باتت الحوادث المرورية في العراق تشكل مصدر خطر على حياة المواطنيين أكثر من عمليات العنف التي تشهدها البلاد، وتكشف إحصائية هي الأولى من نوعها عن وقوع حوالي ثمانية آلاف حادث مروري خلال عام واحد هو 2010.


طرق الموت في العراق تطارد حياة الالاف

البصرة: على امتداد الطريق الجنوبي للعراق بين مدينتي البصرة والناصرية، والذي يشكل محوراً تتفرع منه طرق جانبية تؤدي إلى مراكز المدن الجنوبية، يلمح المسافر شاحنات وسيارات محترقة تقطع رتابة منظر الصحراء، وبين حوالي كل ثلاثة كيلومترات تقع عينيك على كتل حديدية مرمية على جانبي الطريق، أما محترقة أو متضررة إلى الحد الذي دعاها أصحابها إلى تركها في العراء.

عبر سنوات، يلمح المسافر بين البصرة (550 كم جنوب بغداد) والناصرية (260 كم جنوب بغداد) أن بقايا السيارات التي تزداد يوميًا بعد يوم علاها الصدأ وسكنتها الحيوانات، وملأ جوفها الغبار، من دون أن يتلمس المرء جهدًا جدياً لإزالة هذه البقايا الحديدية من المكان، فكأنها نبتت كالأشجار، لتستقر إلى الأبد على جوانب طريق استراتيجي يمثل الشريان الحيوي لمدن الوسط والجنوب.

مازال علي محسن يتذكر شقيقه الذي راح ضحية اصطدام سيارته بمركبة طويلة، حين كان متجها من الديوانية إلى البصرة. يقول علي: quot;ليس ثمة مفاجأة في هذا الطريق، فضحاياه كثيرة، فلم يتم توسيعه طيلة السنوات المنصرمة، وحتى في أيام الحرب العراقية الإيرانية، وعلى رغم أهميته الإستراتيجية في ذلك الزمن، إلا أن الاهمال كان سيد الموقف، بل إن الآلة الحربية أتلفت أجزاء كبيرة منه، وفي العام 2003 قللت الآلة الحربية الأميركية من عمره الافتراضي، حيث شهد الطريق الكثير من الانفجارت والهجمات المسلحة التي حولت الطريق الى كتلة صلدة من إسفلت يابس متكسر.

يضيف علي: quot;حصيلة ضحايا حوادث الطرق في هذا الطريق تزيد على ضحايا الإرهاب. وينطبق القول على مدن العراق كلهاquot;، بحسب علي.

طريق البصرة الناصرية

بحسب وزارة التخطيط العراقي،ة يحتل طريق البصرة الناصرية مركزاً متقدماً في قائمة الحوادث التي غالبًا ما تتم بعيدًا عن التغطية من قبل وسائل الإعلام. ففي الأسبوع الماضي شهد الشاعر رياض الغريب في الطريق الرابط بين الناصرية والديوانية (180 كم جنوب العاصمة بغداد) احتراق شاحنة محملة بالسيارات، نتيجة حادث مروري.

يقول الغريب: quot;الحادث كان مروعًا. ويضيف: quot;يجب فتح طريق آخر وبأسرع وقت، فالضحايا في ازدياد بسبب انعدام الرؤيا نتيجة العواصف الترابية وضيق الطريق المخصص للذهاب والإياب. يقول الغريب: quot;سجلت بكاميراتي حوادث عدة حصلت في الاسبوع الماضي على هذا الطريقquot;.

وتشير إحصائيات إلى أن العراق استورد ما يفوق قيمته الـ 7 مليار دولار من السيارات بمختلف الاحجام منذ2003، مما أثر في القدرة الاستيعابية للطرقات، مع تراجع ملحوظ في الرقابة المرورية بسبب الفوضى التي عمّت البلاد خلال الأعوام التي أعقبت الاحتلال الأميركي.

انهيار الطريق الإستراتيجي السريع

منذ العام 2003 تحول الطريق الإستراتيجي السريع الذي شيّد في عهد صدام حسين ويربط بغداد بمدن الوسط والجنوب من جهة، ومدن الوجهة الغربية من جهة أخرى، تحول إلى ما يشبه جزر إسفلت صحراوية متقطعة لكثرة الحواجز بين كل كيلومترات عدة، كما سرق سياجه الحديدي، وفجرت الكثير من جسوره. وكانت شركات أووربية شيدت الطريق بتكلفة بلغت ملايين الدولارات، وتفوق في وقتها العراق على دول الجوار في جودة طرق مواصلاته.

وبحسب تصريحات لمسؤولي المرور في العراق، فإن أعلى نسبة من الحوادث المرورية بسبب السائق، إذ تسبب سائقو السيارات بوقوع حوالي ستة آلاف حادثًا مروريًا في 2010، أي ما نسبته 73 %. لكن الكثير من سائقي السيارات، بينهم أحمد جابر، الذي تمتد تجربته في القيادة إلى ما يقارب الثلاثة عقود، فإن الطرق هي السبب الرئيس، لاسيما الطرق الخارجية ذات الممر الواحد، إضافة إلى قلة العلامات المرورية، وكثرة عقد الطرق الفرعية في الطرقات.

بحسب جابر، فإن من الضروري بمكان توظيف الكاميرات المرورية، وتعليم الطرق بالإشارات المرورية، وتكثيف حملات رفع مستوى الوعي المروري، عبر وسائل الاعلام والمنظمات الاجتماعية، إضافة إلى تأهيل الشوارع عبر التبليط ووضع الأرصفة والسياجات التي تعوق مرور الحيوانات على الطرق الخارجية.

يتذكر جابر كيف انقلبت سيارته في الطريق الملتوي بين البساتين والرابط بين مدينة الحلة (100 كم جنوب بغداد) ونواحيها الشرقية، بعدما اصطدم بخنزير بري خرج فجأة مع صغاره محاولاً عبور الطريق. يضيف جابر: quot;الطريق يلتوي بعقد مفاجأة وتحوطه الأعشاب والنخيل من دون سياجاتquot;، ويضيف: quot;بل إن هذا الطريق الممتد عبر ثلاثين قرية لمسافة ثلاثين كيلومترا، لم يجهز بلوحة مرور واحدةquot;.

احصائية

في إحصائية، تعد الأولى من نوعها في العراق، كشف الجهاز المركزي للإحصاء في بوزارة التخطيط أخيرًا عن وقوع حوالي ثمانية آلاف حادثاً مروريًا خلال عام واحد هو 2010.

ويقول مهندس الطرق خيال كريم، الذي عمل في التصنيع العسكري العراقي لمدة عقد ونصف، في مجال شق الطرق واعداد تقنياتها ولوازمها، إن العراق نجح في بناء شبكة بنى تحتية للطرق وأنظمة المرور، منذ السبعينات دشّنها بمشروع الطريق الدولي السريع، لكن المشروع توقف منذ اندلعت الحرب العراقية الإيرانية.

ويتحدث السائق كامل عن مشاركته في الأسبوع الماضي في انتشال ضحايا اصطدام على طريق الديوانية الموصل الى قضاء عفك (45 كم جنوب شرق الديوانية). ويروي علي عن ظاهرة ايجابية وهو حضور الشرطة و سيارات الإسعاف بسرعة فائقة، حيث نقل الضحايا إلى المستشفيات.

وبحسب شرطي المرور حسين ساجت، فإن السبب في الحادث هو استخدام الطريق الضيق ذو الممر الواحد لنقل المحاصيل الزراعية، مما أدى الى حوادث مرورية خطرة بين الفترة والأخرى.

ويرى ساجت أن عدم امتلاك السائقين لإجازات القيادة، وعدم توافر شروط السلامة في المركبات لاسيما في أوقات المساء، وسير الجرارات الزراعية البطيئة السرعة على الطرق السريعة المخصصة للسيارات سيؤدي الى حصد المزيد من الأرواح على هذا الطريق وغيره. يتابع ساجت: quot;يضاف الى ذلك كله ازدياد نسبة السيارات في الطرقات بشكل مضطرد لا يتناسب وقدرة الاستيعاب الحقيقية لهذه الطرقات.

طرق الموت

ويتحدث مواطنون عن طرق يسميها بعضهم بطرق الموت منها طريق عمارة - نجف (طريق البتيرة)، وكذلك طريق الكوت ndash; الناصرية، والطريق الواصلة بين مركز قضاء الزبير وناحية أم قصر. ويقول سائق الشاحنة كريم الفتلاوي إنه شهد اكثر من خمسة حوادث اصطدام وانقلاب مركبات في الطريق من مينائي أم قصر وخور الزبير التجاريين الى البصرة والذي يمتد لمسافة من 25 كم بسبب التوائه وضيقه وعدم تناسب قدرة استيعابه مع كم الشاحنات والمركبات التي تستخدمه.

ومازال طريق الموصل- بغداد، الذي يعد شريان الموصل (405 كم شمال العاصمة بغداد) نحو محافظات العراق والعاصمة بغداد، والذي افتتح في الاسبوع الماضي يحتاج عملية تأهيل واسعة بعدما خربته العمليات المسلحة وسنوات الإهمال الطوال. وكان طريق بغداد- الموصل اغلق منذ نحو خمس سنوات بسبب العمليات المسلحة التي تشهدها مدينة الموصل.