عراقية تعمل في جهاز شرطة المرور

تعمل الكثير من العراقيات في مهن صعبة كاسرات بذلك قيود المجتمع، ومحققات نجاحات في المجالات التي يعملن فيها، فمن قيادة سيارات الأجرة إلى العمل في محطات الوقود وإدارة المتاجر وبيع الخضار وغيرها من المهن التي كانت حكرا على الرجال.



رغم أن قيادة المرأة السيارة في العراق ما زالت ظاهرة لافتة للنظر، الا أن شخصية المرأة العاملة، تعدمن الملامح البارزة في المجتمع العراقي منذ الثلاثينات من القرن الماضي، بل إن هناك مهنا ارتبطت بالمرأة فقط، حيث أبدعت فيها واحتكرتها ونجحت في تكريس شخصيتها في المجتمع من خلالها.

وتسعى أميمة سليم في بابل (100 كم جنوب بغداد) الى إثبات قدرتها على كسر القيود الاجتماعية بقيادة سيارة (البيك اب) حيث تنقل الخضار والمنتجات الزراعية كل صباح الى العلوة ( اسم شعبي عراقي لمتجر كبير تباع فيه المنتجات الزراعية ). ورغم ان اميمة امرأة ريفية، الا انها سبقت نساء المدينة في مهارتها في القيادة وتسويق منتجات المزرعة والتعامل مع التجار.

ويقول ابو منهل عنها إنها امراة ذكية ومجتهدة، وذات quot;عقلية quot; تجارية تسوّق منتجات الزراعة وتروج لها بكفاءة كبيرة. ويتابع:quot; لا يستطيع أمهر التجار مجاراة اميمة في لباقة لسانها وقدرتها على التسويقquot; كما يثني ابو منهل على صدقها ومهنيتها العالية.

خطوة لكسر القيود
وتشير الوقائع الى ان المرأة العاملة صارت جزءا من واقع حال الشارع العراقي، وتؤمن اميمة ان قيادة المرأة السيارة حق طبيعي للنساء وهو خطوة على طريق كسر قيود الحاجز الاجتماعي.
وفي بغداد تلمح العين تزايدا في ظاهرة سياقة النساء لسيارات الأجرة، وفي مدن مثل البصرة (545 كم جنوب بغداد) وبابل إضافة إلى العاصمة بغداد، تصادفك مشاهدات لنساء يعملن في سلك الشرطة وضابطات مرور.
و تحاول أم جاسم كسر احتكار الرجال لمهنة نقل الركاب في أنحاء بغداد المختلفة، ورغم التعب البادي على وجهها إلا أنها تبدو سعيدة بعملها ولاسيما أن الكثير من الرجال يثنون على شجاعتها كما تحسدهانساء على جرأتها وصبرها.
وأم جاسم أرملة ولديها ثلاثة أبناء، وتشعر ان عملها هذا، حوّلها الى امرأة مستقلة تعتمد على نفسها، وترى انها استطاعت تذليل الفوارق التي كانت تشعر بها بينها وبين الرجل.

غياب الإحصائيات
ويفتقر العراق الى إحصاءات دقيقة عن عدد النساء العاملات، لكن في ظل وجود عدد كبير من الأرامل، تصبح الحاجة الى دخول المرأة سوق العمل ضرورة اجتماعية واقتصادية بحسب أستاذ الاقتصاد في جامعة الكوفة توفيق حسين.
وتقول دراسة للجنة الدولية للصليب الأحمر في العراق في عام 2010 ان هناك (أكثر من مليون امرأة يكافحن في ظل ظروف معيشية قاسية، من اجل إعالة أسرهن، وتأمين الطعام لأفرادها).

وقيادة النساء العراقيات السيارة ليس طارئة على المجتمع، فقد قادت المرأة المركبات منذ الثلاثينات لكن اتخاذها كمهنة تعد حديثة على المجتمع وما زالت تقتصر على حالات نادرة تعد بالعشرات في كل مدينة، في حين تخلو مدن أخرى من هذه الظاهرة تماما.

ويشعر كريم محسن بالسعادة وهو يجلس إلى جانب زوجته التي تقود سيارة العائلة بكل ثقة واقتدار، ويقول : أتقنت أم عصام القيادة تماما، وزادت ثقتي بمهارتها في القيادة حين قادت المركبة أثناء زيارة إلى محافظة كربلاء حيث نجحت في قطع مسافة نحو مائة كيلومتر بكل ثقة ومهارةquot;. وتعلمت أم عصام القيادة على يد زوجها، حيث نجحت أخيرا في إتقان قيادة المركبة بشكل كامل.
ورغم وجود مكاتب قيادة في مدن العراق الا ان الرجل العراقي يحبذ تعليم الزوجة والبنت قيادة السيارة على يده.

لا مشكلة شرعية
ولا يعترض اغلب العراقيين وحتى المتشددين منهم على قيادة المرأة السيارة، ويقول رجل الدين حميد الياسري ان لا مشكلة شرعية في ذلك طالما رافق ذلك التزام بما يوجبه الشرع من ناحية السلوك والمظهر، وشروط الاختلاط بالرجال، واذا كانت المرأة غير مقصرة في أعمال المنزل والأسرة ورعاية الأطفال.

إقبال جماعي من النساء لتبوّؤ مراكز
وتشهد اغلب مدن العراق اقبالا جماعيا بين النساء لتبوّؤ مراكزوظيفيّة واجتماعية وسياسية وتعليمية.
كما يشهد الشارع العراقي تزايدا في أعداد النساء العاملات في المتاجر، ناهيك عن ان وجود المرأة العراقية في سلك التعليم راسخ منذ عقود مضت. وسعت الدولة العراقية إلى زج نساء عراقيات في سلك الشرطة والمؤسسات الأمنية بعدما تزايد عدد النساء الانتحاريات منذ العام 2003 وظهور الحاجة الى الاستعانة بالعناصر النسائية لتوطيد الأمن.

اختراق المجتمع الذكوري
وفي مناطق تتميز بالتقاليد المحافظة والعشائرية مثل الأنبار (110 كم غربي بغداد)، نجحت المرأة في اختراق جدران أقامها المجتمع الذكوري بوجهها، حيث شهدت المدينة في السنوات القليلة الماضية ارتفاعا ملحوظا في عدد النساء الموظفات في دوائر الدولة في المحافظة.
وبحسب رابعة العلواني، عضو مجلس محافظة الأنبار، فإن ذلك يعود الى quot;وجود وعي حقيقي في المجتمع لإعطاء الحقوق للمرأة ودعم الحكومة المتواصل لتدريب الكوادر النسوية في المجالات الخدمية والصناعية وفي قطاع التربية والتعليمquot;.

عاملة في محطة وقود
وتقول سليمة الجزائري إنها عملت في محطة وقود في بابل لنحو خمس سنوات قبل ان تستقيل من عملها لتتفرغ لشؤون الأسرة.
كما تشعر زميلتها سعاد الخفاجي بالسعادة وهي تسوق سيارة لكي تصل الى مقر عملها حيث تعمل موظفة في البنك. وتتابع حديثها : كان الامر في الوهلة الأولى غريبا، وشعرت ان الجميع يراقبني، وان عيون الرجال تطاردني، لكن الأمر يختلف الآن، فانا اشعر بالثقة أكثر في أعمالي. وتؤكد الخفاجي ان الكثير من النساء العراقيات لاسيما الموظفات يدخلن اليوم دورات تعليم القيادة في خطوة نحو تعزيز الاستقلالية في وسط مجتمع ذكوري.

ويقول علي محسن الذي نجح في تعليم زوجته قيادة السيارة ان الأمر وفر له وقتا كان يقضيه في إيصال زوجته الى جامعة بغداد في الجادرية ( احدى مناطق بغداد). و يضيف : أصبحت قيادة المرأة السيارة ضرورة ويتوقع انتشار الظاهرة بسرعة كبيرة في المجتمع مع تحسن المستوى الاقتصادي للمرأة العراقية.
وتعلمت الإعلامية فريدة حسين قيادة السيارة في سوريا، حين وجدت ان الكثير من السوريات يقدن المركبات ويحرصن على منافسة الرجل في هذا المجال. وتسعى فريدة رغم تخصصها الإعلامي الى البدء بمشروع افتتاح مركز تدريبي لتعليم القيادة للنساء العراقيات في بغداد.

أساليب غربية
غير ان أمين حسين الذي قضى عقدامن الزمن في السويد لاجئا وعاد الى العراق عام 2010، يحذر من تقليد المرأة العراقية لنساء الغرب.
ويقول : لا ضير من عمل المرأة وقيادتها السيارة لكن ذلك يجب ان لا يكون على حساب تربية الأطفال وتدبير شؤون الأسرة. ويضيف حسين ان تجربته في الدول الأوروبية تجعله يحذر من فلتان يصاحب أي تحرر للمرأة كما يحصل في الغرب.
ورغم ان حسين عاش لفترة من الزمن في السويد تعد طويلة نسبيا، الا أنه يبدي تحفظا على هجرة المرأة المنزل وتفرغها للوظيفة والأعمال الحرة. ويقول ان رأيه هذا يستمده من مشاهدات له في أوروبا حيث حل التفكك الأسري وانقطاع العلاقات الاجتماعية بسبب الوقت الطويل التي تقضيه المرأة خارج المنزل سواء في ورش العمل أو أماكن الراحة والاستجمام أو النوادي الاجتماعية.

وبحسب الناشطة النسوية كفاح الجبوري فان العراق يشترك مع الكثير من الدول في ضغوط العادات التقليدية التي تحول دون التغيرات الجوهرية الاجتماعية المتعلقة في المرأة.
وفي أغلب الدول العربية فان تطور مشاركة المرأة بشكل اكبر في المجتمع تسير سيرا حثيثا لكنه ليس متسارعا.

وتقول الجبوري إن دور المرأة العراقية شهد تراجعا في العقد الأخير بسبب تنامي الأفكار المحافظة في المجتمع. ولا تؤمن الجبوري بما يصفه البعض بالتناقضات التي تحول بين المرأة وبيتها وعملها.
وتضيف : هناك الكثير من النساء الناجحات في عملهن وفي البيت على حد سواء، فهن مهندسات وطبيبات وناشطات اجتماعيات، وموظفات وسياسيات إضافة الى أنهن ربات بيت ناجحات.

وتؤكد سلوى حسين وهي ناشطة نسوية في الكاظمية في بغداد ان المرأة العراقية تسعى إلى تحقيق استقلالية اجتماعية واقتصادية تمكنها من معاونة الرجل بدلا من الاستغناء عنه.
وانحسرت النظرة المتدنية للمرأة، في الكثير من المجالات بعدما أثبتت المرأة قدرات خلاقة في مجالات كانت حكرا على الرجل فحسب. فهناك من ينظر إلى المرأة العاملة بعين الازدراء وعدم الاحترام.

المهن الشعبية
وعبر سنين طويلة انحسر دور المرأة العراقية في ممارسة بعض المهن الشعبية لاسيما بين الأرامل والنساء الريفيات او النساء اللواتي لم يتلقين تعليما كافيا.
ومهنة الخبازة تمارسها المرأة العراقية في الريف والمدن الكبيرة قبل أن تنتشر أفران الصمون والمخابز حيث تبيع المرأة الخبز إلى المطاعم أو المتاجر.
وفي كل المدن، تحتاج الأسر العراقية الى quot; الخياّطةquot; الى الآن، حيث تلجا اليها العائلات في خياطة الملابس النسائية وملابس الأطفال وخاصة في مواسم الأعياد.
وهناك مهن اخرى ارتبطت حصرا بالمرآة.

ومنذ ثلاثة عقود تمارس ام ايمن عملها ك (حفّافة )، حيث تقصدها النساء لأغراض تجميل الوجه وإزالة الشعر.
ورغم ان صالونات التجميل الحديثة ساهمت في انحسار عمل (الحفّافة) الا ان أم ايمن ما زالت تمارس المهنة وتدر عليها دخلا جيدا يبلغ نحو ستمائة دولار شهريا.
وفي مدينة النجف، اشتهرت ام قصي الأسدي بمهنتها (كشافة وقارئة فنجان ). وتستقبل أم قصي الرجال والنساء لقراءة الطالع ومعرفة أحداث مستقبلية.
وبحسب أم قصي فان زوارها من النساء المتعلمات والأميات على حد سواء، فثمة طبيبات و مهندسات ومدربات وربات بيت يقصدن بيتها لغرض قراءة الطالع. وهي ترفض ان تتحدث عن معدل دخلها من عملها لكنها تؤكد ان ما تحصل عليه هو ( إكراميات ) وانها ترفض العمل مقابل ثمن مشروط.

بائعة اللبن
وفي الكثير من مدن العراق انتشرت أيضا ظاهرة بائعة اللبن وهي مهنة ارتبطت بالمرأة طيلة عقود خاصة المناطق الريفية المحيطة بالمدن حيث تجهز النساء الحليب ومشتقاته إلى الأسواق صباحا.
وفي مدن الكوت والديوانية وبابل ( مدن الى الجنوب من العاصمة بغداد ) تمارس الكثير من النساء مهن حياكة السجاد و ( البسط) التي اشتهرت بها هذه المناطق.
وعملت ام حسن لمدة اربعة عقود في هذه المهنة الصعبة لكنها تأسفلأن مهارات المهنة تنحسر اليوم، داعية الى المحافظة عليها. وتشير ام حسن الى ان المرأة العراقية في السنين السابقة أكثر قدرة على تحدي الصعاب وإدارة شؤون المنزل وتعلم المهن من المرأة العصرية التي تهتم بمظهرها الخارجي ومتعتها فحسب. ومن وجهة نظرها البسيطة فان التعليم ليس كل شيء، والمهم في الحياة هو الإنتاج وخدمة المجتمع بأعمال (ملموسة) في الواقع.
وتذهب الموظفة في جامعة الكوفة ( 160 كم جنوبي بغداد) فاطمة حسن الى ما تعتقده أم حسن حيث تقولإنهناك زجّا للكثير من النساء في مؤسسات الدول المختلفة من دون ان تستثمر طاقاتهن في الانتاج بسبب غياب التخطيط..