خلفت ثورة 25 يناير، 864 قتيلاً، إضافة إلى أكثر من ستة آلاف مصاب، خلال الثمانية عشر يوماً التي اندلعت فيها الثورة، حتى إسقاط نظام مبارك في 11 فبراير/ شباط الثاني. إلى جانب المئات من القتلى، والمصابين الآخرين أثناء المرحلة الانتقالية، التي أدارها المجلس العسكري حتى 30 يونيو/ حزيران 2012.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: رغم مرور نحو عامين على الثورة، إلا أن أحداً من المتهمين بقتل أو إصابة المتظاهرين، لم يصدر ضده حكم بالإدانة، باستثناء الرئيس السابق حسني مبارك، ووزير داخليته حبيب العادلي، اللذين صدر بحقهما حكم بالسجن المؤبد، للامتناع عن إصدار قرارات بإيقاف قتل المتظاهرين، ويتوقع خبراء قانونيون حصولهما على حكم بالبراءة في المحاكمة الثانية.

القصاص.. القصاص

يحيي أسر القتلى والمصابين الذكرى الثانية للثورة، وكلهم غضب وسخط على نظام حكم الإخوان، وخاصة الرئيس محمد مرسي، الذي وعد أثناء الإنتخابات الرئاسية بـquot;القصاص للشهداءquot;، وقال لأسرهم quot;دماء أبنائكم في عنقيquot;، ووعد كذلك بتقديم المهتمين إلى المحاكمة بأدلة جديدة، إلا أنهم يرون أنه لم يف بوعوده، ويشاركون في الذكرى الثانية للثورة، وهم يرفعون شعار quot;القصاص.. القصاص.. قتلوا ولادنا بالرصاصquot;.

بكثير من الحزن، المرسوم على ملامحه، يقول صالح محمد، رئيس ائتلاف أسر الشهداء والمصابين، ووالد الطفل إسلام صالح، الذي لقي مصرعه أمام قسم شرطة إمبابة في الجيزة، إنه يشارك في تظاهرات الذكرى الثانية للثورة، لأنها فشلت في الاقتصاص لدماء أبنائهم الشهداء، الذين قتلوا أثناء أحداث الثورة، أو من لحقوا بهم أثناء المرحلة الانتقالية.

وأضاف لـquot;إيلافquot; أن دماء ابنه لم تجف بعد، ولم تهدأ روحه في القبر، لأن قاتليه ما زالوا أحرارًا طلقاء رغم مرور عامين على استشهاده، مشيراً إلى أن جميع المصابين وأسر الشهداء يعرفون من قتل أبناءهم، لكنهم يريدون القصاص منهم بالقانون. غير أنه يرى أن القانون فشل في القصاص لدماء أبنائهم، وحصل جميع المتهمين على البراءة. وأكد أن الرئيس مرسي وعد بـquot;القصاصquot;، وقال إن دماء الشهداء في عنقه، ولكن لم يف بوعده.

خذلهم الإخوان والمعارضة

ليست لأسر القتلى أية مطالب سوى القصاص ممن قتلوهم أو أصدروا الأوامر بالقتل، ليست لديهم أطماع سياسية أو رغبة في تولي مناصب رسمية، هكذا يقول، وائل شقيق الشهيد كريم أحمد، الذي قتل أمام قسم شرطة دار السلام في القاهرة.

وأضاف لـquot;إيلافquot; أن الجميع خذلهم، ليس الإخوان فقط، بل المعارضة أيضاً، متهماً الجميع بالمتاجرة بدماء ضحايا الثورة، وعدم الوفاء لدمائهم، رغم أنه لولا تضحيات هؤلاء بأرواحهم، ما وصل الإخوان إلى السلطة، ولما كانت رموز المعارضة في المكانة التي هي فيها حالياً من المنافسة على السلطة.

مشيراً إلى أن الحكومة تمنّ عليهم بالمعاش الشهري، وهناك من يحسدونهم على مبلغ التعويض، لكن أحداً منهم لن يقبل أن يفقد ابنه أو شقيقه قتيلاً بالرصاص في الرأس أو القلب، وهو يرى قاتله حيًا أمام عينيه. وقال: quot;فلوس الدنيا كلها لا تساوي قطرة من دماء شقيقيquot;.

الثورة ترجع إلى الخلف

رمضان بكري فقد الإبصار بإحدى عينيه، نتيجة الإصابة بطلقة خرطوش، ولم يجد لنفسه علاجاً حتى الآن، ولم يتم تقديم الضابط الذي أصابه للمحاكمة من الأساس، رغم أنه شاهده وهو يطلق الخرطوش عليه.

وقال بكري لـquot;إيلافquot; إن الثورة ترجع إلى الخلف، لم تقدم إلى الأمام خطوة واحدة. وأضاف أن المشاركة في التظاهرات واجب على كل مصري من أجل تصحيح مسار الثورة، والضغط على السلطة لتقديم قتلة المتظاهرين خلال الثورة وأثناء المرحلة الانتقالية للعدالة، مشيراً إلى ضرورة أن تكون المحاكمة بقوانين ثورية، وليست بقوانين وضعها النظام السابق، الذين حصلوا على مهرجان البراءة للجميع بموجب تلك القوانين.

الثورة مستمرة

الثورة مستمرة، حتى القصاص، هذا ما قاله والد مجدي إسكندر، والد مينا مجدي، الذي قتل يوم جمعة الغضب. وقال لـquot;إيلافquot;، إن ابنه مات وهو ما زال عريساً، مشيراً إلى أن زوجته أنجبت طفلاً بعد وفاة والده بسبعة أشهر، وصار طفلاً يتيماً.

وأضاف أن الثورة لابد أن تستمر حتى لو استمرت سنوات طويلة، حتى يتم القصاص لدماء القتلى، منوهاً بأن الرئيس محمد مرسي لو فقد أحد أبنائه في الثورة لما تعامل بسلبية شديدة مع دماء أبنائهم، ولفت إلى أن السبب في تفرّغ الجميع معارضة وإخوانا للصراع على السلطة ونسيان أسر القتلى والمصابين، أنهم جميعاً لم يقدموا أية تضحيات تذكر للثورة، ولم يتعرّض أي منهم أو أبنائهم للإصابة أو القتل، وأضاف: quot;لا يشعر بالنار إلا اللي ماسكهاquot;.

مطلب الشعب كله

القصاص للشهداء ليس مطلبًا للقوى السياسية والثورية فقط، وليس مطلبًا لأهالي وأسر الشهداء فحسب، وإنما مطلب عادل للشعب المصري كله، هذا ما يقوله التيار الشعبي، بزعامة المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي.

وقال في تقرير له بمناسبة الذكرى الثانية للثورة، إن تحقيق هذا المطلب وعدالته مرتبط بأحكام قضائية رادعة ضد المجرمين الحقيقيين، الذين تسببوا بكل تلك الجرائم وإسالة دماء أطهر وأنقى شباب مصر، وليس تقديم كبش فداء بديلاً من هؤلاء المجرمين.
وشدد على ضرورة إصدار قانون للعدالة الانتقالية الناجزة ويمكن للقضاء محاكمة المسؤولين الحقيقيين سياسيًا وجنائيًا عن جرائم قتل الشهداء مهما كانت مواقعهم.

لكن هل تسقط التظاهرات في الذكرى الثانية للثورة نظام حكم الإخوان، أم تجبره على القصاص لدماء قتلى الثورة التي أطاحت بمبارك؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة.