فشلت المعارضة المصرية في الإلتفاف حول فكرة واحدة، نظراً لإختلاف ايديولوجياتها، وتشتت أهدافها، وتنوع مصالح قياداتها، حيث رفضت الأحزاب الرئيسة في البلاد دعم أو المشاركة في إنشاء البرلمان الموازي أو البديل، الذي ولدت فكرته، كرد فعل على ما وصفته تلك الأحزاب بـquot;تزوير الحزب الوطني الحاكم لإنتخابات مجلس الشعبquot;.


اتساع الهوة بين احزاب المعارضة المصرية

أعلنت المعارضة الشعبية تمسكها بفكرة البرلمان البديل، والعمل على خروجه للنور، متهمة المعارضة الرسمية بتحولها عن دورها الأساسي في نقد النظام الحاكم، وطرح البدائل الشرعية له إلى الموالاة. وهو ما اعتبره المراقبون للشأن المصري بأنه ساهم في زيادة انشقاقات المعارضة في وقت من المفترض أن تجتمع معاً وتلم شملها.

وفيما كان بعض البرلمانيين السابقين الذين لم يحلفهم الحظ في الإحتفاظ بمقاعدهم والنشطاء السياسيين، يروجون للبرلمان الموازي أو الشعبي كما يفضلون تسميته، تبرأت الأحزاب المعارضة الرئيسة ممثلة في quot;الوفدquot; وquot;العربي الناصريquot; و quot;التجمعquot; بالإضافة إلي جماعة الإخوان المسلمبن، من الفكرة، معتبرين أنها غير شرعية، وسوف تساهم في زيادة تشرزمها، ما آثار العديد من علامات الإستفهام حول موقفها، ومدى قدرتها على التوحد في مواجهة ما تصفه بإحتكار الحزب الوطني للحياة السياسية، وسد منافذ العمل السياسي أمام باقي الأحزاب. و بالتالي مدى قدرتها على تقديم منافس قوي لمرشحه في إنتخابات رئاسة الجمهورية المقبلة.

في هذا الاطار يقول المستشار بهاء أبوشقة عضو الهيئة العليا لحزب الوفد لـquot;إيلافquot; إن المكتب التنفيذي للحزب درس الفكرة جيداً، و خلص إلى أنها غير مجدية للحياة السياسية في مصر في المرحلة الحالية، مشيراً إلى أن البرلمان الموازي فكرة ليس لها نظيرا في أي من بلدان العالم، وليس لها أساسا أو سندا من القانون أو الدستور.

وأضاف أن حزب الوفد يمتلك من اللجان النوعية والفرعية ما تمكنه من مناقشة أية قضايا على الساحة، وتقديم الحلول لها، ولديه برنامج قوي يعمل عليه، فضلاً على أنه يمتلك صحيفة ناطقة بلسانه، لديها القدرة على القيام بحملات صحافية لدعم أي من القضايا التي تهم المواطن، وبالتالي فالحزب لديه العديد من الآليات الشرعية التي تمكنه من ممارسة دوره بكل فاعلية.

وقالquot; نظراً لكل ذلك لن نشترك في ما يسمى بـquot;البرلمان الموازي أو البديلquot;، مشيراً إلى أن موقف الوفد ليس نوعاً من التعالي، ولكنه محاولة لإستثمار الجهود في ما هو أهم وأكثر نفعاً للوطن. وتابع أبو شقة قائلاً: هناك الكثير من الوسائل والآليات الشرعية المجدية في مقاومة ما يحاول الحزب الوطني فرضه على الساحة السياسية من أفكار، منها استخدام النوافذ الإعلامية في طرح الأفكار الجديدة، وتعبئة الرأي العام في إتجاه معين، كما حدث في الدورة البرلمانية الماضية عندما حاول الحزب الحاكم تمرير مشروع قانون يبيح الإتجار في الآثار، فتصدى له حزب الوفد و الصحافة بقوة، ما أدى إلى تراجعه.

بدوره، اشار أحمد حسن الأمين العام للحزب العربي الناصري إلى أن البرلمان الشعبي أو البديل، فكرة طرحها من فشلوا في إنتخابات مجلس الشعب، مضيفاً أن نجاحها في الضغط على الحكومة لإقرار مشروعات قوانين معينة أو الحد من نفوذ الحزب الوطني في البرلمان الرسمي مشكوك فيه، وقال لـquot;إيلافquot; إن المعارضة كانت تستحوذ على أكثر من مائة مقعد بالدورة السابقة، ولكنها لم تمنع ما يريد الحزب الحاكم اقراره من قوانين، لافتاً إلى أنه من الأفضل الإنخراط في الأحزاب القائمة ومحاولة تقويتها، بدلاً من تفتيتها بكيانات مشكوك في مدى قانونيتها.

لكن جماعة الإخوان اعلنت رفضها للبرلمان، لأنه غير شرعي، وفي هذا الاطار قال الدكتور سعد الكتاتني لـquot;إيلافquot;،إن الجماعة ترفض المشاركة في كيانات غير قانونية وغير دستورية، ودعا من يحاولون العمل على تأسيسه بالتوفيق لما فيه خير العباد والبلاد.

وبالطبع يرفض الحزب الوطني الفكرة أيضاً، بإعتبارها موجهة إليه بالأساس، ويقول الدكتور نبيل حلمي رئيس لجنة حقوق الإنسان بالحزب لـquot;إيلافquot;: لا أتصور وجود أكثر من برلمان في البلاد، إنه برلمان واحد منتخب من الشعب، وهو البرلمان الرسمي والدستوري، أما ما يسمى بـquot;البرلمان الموازي، فهو لا يمثل سوى مجموعة ممن لم يوفقوا في الإنتخابات، ويريدون الإستمرار في دائرة الضوء الإعلامي. ودعا السياسيين الذين يحاولون تأسيس هذا البرلمان إلى ممارسة العمل السياسي من خلال الأحزاب أو الجمعيات الأهلية، و الإبتعاد عن الطرق غير القانونية للعملquot;.

quot;البرلمان البديل فكرة غير مسبوقة وإبداع جديد في الحياة السياسية، ولن يفشل، لأنه لا يعتمد على ما يسمي بـquot;أحزاب المعارضة الرئيسةquot;، التي صارت موالية للنظام، وليست مناوئة لهquot;. هكذا جاء رد أبو العز الحريري أحد مؤسسي البرلمان الموازي على تخلي أحزاب المعارضة عنه ورفضها للفكرة من الأساس. وقال لـquot;إيلافquot;: إن السياسيين المصريين دأبوا على إبداع أساليب جديدة في المعارضة، فقد كانت ثورة 1919 إبداعاً غير مسبوق، نتج عنها تشكيل وفد من القيادات السياسية للسفر لأوروبا للتفاوض على الإستقلال بناء على توكيلات شعبية، وكان إئتلاف المصريين لموجهة إتفاقية كامب ديفيد واللجنة الوطنية للعمال والطلبة ابداعاً آخرا في مواجهة تلك الإتفاقيةquot;. واضاف quot;يأتي البرلمان الشعبي إبداعاً جديداً في مواجهة تزوير الإنتخابات في مصر بدءا من إنتخابات مجلس الشورى ثم المحليات ثم مجلس الشعب، تمهيداً لتزوير الإنتخابات الرئاسية، وهذا يعني أن النظام القائم قد سد أمامنا جميع القنوات الطبيعية لممارسة العمل السياسي، وصادر حق الشعب في التغيير، ولم تعد المؤسسات النيابية تمثل المواطنين، لأنها جاءت بالتزوير، وسوف تساهم في تفشي الفساد والإحتكار أكثر وأكثر، ولن تعبر عن الغالبية العظمى من الشعب المصري، بل ستكون معبرا جيدا عن مصالح النخبة الحاكمة والموالين لها من رجال الأعمال، لأنها لن تجد من يحاسبها أو يمارس الرقابة عليهاquot;.

وحول مدي شرعية البرلمان الشعبي، يوضح الحريري: نحن نعمل طبقاً لمواثيق الأمم المتحدة التي وقعت عليها مصر، ووفقاً للدستور، حيث كفل للجميع حق التجمع السلمي، وما دمنا لم نحمل السلاح أو ندعو لذلك، فنحن نسير تحت غطاء من الشرعية، ونحظى بدعم نحو 80% من تعداد الشعب المصري، الذي يعيش نحو 40% منه تحت خط الفقر، وهؤلاء لم ينتخبوا البرلمان الحالي، إضافة إلى نحو 40% آخرين من أبناء الطبقة المتوسطة وتحت المتوسطة، وهؤلاء أيضاً لم ينتخبوا هذا المجلس، لأنه جاء بالتزوير. ونحن ماضون في تأسيس البرلمان الشعبي، وسوف نحافظ فيه على التوازن بين كافة التيارات السياسية بما لا يجعله أداة في يد أي تيار، وسوف يحمل النواب الصفة الإعتبارية، وهم خبراء في شتى المجالات الإقتصادية والسياسية والإجتماعية والعلاقات الخارجية و القانون الدولي والقانون الدستوري، بحيث يتم مناقشة كافة القضايا المطروحة على quot;البرلمان المزورquot; بمنتهى الشفافية والحياديةquot;. ونوه الحريري بأنهم ليسوا في حاجة إلى الأحزاب الرئيسة مثل الوفد والناصري والتجمع لأنها quot;مدانةquot; وquot;مهادنةquot; و quot;مواقفها مخزيةquot;.

وفي السياق ذاته، قال الدكتور أيمن نور زعيم حزب الغد، وأحد مؤسسي البرلمان البديل، لـquot;إيلافquot; إنهم لم يوجهوا الدعوة إلى أي من الأحزاب المعارضة للمشاركة في تأسيس البرلمان البديل، وبالتالي رفضها له لا محل له من الإعراب. مشيراً إلى أنه لم يفشل، لأنه لم يلد بعد، وأضاف: إنه مشروع جدي، وسيكون علامة فارقة في الحياة السياسية المصرية، حيث انتقل بالمعارضة من مرحلة نقد الواقع إلى مرحلة نقد الواقع وتقديم البدائل له. وتشارك فيه المعارضة الحية، ممثلة في الجمعية الوطنية للتغيير، وحزب الجبهة، وغيرهما من الحركات والتيارات السياسية الفاعلة، وسوف يكون له مكانا ودورا واضحا ومؤثرا في خريطة العمل السياسي خلال الفترة المقبلة.
وما بين رفض المعارضة الرئيسة للمشروع و تمسك المعارضة الشعبية به، ستقول الأيام كلمتها فيه، و quot;إن غداً لناظره قريبquot;quot;.