يرى الدكتور حسن نافعة أن تنفيس الاحتقان السياسي في مصر يمر بهدنة سياسية وتأجيل الانتخابات البرلمانية. ويقول إن التيار الاسلامي لن يحقق الأغلبية في هذه الانتخابات إن حصلت، وإن مرسي خسر شعبيته بسبب عشوائية قراراته.


لا شك في أن الوضع السياسي المصري مضطرب جدًا، وهناك حالة من الانقسام الواضح في الشعب المصري. وقال الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة والعضو السابق في الجمعية الوطنية للتغيير وواحد من أهم النشطاء السياسيين المستقلين في مصر، في مقابلة مع quot;إيلافquot; إن الرئيس محمد مرسي أقرب إلى رجل الدين منه إلى رجل الدولة، مشيرًا إلى أنه أعطى أنطباعًا جيدًا في بداية ولايته وزادت شعبيته عندما أنهى دور العسكر في الحياة السياسية، مؤكدًا أن التخبط والعشوائية في إتخاذ القرارات ساهما في تراجع شعبيته إلى أدنى مستوياتها.

ونبّه نافعة إلى أن طرح الدستور في وسط هذه الأوضاع السيئة زاد من حالة الاحتقان، مقترحًا اللجوء لهدنة سياسية ومحاولة التوافق وتأجيل انتخابات البرلمان حتى تهدأ البلاد، ويستطيع مرسي حل الأزمات الأساسية للمواطن، مثل غياب الأمن وتدهور الاقتصاد.

في ما يأتي نص الحوار:

كيف ترى المشهد السياسي في مصر حاليًا بعد إقرار الدستور الجديد؟

المشهد السياسي مضطرب ومثير للقلق، ويتسم بحالة استقطاب خطرة من جانب التيار الإسلامي أو فصائل المعارضة. والمشكلة تكمن في غياب حوار يساهم في تضييق الفجوة بين هذين التيارين الكبيرين. وزاد طرح مشروع الدستور للاستفتاء في ظل هذا الانقسام من حدة الأزمة، وكان الأجدر بالرئيس تأجيل طرح الدستور حتى التوصل لتوافق حول المواد الخلافية. وكنت أرى أن التوصل لحلول وسط كان ممكنًا، لكن غياب الإرادة السياسية كان سببًا في ما وصلنا إليه الآن.

الهدنة السياسية ضرورة

أليس هناك أمل للخروج من أزمة مصر السياسية؟

نحن أمام وضع سياسي خطير، والسبيل الوحيد للخروج من الأزمة الراهنة الإعلان عن هدنة سياسية. أعتقد أن تأجيل الانتخابات البرلمانية ضروري وحتمي، لأن إجراء الانتخابات في ظل هذا الانقسام لن يحل المشكلة، خصوصًا إن عاد التيار الإسلامي للسيطرة على الأغلبية البرلمانية. سيكون للهدنة السياسية وتأجيل الانتخابات الأثر الإيجابي على الوضع الاقتصادي، الذي وصل لمرحلة الخطر الكبير.

لكن التيار الإسلامي يرى أن إقرار الدستور وإجراء الانتخابات هما السبيل إلى الاستقرار؟

العكس هو الصحيح، فالمفترض أن يكون الدستور محددًا للقواعد العامة للعبة السياسية. لا يمكن إجبار أحد على دخول لعبة سياسية غير موافق عليها، ولا يجوز أن يشعر أكثر من ثلثي الشعب المصري أن هناك من فرض عليه دستورًا لا يقبله. فلا يمكن أن تفرض الأغلبية دستورًا على الأقلية، كما أن إجراء الانتخابات حاليًا سيزيد حالة الاستقطاب السياسي، ما يرتب المزيد من الانقسامات. ولن تكون هناك فرصة لاستقرار حال البلاد كما يتصور التيار الإسلامي.

مصر أكبر من الجماعة

هل يتحمل مرسي عبء هذا الانقسام؟

نحن في ارتباك تسبب فيه من البداية المجلس العسكري للقوات المسلحة، لأنه أدار الجزء الأول من المرحلة الانتقالية بطريقة حاول فيها تقاسم السلطة مع جماعة الإخوان المسلمين. فهو يتحمل جزءًا من هذا العبء وهذه المسؤولية، وجماعة الإخوان المسلمين تتحمل الجزء الأكبر، لكن المسؤولية الآن في غياب الحوار السياسي والمصالحة الوطنية يتحملها الحزب الحاكم، متمثلًا في حزب الحرية والعدالة. جماعة الإخوان المسلمين مطالبة بتغيير عقليتها، لتصبح أكثر مرونة وقدرة على التعامل مع الآخرين، وأن تقتنع بأن مصر أكبر من الجماعة.

الانتخابات امتحان الجميع

هل تستطيع المعارضة في مصر المنافسة في الانتخابات البرلمانية القادمة؟

تعاني المعارضة في مصر من أمراض سياسية بشكل عام. وأنا لست متأكدًا من أن الدكتور محمد البرادعي والسيد عمرو موسى والسيد حمدين صباحي يشكلون ثقلًا سياسيًا وشعبيًا مؤثرًا. فنحن لا نعرف هل يستطيعون أن يحصلوا على الأغلبية في البرلمان القادم أم لا، ولن نعرف ذلك إلا إذا خاضوا انتخابات حرة ونزيهة. لكن الواضح أن الشعب المصري منقسم حول جماعة الإخوان المسلمين، والانتخابات الرئاسية أظهرت هذه الحقيقة بوضوح تامٍ. فمرسي حصل على أقل من ربع الأصوات في الجولة الأولى، وفي الثانية حصل على 51,7 في المئة من الأصوات، ولولا وقوف قطاع من الليبراليين واليساريين معه لما وصل للحكم، إذ أن الأغلبية الإسلامية التي كانت موجودة في مجلس الشعب المنحل لا تدل على الثقل الحقيقي للتيار الإسلامي. أما ثقل رموز المعارضة التي شكلت جبهة الإنقاذ السياسي فلم يتم اختباره بعد.

هل تكشف الانتخابات البرلمانية القادمة ثقل كل تيار؟

على القوى السياسية أن تخوض الانتخابات القادمة لنحكم على شعبيتها وثقلها بالشارع، خصوصًا حزب الدستور الذي تأسس حديثًا ولم يخض أي انتخابات، وبالتالي لا نعرف ثقله. فربما ينجح في تغيير القاعدة السياسية في مصر، أو تنخرط فيه أحزاب أخرى، أو يصبح تيار المستقبل. كل هذه احتمالات، أما المؤكد فهو حالة الاستقطاب الكبيرة بين تيار الإسلام السياسي بفصائله المختلفة، الذي يضم حزب النور والحرية والعدالة والسلفيين وحزب الوسط من ناحية، والتيار المدني المعارض الذي يضم بعض الأحزاب التقليدية مثل الوفد والتجمع، وبعض اليسار الحديث، إلى جانب حزب الدستور بقيادة الدكتور محمد البرادعي، والتيار الشعبي الذي لم يتحوّل إلى حزب من ناحية أخرى.

25 إلى 30 في المئة فقط!

هل التيار الإسلامي مازال مسيطرًا على الأغلبية في الشارع؟

بسبب نتائج انتخابات مجلس الشعب الماضي، اعتقد التيار الاسلامي أنه يملك أغلبية كبيرة، وأنها ستدوم. لكنه لم يدرك أن هذه الانتخابات كانت لها ظروف خاصة جدًا، فلم تكن أمام التيار الإسلامي وتحديدًا الإخوان أحزاب منظمة في ظل غياب الحزب الحاكم بعد الثورة، وبالتالي، كان من الطبيعي أن يحصل التيار الإسلامي على الأغلبية. لكن عندما ترشح مرسي لم يحصل إلا على 51,7 في المئة من الأصوات، على الرغم من أن التيار الإسلامي كله محشود لصالحه، فأنا أعتقد أن نسبة التيار الإسلامي لا تتعدى الـ25 أو 30 في المئة فقط، والباقي يمثل التيارات الأخرى.

هل تتوقع حصول التيار الإسلامي على الأغلبية في مجلس الشعب القادم؟

أتوقع أن تقل نسبة المقاعد التي سيحصل عليها التيار الإسلامي كثيرًا في الانتخابات البرلمانية القادمة، بما لا تمكنه من الأغلبية. لكن الأمر سيتوقف على عوامل كثيرة منها شكل قانون الانتخابات.

خارطة طريق

كيف ترى الخروج من هذا المأزق السياسي؟

أولًا، يجب على مرسي أن ينظر إلى الفترة المتبقية من ولايته الأولى، التي تنتهي في تموز (يونيو) 2016، فترة مكملة للمرحلة الانتقالية يتعين أن تدار من خلال توافق وطني، ويقبل بتقاسم السلطة التنفيذية مع حكومة وحدة وطنية.

ثانيًا، يجب تشكيل لجنة مصغرة من رؤساء الأحزاب والقوى السياسية الرئيسية لحصر الخلافات حول مواد الدستور، والاتفاق على آلية مناسبة لصياغة دستور جديد من خلال لجنة تأسيسية معينة أو منتخبة.
ثالثًا، يجب عدم إجراء أي انتخابات خلال العامين القادمين، لمنح الاقتصاد الوطني فرصة استعادة عافيته، على أن يتولى سلطة التشريع خلال تلك الفترة مجلس موقت يراعي في اختيار أعضائه معايير الكفاءة المهنية وتوازن التمثيل السياسي معًا، للحيلولة دون سيطرة أي تيار أو حزب أو قوة سياسية منفردة على الأغلبية.

كيف تقيّم أداء مرسي حتى اليوم؟

أعطى مرسي انطباعًا جيدًا في البداية. لكنّ أداءه بعد ذلك لم يكن مقنعًا، فبدا أقرب إلى رجل الدين منه إلى رجل الدولة، وتخبط في قراراته ثم عاد فيها، ولا بد أن نعترف أن الوضع لم يكن سهلًا بالنسبة إليه. فقد وصل إلى السلطة في ظل وجود المجلس العسكري، وربما يكون أكبر إنجاز حققه هو الطريقة التي أنهى بها دور المجلس العسكري. إلا أنه بعد ذلك تراجعت شعبيته بقرارات عشوائية، مثل إعادة مجلس الشعب المنحل بحكم قضائي، والإعلان الدستوري المكمل، وأخيرًا طرح الدستور من دون موافقة البعض عليه. ويجب على مرسي مراجعة نفسه وتقييم أدائه حتى يستعيد شعبيته مرة أخرى.