفجر الشديدة التي تولدت نتيجة للانتخابات الرئاسية. فإيران ليس عبارة عن كيان ديمقراطي، لكن نظامها، الذي يجمع ما بين السلطة الدينية غير المنتخبة بالسلطة المدنية المنتخبة، قد تم تصميمه لمنح الناس فرصة التنفيس عن أنفسهم من وقت لآخر بداخل مجموعة الحدود الانتخابية التي تم وضعها بعناية. ويوجد اليوم رئيسا لهذا التنفيس. ففئة الشباب مصابة بالملل والتمرد وقلة العمل، والمرأة تشعر بالقهر، وسئم الناس من الخرقاء الاقتصادية. كما نبذ بعض رجال الدين أحمدي نجاد بسبب ماركته الشعبية الخاصة بالإسلام.
وبالنسبة إلى هذه الانتخابات، فقد تم وضع الحدود بصورة ضيقة للغاية. وسمح المرشد الأعلى، المحرض بشكل كبير من قبل المجالس غير المنتخبة، لأربعة فقط من بين أكثر من 400 مرشح بمواجهة الناخبين من خلال افتراض أن رجله المحمي سيكون في نزهة خلال تحقيقه للفوز في الانتخابات. وبدلاًً من ذلك، قامت هذه الجماعات المتباينة من الايرانيين الساخطين بالوقوف خلف المنافس الرئيس لنجاد، حسين موسوي. وقد تسبب تزوير الانتخابات في تحويل هذا الدعم إلى تظاهرة حاشدة ضد النظام نفسه. ونظرًا لأن كافة المرشحين الأربعة الرسميين قد أقسموا على استمرار النظام الملالي بشكل كبير، جاء أداء الحكومة غبيًا وكذلك مؤذيًا.
وخلال التظاهرات الحالية، أبدا المتظاهرون الإيرانيون حزمًا كبيرًا. فقبل انهيار نظام الشاه، استمرت المظاهرات على مدار أشهر. لكن ما تشهده البلاد الآن من أحداث، سوف يتحدد إلى حد كبير من خلال عمق الانقسامات الموجودة بداخل المؤسسة الدينية الحاكمة وبنفس القدر من خلال جَلد وقوة احتمال الحشود المحتجة الغاضبة. هذا ويواجه رجال الدين معضلة يائسة. ومن خلال تمرير قدر من الهواء إلى داخل النظام الذي قام بخنق الحريات الأساسية، قد يؤدي الرضوخ للمتظاهرين إلى تقويض النظام، وباستخدام القوة، ستتولد مخاطرة تنذر بتحول إيران إلى أي ديكتاتورية أخرى رخيصة. فالنظام الذي يسعى منذ فترة طويلة للمطالبة بالشرعية واحتكار السلطة على حد سواء، قد يكون عليه أن يختار عما قريب أيهما يريد.
أفضل عالم
بمشاهدة الإيرانيون وهم يتدفقون إلى الشوارع مطالبين بالتغيير، يتوجب على من هم موجودين بالخارج ويتمنون الخير لإيران أن يأملوا بصورة حثيثة في أن يتحقق ذلك. فيما رأت المجلة من جانبها أن خضوع الإيرانيين للحكم من قبل مجموعة من الرجال المسنين أصحاب العمامات أمر لا يتوافق مع حجم التطور الذي يعيشون فيه. ولطالما ظل النظام نظامًا استبداديًا وغير متحررًا. كما أنه يتعامل بوحشية في كثير من الأحيان مع المعارضين فضلا ً عن عدم احترامه لحقوق الإنسان. كما تمتلك إيران أعلى معدل لعمليات الإعدام القضائية للفرد الواحد في العالم. وتعتبر المرأة هناك من مواطني الدرجة الثانية. وعلى الرغم من ذلك، فإن إيران ليست مثل أنظمة الاتحاد السوفيتي أو ألمانيا النازية الشمولية التي كانت تنتهج سياسات القتل الجماعي. وبرغم كثر الأصوات التي قام بتزويرها، إلا أن أحمدي نجاد يحظى بجمهور عريض من الناخبين يقف ورائه.
وأكدت المجلة في نهاية حديثها على ضرورة تعامل الغرب مع ما يجري الآن في طهران بكل عناية ndash; مثلما فعل الرئيس باراك أوباما ndash; في رد فعله تجاه الأزمة الإيرانية. وقالت أن على الغرب أن يقوم بإدانة انتهاكات حقوق الإنسان وارتكاب المخالفات الانتخابية، لكن دون أن يتدخل. ونظرًا لحالة العداء الإيرانية المفهومة تجاه التدخل الخارجي، لن يعمل الإعلان عن تأييد موسوي إلا على تعزيز موقف أحمدي نجاد. وبغض النظر عن هوية الشخص الذي سيقود البلاد في نهاية الأمر، فسيكون على الغرب أن يجري محادثات مع القادة هناك حول برنامجهم النووي.
وأشارت المجلة إلى أن انتخاب رئيس جديد وتأسيس نظام أكثر شفقة في إيران سيكون بمثابة الجائزة القيمة. كما سيعمل على خفض درجة الحرارة الإقليمية. ففي العراق، حيث تقوم إيران بدور الوسيط، لازالت تجري الدماء هناك على نحو غزير، وإن كان أقل بكثير عما كان عليه قبل سنوات قليلة. وفي فلسطين ولبنان، وكليهما يعتبران مناطق للتدخل الإيراني، قد يساعد استقرار الوضع في البلاد على استمالة أطراف النزاع نحو حلول وسط. وقد يساعد هذا أيضاً في تحسين الوضع بأفغانستان. لذا سيكون على العالم أن يراقب وينتظر، وأن يُبقِي على عرضه الودي مطروحا ً على مائدة التفاوض، مع استمرار حالة الغليان التي تعيشها إيران في هذه الأثناء.
ترجمة أشرف أبو جلالة
التعليقات