ملف: ويكيليكس وقادة العالم وجهاً لوجه |
بسبب انتشار أخطبوط السياسة الخارجية الأميركية العملاق في كل مناطق العالم الدانية والقصية، اكتسب تسريب البرقيات والوثائق المتعلقة بها على موقع quot;ويكيليكسquot; الإلكتروني اهتماما لا يُظهر الإعلام مثله الا في الأحداث الجسام كهجمات 9/11 وحربي الخليج وأفغانستان على سبيل المثال.
الرئيس الإيراني أحمدي نجاد |
رغم أن ويكيليكس سرب من قبل مئات آلاف الوثائق عن خبايا حربي أفغانستان والعراق، فقد وجدت التسريبات الأخيرة صخباً إعلامياً استثنائيا بسبب أن المسرَّّب حتى الآن عبارة عن برقيات بين كبار الدبلوماسيين ووزارة الخارجية في واشنطن تمتد رقعتها من الرسمي حتى الشخصي. وهذا بالطبع إضافة الى أنها تمس سائر الأحداث التي صنعت التاريخ في السنوات القليلة الماضية بشكل رئيسي.
ولم يكتف ويكيليكس بنشر الوثائق على موقعه، وإنما قدم صورا من البرقيات كاملة لخمس مؤسسات إعلامية أبرزها quot;نيويورك تايمزquot; في أميركا وquot;غارديانquot; في بريطانيا. ورغم أنه نشر حتى الآن نذرا يسيرا مما لديه، فقد أثار زوابع ترددت أصداؤها حول العالم. وأدناه ملخص سريع لأبرز ما ورد في تلك البرقيات:
القنبلة الإيرانية
اتضح أن بعض دول الشرق الأوسط طلبت صراحةمن واشنطن مهاجمة إيران عسكريا من أجل وضع حد مرة وإلى الأبد لطموحاتها النووية التي قد تشمل إنتاج قنبلة تضع رقاب تلك الدول تحت سيف معلق بخيط رفيع. وبين العبارات التي وردت من دول المنطقة quot;وجوب قطع رأس الحيةquot;، وquot;خطر استمرار البرنامج النووي الإيراني أكبر من خطر إيقافهquot;، وquot;الرئيس أحمدي نجاد سيجرنا الى الحربquot;.
quot;الدرونquot; في اليمن
توضح برقية أرسلت في مطلع العام الحالي أن الولايات المتحدة تستخدم طائرات quot;الدرونquot; (بلا طيّار) في عمليات سرية لقصف مواقع يشتبه في أنها تابعة لتنظيم quot;القاعدةquot;، بعلم حكومة صنعاء ومباركتها. لكن هذه الأخيرة تعارض استخدام القوات الأميركية صواريخ quot;كروزquot; لمهاجمة تلك الأهداف وتحظر عليها الإنتشار البرّي.
سجناء غوانتنامو
الرئيس اليمني علي عبد الله صالح |
حاولت الإدارة الأميركية quot;رشوةquot; بعض الدول لتسليمها عددا من معتقلي غوانتنامو. فوعدت سلوفينيا بزيارة من الرئيس باراك اوباما في حال موافقتها، وقالت لبروكسل إن قبولها بعضهم quot;وسيلة رخيصة توفر لبلجيكا مكانة مرموقة في اوروباquot;، وقيل لجمهورية كيريباتي، الجزيرة الواقعة في جنوب المحيط الهادي، إن ملايين الدولارات ستنهمر عليها في حال تعاونها.
قطر الأسوأ
وصفت برقية أرسلت أواخر العام الماضي قطر، التي استضافت قاعدة أميركية لسنين، بأنها quot;الأسوأ في ما يتعلق بمكافحة الإرهابquot;. وقالت البرقية إن قوات الأمن القطرية quot;مترددة في التصدي لإرهابيين معروفين خشية أن تتهم البلاد بالتحالف مع الولايات المتحدة وما سيعقب هذا من عمليات انتقاميةquot;.
باكستان
ثمة هلع أميركي هائل، تبعا لبعض البرقيات، إزاء وقوع المواد المشعة في المفاعلات النووية الباكستانية في أيدي إرهابيين. ولذا فقد بدأت واشنطن مساعي محمومة منذ العام 2007 لإزاحة تلك المواد، لكن إسلام أباد احتجت بأن الباكستانيين سينظرون إلى هذا وكأن الولايات المتحدة قد انتزعت سلاحهم النووي منهم.
تجسس على الأمم المتحدة
رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني |
بين ما كشف عنه برقية من وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون إلى دبلوماسييها في الأمم المتحدة تأمرهم بجمع معلومات عن كبار العاملين في الهيئة الدولية تشمل سير حياتهم وعينات من أحماضهم النووية وبصمات أصابعهم وصورا لحدقات أعينهم وحساباتهم المصرفية وعناوينهم الإلكترونية وكلمات مرورهم والشيفرات التي يستخدمونها في اتصالاتهم الرسمية.
زعماء العالم
حملت البرقيات quot;آراء شخصيةquot;في مختلف زعماء العالم وكانت بشكل عام غير رحيمة بهم. فسمّت أحمدي نجاد quot;أدولف هتلرquot;، وألصقت بأنغيلا ميركل quot;خوفها من المغامرة وافتقارها للإبداعquot;، ووصفت نيكولا ساركوزي بأنه quot;سلطوي متعجرفquot;، وسيلفيو بيرلسكوني بأنه quot;أخرق وضعيف وباحث عن الضوءquot;، وفلاديمير بوتين بأنه quot;زعيم العصابةquot;، وعلي عبد الله صالح بأنه quot;عديم الصبرquot;، وحميد كرزاي بأنه quot;ضعيفquot; وشقيقه احمد والي قندهار بأنه quot;فاسد وتاجر مخدراتquot;.. وهذا على سبيل المثال وليس الحصر.
ردات الفعل الغاضبة..
طبيعي أن يثر ويكيليكس غضب واشنطن إزاء نشر غسيلها القذر على هذا النحو. فارتفعت الأصوات الغاضبة بدءا بالمعنية الأولى هيلاري كلينتون التي قالت إن التسريبات quot; هجوم على الأسرة الدولية جمعاءquot;.
ومن جهته وصف الناطق باسم الرئاسة الأميركية، روبرت غيبس، التسريبات بأنها quot;جريمة كبرىquot; والواقفين وراءها بأنهم quot;مجرمونquot; لأنهم quot;ينتهكون القانون بشدة ويشكلون تهديدا خطيرا على اولئك الذين يصنعون سياستنا الخارجية أو يمثلونها أو يساعدون على وضعها في مسارها المطلوب لهاquot;.
وكان طبيعيا ايضا أن ينتقد حلفاء واشنطن تسريب الوثائق أيضا. وبلغ الأمر حد قول وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني إنه يخشى من quot;9/11 للدبلوماسية العالميةquot;. ووصفه الأليزيه بأنه quot;متعمدة وغير مسؤولquot;. ووصفت سارة بيلين، مرشحة الجمهوريين لنيابة الرئيس في الانتخابات الأخيرة quot;وجهquot; ويكيليكس جوليان أسانج بأنه quot;عميل معاد لأميركا ويداه ملطختان بالدمquot;. لكنها مضت لتضيف أن التسريبات quot;تطرح تساؤلات خطيرة تتعلق بعدم أهلية إدارة أوباما لإدارة شؤون البلاد بسبب هذا الفشل الذريعquot;.
.. واللامبالية والشامتة
رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين |
مثلمت أوردت quot;إيلافquot; في ما يتعلق بالطلب السعودي الى واشنطن ضرب مفعلات إيران النووية، فقد قالت الخارجية السعودية إن البرقيات والوثائق quot;لا تعنيها في شيءquot; وإنه لا علاقة لها بنشرها، بينما امتنع الأردن والبحرين المشار اليهما في البرقيات عن التعليق.
وقال مسؤول إسرائيلي طلب ججب هويته إن صورة إسرائيل quot;نظيفة والوثائق تدل على أن إسرائيل لا تعتمد لغة مزدوجة وتقول في المجالس الخاصة ما تقوله علنا بشأن ضرورة التحرك لمواجهة خطر التسلح النووي الإيرانيquot;. ومن جهته قال الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، الذي شبه في إحدى البرقيات بهتلر، إن الوثائق quot;لا قيمة لها ونشرها يندرج في إطار حرب معلومات تديرها الولايات المتحدة ضدناquot;.
على أن الشماتة والغضب كانا سمة جهات أخرى. فقد دعا الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز هبلاري كلينتون إلى الإستقالة، قائلا: quot;هذا هو أقل ما يمكنها أن تفعله هي والمنحرفون الآخرون في وزارة الخارجية الأميركيةquot;. وقالت حليفته الاكوادور إنها quot;مستعدة لاستضافة جوليان أسانج في حال ضيّق الغرب خناقه عليهquot;.
مفترق طرق..
في مقال مهم، قالت quot;واشنطن بوستquot; إن الدرس المستقى الآن هو أن المغامرة المتصلة بمحاولات الحكومة الأميركية التشجيع على تقاسم أفضل للمعلومات يمكن أن تقود الى عواقب وخيمة مثل التسريبات الأخيرة.
الرئيس الأفغاني حميد كرزاي |
ويذكر أنه بعدما تعرضت وكالات الاستخبارات الأميركية لموجة عنيفة من الانتقادات التي قالت إنه لو ان هذه الوكالات كانت تتبادل المعلومات، لحال هذا دون وقوع هجمات 9/11. واستجابة لهذا، سارع المسؤولون في مختلف مؤسسات الدولة الى اتخاذ ما شأنه تسهيل تقاسم المعلومات الحساسة بين الإدارات وهو ما أعطى المحللين بدوره منافذ واسعة الى ملفات الحكومة السرية.
وفي بريطانيا قالت quot;اوبزيرفرquot; إن التسريبات quot;نسفت جزءا من النظام الذي تستخدمه الحكومات لحماية أسرارها. يمكن حماية الكلمات وهي على الورق. لكن الكلمات الإلكترونية شيء آخر ولا يمكن حمايتهاquot;. وردد مدير الاستخبارات القومية الأميركية، جيمس كلابر، صدى هذا الرأي قائلا إن التسريبات ستكون لها quot;آثار مخيفة على حرية تقاسم المعلوماتquot;. فهل وصل الغرب الرسمي الى مفترق طرق قد يختار فيه كبت هذه الحرية؟
.. وسؤال مهم
السؤال المهم يتصل الآن بحرية الإعلام نفسها. وكان روي غرينسديل، بروفيسير الصحافة بجامعة quot;سيتيquot; اللندنية ورئيس تحرير quot;ديلي ميرورquot; (1990 - 1991)، قد أثار هذا على صحيفة quot;اوبزيرفرquot;. فقد تسائل عن السبب الذي يحدو برؤساء التحرير الغربيين المدافعين بشراسة عادة عن حرية الصحافة والمعلومات لمهاجمة ويكيليكس بينما يرفع الموقع لواء quot;الحقيقة وحرية المعلوماتquot;.
ورد بنفسه على سؤاله هذا قائلا: quot;من الجلي الآن أن كبار دعاة حرية الصحافة المهللين أبدا لحق الشعوب في معرفة ما يدور حولها يبدون غير قادرين الآن على هضم فكرة أن جهة أخرى تقوم بهذه المهمة بدلا عنهمquot;.
المستشارة الألمانية انغيلا ميركل |
وضرب أمثلة عديد لهذا فأورد عنوان صحيفة quot;الصنquot; الرئيسي الذي وصف التسريبات بأنها quot;خطر على أمن المملكة المتحدةquot;، وتحذير quot;تليغرافquot; من أنها quot;ستضيف مزيدا من العُسر في العلاقات البريطانية - الأميركيةquot;. وأورد أن quot;اكسبريسquot; دعت صراحة الى مبدأ يناقض حرية الصحافة بقولها إن الوقت قد حان quot;لتكميم ويكيليكسquot;. وأشار الى أن افتتاحية لـquot; ديلي ميل بدت وكأنها مذكرة صادرة من مستشار أمني حكومي. فدعت لاتخاذ خطوات تضمن ألا تحفظ الحكومات الغربية أسرارها في خزائن المعلوماتquot;.
أخيرا
ثمة دعوات في الإعلام الغربي الآن تطالب بالتساؤل حول quot;شرعية وأخلاقيةquot; مقولة جوليان أسانج إن كل ما يفعله موقعه هو أنه quot;يكشف الحقيقةquot;. ويقول الداعون لهذا إن ما يُسمى quot;حقيقةquot; ليس كذلك بالضرورة ويظل مشكوكا فيه الى حين إثباته بالدليل الدامغ الملموس. وثانيا، تبعا لهؤلاء، فإن من شأن تسريب الوثائق تعريض حياة الجنود ومن يتعاون معهم للخطر.
ويستشهد المنتقدون بأن منظمة quot;صحافيون بلا حدودquot; الداعية لحرية التعبير نفسها أدانت مبدأ التسريب نفسه باعتباره quot;خاليا تماما من الشعور بالمسؤوليةquot;.
وبالطبع فهناك الرأي المضاد الذي يؤيد ويكيليكس قلبا وقالبا ويقول إن الشفافية وحدها هي الرابط الشرعي الوحيد بين الحكومات وشعوبها. وفي المنتصف هناك جهات مثل مجلة quot;تايمquot; التي قالت إن من شأن ويكيليكس أن يصبح quot;أداة صحافية في أهمية قانون حرية المعلومات نفسهquot;.
ومهما يكن من أمر فمما لا شك فيه الآن هو أن ويكيليكس أحدث ثورة إعلامية تتضح أبعادها الملحمية في أن كل واحدة من حكومات الدنيا لن تقدم بعد الآن على أي خطوة قبل أن تتلفت يمنة ويسرة لمعرفة أي عين تراقبها وأي أذن تصغي لها.
الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي |
مؤسس موقع ويكيليكس جوليان آسانج |
التعليقات