ربما من ايجابيات الثورة السورية الى حدّ الآن، انهاء احتكار حزب البعث السوري للمشهد السياسي. ورغم أنّ العشرات من الاحزاب التي تشكلت حديثا في سوريا تبدو وهمية ولا تأثير لها على الارض مقارنة بهيمنة الجماعات المتشددة، إلا أنّ النشطاء لا يرون ضررا في وجود أكثر من 200 حزب حاليا.


لميس فرحات من بيروت: لا صوت يعلو فوق صوت البعث، هذا ما كان الحال عليه في سوريا التي لطالما عرفت بأحادية الحزب وأحادية السلطة، إلى أن اندلعت الثورة.

لكن منذ اندلاع الثورة حتى اليوم، وبعد مرور أكثر من عامين، تحول الانقسام في البلاد من معارضة وموالاة إلى فصائل ومجموعات وائتلافات لا تعد ولا تحصى مقابل رجل واحد.

200 حزب

تشير التقديرات إلى ان نحو 200 حزب أبصر النور في سوريا خلال مخاض الثورة العسير، كل منها يقدّم نفسه باعتباره البديل الأفضل للرئيس بشار الأسد.

ومع دخول الحرب الأهلية السورية عامها الثالث مع احتمالات ضئيلة بالتوصل إلى حل، تتنافس مجموعات إسلامية متشددة وأخرى معتدلة وغيرها علمانية، في المناطق التي يسيطر عليها الثوار لتقديم أنفسهم على انهم أفضل بديل للحكومة الحالية.

سوق الأفكار

منذ الأيام الأولى للثورة، وصف معارضون مستقبل البلاد بأنه سيكون بمثابة quot;سوق أفكارquot; حيث يمكن للشعب الاختيار من بين مجموعة من الجماعات السياسية والأيديولوجية.

وفي الوقت الذي تستعر فيه الحرب الدموية على أسس طائفية وأيديولوجية، لا يزال الكثير من المعارضين متمسكين برأيهم هذا، وإن كان الاحتمال يبدو ضئيلاً.

نظرية quot;سوق الأفكارquot; هذه تم تقويضها بسبب الفوضى والعنف، حيث يخشى كثيرون من أن حدوث فراغ في السلطة يمكن أن يفتح الباب لقبضة حديدية جديدة تحل محل النظام الحالي، لا سيما في ضوء بروز مجموعات متشددة تحاول كسب تأييد الجمهور.

بالتزامن مع المعارك اليومية والقصف والغارات الجوية، يتواصل تشكيل الأحزاب السياسية مع اعتقاد بأن الانتظار الطويل، سيؤدي لوصول السلطة إلى أيدي مجموعات بأجندات سياسية مختلفة، سواء أكان ذلك من التيارات المنفية والمدعومة من الغرب أو من أولئك الذين يتبنون أيديولوجية مختلفة.

أحزاب وهمية

يقول معارضون سياسيون ان نحو 200 حزب تأسس في سوريا حتى اليوم، على الرغم من أن قلة من هذه الجماعات لديها أي وجود حقيقي على الأرض.

ويقال إن المؤتمرات السياسية تعقد عدة مرات في الشهر للإعلان عن تشكيل أحزاب جديدة، لا سيما بعد التهديدات الاميركية بشن ضربات جوية وشيكة ضد الحكومة السورية.

الفرصة متاحة للتحزّب

quot;إنها فرصة كبيرةquot;، يقول أحمد بريمو، المسؤول الإعلامي في حزب التحرير الإسلامي، والذي تم حظره في العديد من الدول العربية على مدى عقود.

يضيف: quot;من الضروري في الوقت الراهن أن نطلع الناس على سياستنا ونطرح رؤيتنا بدلاً من انتظار الغرب ليأتي ويفرض سياسته عليناquot;.

خلافات بالجملة

في الشهر الماضي، شكلت ما يقرب من عشر جماعات متمردة تحالفاً اسلامياً دعا المعارضة إلى أن تكون ممثلة من قبل أولئك الذين يقاتلون في سوريا ولجعل الشريعة الإسلامية أساس أي حكومة مستقبلية.

في الوقت نفسه، ندد التحالف بالائتلاف الوطني السوري، المجموعة المعارضة المدعومة من الغرب، باعتبار انه لا يمثل المعارضة ومنفصل عن الواقع لأنه يتألف من مجموعة من المنفيين.

هذه المجموعات المتنافسة، التي تنتهج معظمها مبادئ متشددة، أدت إلى انقسام المعارضة أكثر فأكثر وشتت الجهود بدلاً من توحيدها فصار الوضع في سوريا أشبه بسفينة كبيرة تحيطها مراكب شراعية صغيرة.

الدرس المصري

quot;لا يمكننا الانتظار إلى أن يسقط الأسد وتبدأ المرحلة الانتقالية في سوريا لنشكل حزباًquot; قال عمرو العظم، استاذ العلوم السياسية والمعارض السوري لصحيفة quot;لوس أنجلوس تايمزquot;.

وأضاف العظم، وهو عضو مؤسس لحزب سياسي علماني جديد لم يتم الإعلان عنه حتى الآن، إن العديد من النشطاء الذين يودون دخول المعترك السياسي يتعلمون الدروس من تجربة مصر، حيث اقتصرت المنافسة النهائية على جماعة الإخوان المسلمين وفلول حكومة الرئيس المخلوع حسني مبارك.

جماعة الإخوان المسلمين بدورها تنشط في سوريا مؤخراً بعد أن تم حظرها وسجن اعضائها لعقود، وقد افتتحت مكتباً لها في حلب لكنها أوقفت الحملات السياسية العلنية. وقبل ثلاثة أشهر، شكلت الجماعة جناحها السياسي تحت اسم حزب الوعد.

فورة الأحزاب

على الرغم من هذه الفوضى، يعتبر البعض ان فورة الأحزاب السياسية في سوريا دليل عافية، ورد فعل طبيعي على الديكتاتورية والأحادية التي سادت لسنوات طويلة.

سوريا التي سيطر عليها تنظيم سياسي واحد لأكثر من أربعة عقود لا تزال quot;صحراء سياسيةquot;، قال هيثم المالح، وهو منشق وسجين سياسي منذ فترة طويلة، مضيفاً: quot;انه أمر ايجابي بأن الشعب السوري بدأ بالشعور بوجود طريق إلى الأمامquot;.

وقال المالح، الذي يرأس لجنة الشؤون القانونية للائتلاف الوطني السوري إن ما يخيف في هذا الواقع هو أن غالبية هذه الاحزاب تتبنى نهجاً متشدداً، فمنها ما يدعو إلى الخلافة الإسلامية في البلاد، وبعضها الآخر أنشأ محاكمه الخاصة بناء على الشريعة ويطالب بمعاقبة كل من يتناول الطعام علناً خلال شهر رمضان المبارك. وهذا كله يحصل في الوقت الذي تتآكل فيه الاحزاب الاسلامية المعتدلة والجماعات العلمانية. فهل تكون سوريا أرضاً للتشدد أم ستنهض من جديد على أسس أكثر اعتدالاً؟ وحده الوقت كفيل بالإجابة.