ابراهيم درويش

كما هو متوقع لم يغير الرئيس الامريكي باراك اوباما موقفه من سورية، فتصريحات المسؤولين الاتراك قبل لقاء اوباما ndash; اردوغان اظهرت ان سقف توقعاتهم ليس عالية. فقد اكد اوباما ان مسألة استخدام السلاح الكيماوي ان ثبتت تظل مسألة دولية ولن تتصرف الولايات المتحدة لوحدها وrsquo;لن تكون قضية ستتولى الولايات المتحدة التصدي لها بمفردها ولا اعتقد ان طرفا في المنطقة يعتقد ان الولايات المتحدة ستتصرف بقرار فردي.. لان هذا لن يؤدي الى نتائج جيدةrsquo;.
ويتعرض اوباما لضغوط من الجمهوريين وحلفائه العرب والاتراك للتصرف تجاه سورية وتنفيذ تهديداته حول lsquo;الخط الاحمرrsquo;. لكن اوباما وخلال الاسابيع القليلة الماضية قال انه بحاجة لاثبات لا يدعو للشك حول استخدام الاسلحة الكيماوية قبل ان يأمر بعمل عسكري، والمح في الماضي الى انه يفضل عملا مشتركا، ولكن كان يوم الخميس هي المرة الاولى التي يتحدث فيها وبشكل واضح عن تفضيله لجهد مشترك للتعامل مع تهديد السلاح الكيماوي.
ويرى محللون ان هناك صعوبة لاثبات استخدام الجيش السوري للسلاح الكيماوي وحتى لو ثبت فهناك صعوبة لاقناع تحالف دولي للمشاركة في عمل عسكري. وكان اردوغان يأمل ان يعود الى انقرة ومعه على الاقل موافقة امريكية على دعم منطقة حظر جوي داخل سورية، لانه يفضل ان يتم استيعاب اللاجئين السوريين الذين بلغ عددهم حوالي 400 الف نسمة، داخل اراض سورية محمية، لكنه وجد الرئيس ليس مهتما بالعمل العسكري او مناطق آمنة.
ولاول مرة يطالب المسؤولون الاتراك المجتمع الدولي بدعمهم ماليا في مواجهة احتياجات اللاجئين المتزايدة. ولا يزال اوباما يتعامل مع الازمة السورية كأزمة انسانية حيث زاد من المساعدات الامريكية الى 500 مليون دولار اضافة لارسال الاجهزة والمواد غير الفتاكة للمقاتلين. واعترف اوباما بانه لا توجد lsquo;وصفة سحريةrsquo; لمواجهة العنف غير الطبيعي في سورية.

مساعدات انسانية وتضييق

وتواصل الادارة اجراءتها للتضييق على النظام من ناحية وضع رجاله على القائمة السوداء، حيث اضافت وزارة الخزانة اربعة مسؤولين كبار وهم وزير الدفاع فهد جاسم الفريح ووزير الصحة سعد عبدالسلام نايف ووزير الصناعة عدنان عبدو السخني، ووزير العدل نجم حمد احمد، كما واضافت محطة lsquo;الدنياrsquo; الموالية للحكومة والتي اتهمت بالتعامل مع المخابرات السورية وشركة الخطوط الجوية السورية التي قالت الخزانة الامريكية انها تعاون في نقل اسلحة من ايران على متن طائراتها، ويبلغ عدد من وضعتهم وزارة الخزانة الامريكية على القائمة السوداء اكثر من 100 شخص ومؤسسة التي حملتهم مسؤولية الوضع الانساني الكريه. حسب ديفيد كوهين، مساعد وزير المالية لشؤون الارهاب، ويحظر القانون الامريكي على الامريكيين اجراء تعاملات تجارية مع من وضعوا على القائمة السوداء. وتهدف هذه الاجراءات لمحاصرة الاسد ونظامه والتعجيل برحيله، لكن مراقبين يقولون ان الادارة الامريكية تجهل او تتجاهل ما يجري على الارض من اعادة رسم لخريطة سورية وتمزقها، ويعتقدون ان سورية التي نعرفها منذ الاستقلال قد اختفت. وهو ما اشار اليه تقرير صحيفة امريكية.
اعادة تشكيل الخريطة

ولنا هنا ان نتساءل، هل تتمزق سورية الى اقطاعيات وامارات اسلامية وكردية، تجيب صحيفة lsquo;نيويورك تايمزprime; بنعم، فبعد عامين من الحرب او اكثر، ظهرت في سورية جماعات وفرق مسلحة تتقاتل من اجل توسيع دائرة سيطرتها. وفي سورية اليوم تحلق اعلام الجهاديين السوداء والاكراد الحالمين بوطن، والحكومة التي تقاتل معركة مستميتة للبقاء وحزب الله الذي يحاول اعطاء دم للنظام، وبين هذه وتلك هناك اعلام الكتائب والفصائل الاخرى، وعلم الثورة الجديدة.
وتقول الصحيفة ان تركيز ادارة اوباما على تغيير النظام من الاعلى يتجاهل الوقائع على الارض حيث تبدو سورية اليوم ممزقة وموزعة الولاءات من العروبية الى الجهادية السلفية والكردية والشيعية والعلوية، ويرى اندرو تابلر المتخصص في شؤون سورية ان البلد lsquo;لا يتمزق ولكنه تمزق فعلاrsquo;.
ويضيف تابلر قائلا ان lsquo;الكثير من الامور تغيرت بين الاطراف المتصارعة ولا اتخيل عودة سورية كما كانت، قطعة واحدةrsquo;. وترى الصحيفة ان ما يسرع بانهيار وتمزق البلاد هي الوحشية البارزة من الطرفين والعنف الطائفي النزعة. فالحكومة والميليشيات التابعة لها قامت باستهداف السنة في المناطق الساحلية التي يعيش فيها العلويون، فيما استهدف المقاتلون الجنود ومثلوا بهم بطريقة بشعة. ويرى المحللون ان طبيعة العنف المتغيرة ستترك اثرها على التعايش في البلاد، ويقولون انه من غير المحتمل عودة المجتمعات التي عاشت معا فترة طويلة الى العيش في بلد كان اسمه lsquo;سوريةrsquo;، ومن هنا فان كل طرف يحقق انجازا من الصعب عليه ان يتخلى عنه في المستقبل.
تأمين الوسط

وتعتقد الصحيفة ان الانجازات التي حققها النظام في الاسابيع الماضية في دمشق وحمص ودرعا والقصير لا تعتبر تحولا استراتيجيا فقط بل وقد تعزز الانقسام الحالي في البلاد. فالحكومة التي عانت من هروب المجندين وخسرت مناطق واسعة قررت ان تتخلى عن استعادتها والتركيز عوضا عن ذلك على تعزيز سيطرتها على المناطق الواقعة تحت سيطرتها، كما انها تركز اهتمامها على تأمين منطقة دمشق والمناطق حول حمص المرتبطة بالساحل حيث يعيش العلويون.
وباستثناء مواصلة الغارات الجوية على مناطق المعارضة فلم يقم الاسد بأية محاولة لاستعادة اي منطقة تقع في شمال او شرق البلاد. ومع تغير طبيعة القتال تغيرت ايضا طبيعة الذين يقاتلون من اجل الاسد، فعمليات الانشقاق ادت الى انشاء مركز موال له يمكن نشره في اي وقت دون الخوف من الانشقاق، كما واصبح الاسد يعتمد اكثر واكثر على قوات الدفاع الوطني ـ او الميليشيات المكونة من العلويين وبقية الاقليات ممن يرون في بقائه حماية لهم ولمصالحهم، واضاف النظام الى هذه الميليشيات مقاتلين من حزب الله وخبراء من ايران.
وترى الصحيفة ان تركيز الاسد على تأمين وسط البلاد يناسبه فقد بدا مرتاحا ويطلق النكات عندما زاره وفد لبناني الشهر الماضي. فقد خلف النظام وراءه في المناطق التي سيطرت عليها المعارضة فراغا تتقاتل الفصائل فيما بينها على ملئه. فطول امد الحرب والصراع على المصادر ادى الى تهشم حركة المعارضة نفسها. وهيئة اركان الجيش الحر التي يعول عليها الغرب الكثير لا صلات قوية بينها وبين القادة الميدانيين. فعلى الرغم من حرص ادارة اوباما والغرب على الاطاحة بالاسد الا انهم حريصون على التخلص من جبهة النصرة والجماعات الجهادية التي تسيطر على مناطق واسعة ومهمة، خاصة حقول النفط في الرقة ودير الزور.

كم تدفع قطر لتسليح المقاتل؟

الجواب: تدفع قطر للثورة السورية الكثير، فقد انفقت منذ اندلاعها قبل اكثر من عامين حوالي 3 مليارات دولار وهو مبلغ كبير مقارنة بدعم الدول الاخرى حسب lsquo;فايننشال تايمزprime;، وتدفع للمنشق حزمة lsquo;سخيةrsquo; يقول مسؤولون في المعارضة ومقاتلون انها تصل الى 50 الف دولار. والدور القطري ومعه السعودي يذكر كلما جرى الحديث عن تسليح المعارضة السورية، فقد كانت من اول الدول التي قدمت الدعم المالي والدبلوماسي والمساعدات الانسانية للمعارضة السورية وللاجئين، ومع ذلك تقول الصحيفة ان قطر كداعم رئيسي ازيحت جانبا من السعودية التي اصبحت الان المصدر الرئيسي لسلاح المقاتلين السوريين.
وتقول الصحيفة ان اندفاع دولة قطر باتجاه دعم المعارضة السورية اضافة لدعمها للثورات العربية لا يمثل الا جزءا قليلا من حجم استثماراتها الخارجية. وتقول ان الدعم القطري للمعارضة يغطي على حجم الدعم الدولي لها. وبنت الصحيفة معلوماتها على عدد من المقابلات مع خبراء ماليين ومسؤولين غربيين وقادة في المعارضة. ويقول مقاتلون في حلب ان قطر دفعت 150 دولارا لكل مقاتل ولمرة واحدة. ومع ان حكومة قطر تقول ان مساعداتها وصلت الى 3 مليارات دولار الا ان المعارضة تقدرها بمليار دولار.
وتقول الصحيفة ان الدور القطري في سورية يعتبر اخر محاولة من محاولات تأكيد نفسها كلاعب رئيسي في المنطقة ويأتي بعد الدعم الكبير الذي قدمته للثورة الليبية عام 2011. وبحسب معهد ستكهولم الدولي لابحاث السلام والذي يراقب عمليات نقل الاسلحة فقد ارسلت قطر العدد الاكبر من شحنات الاسلحة. ويقول المعهد ان 70 رحلة لطائرات عسكرية نقلت اسلحة لتركيا وذلك في الفترة ما بين نيسان (ابريل) 2012 الى اذار (مارس) العام الحالي.

السلاح قبل التفاوض

وفي هذا السياق دعا الائتلاف الوطني السوري الى تسليح المقاتلين كمقدمة للمشاركة في المؤتمر الدولي الذي سيعقد بجنيف برعاية روسية وامريكية منتصف الشهر المقبل، فقد اكد خالد صالح المتحدث الرسمي ان الائتلاف سيدفع باتجاه lsquo;تسليح جادrsquo; للمعارضة، خاصة ان النظام السوري يتلقى الدعم من روسيا وحزب الله، وذكرت صحيفة lsquo;نيويورك تايمزprime; ان روسيا ارسلت صواريخ مضادة للسفن من نوع lsquo;ياخنوتrsquo; والتي يمكن ان تستخدم لمنع تزويد المقاتلين بالسلاح عبر البحر ويمكن استخدامها لمنع اقامة منطقة حظر جوي.
ونقلت عن جيفري وايت من معهد واشنطن لدراسة الشرق الادنى قوله ان هذا يؤشر الى التزام روسيا بدعم نظام الاسد.
كل هذا في الوقت الذي لم يعلن فيه الرئيس اوباما عن تسليح للمعارضة مفضلا مراكمة الضغوط على نظام الاسد. وفي السياق نفسه تواصل كل من بريطانيا وفرنسا جهودهما لرفع الحظر الاوروبي عن تصدير السلاح لسورية وذلك في اجتماع سيعقد نهاية الشهر الحالي. ونقلت صحيفة lsquo;واشنطن بوستrsquo; عن دبلوماسي اوروبي قوله lsquo;نريد معارضة تتمتع بكفاءة وقوية وقادرة على اشعار الاسد بالضعفrsquo;، وrsquo;لهذا السبب فتعديل قرار حظر تصدير الاسلحة مهم الآنrsquo;. واضاف المسؤول lsquo;نعرف ان رفض الاسد المشاركة بجدية في المفاوضات سيدفعنا لارسال السلاح الفتاك للمعارضة لاجباره على الرحيلrsquo;.

الثورة السورية والعراق

بلد يتمزق ويصدر تمزقه الى جيرانه او بالعكس، هذا هو حال العراق الذي يقول تقرير لصحيفة lsquo;واشنطن بوستrsquo; ان العنف الطائفي الذي اندلع في العراق يعتبر الاسوأ ومنذ خمسة اعوام ويمثل تحديا لحكومة نوري المالكي. وترى الصحيفة ان الحرب الاهلية في سورية والتي تقوم بها الغالبية السنية بمحاولات للاطاحة بنظام الاقلية قد اعطى اخوانهم السنة في العراق الشجاعة لتحدي عمليات التهميش والقمع التي يعانون منها منذ انهيار نظام صدام حسين عام 2003. وتقول الصحيفة ان عمليات الاغتيال والتفجيرات الطائفية قد زادت حدتها منذ الشهر الماضي عندما هاجمت قوات الحكومة العراقية معسكرا للمعتصمين وقتلت اكثر من 40 شخصا.
ومع ذلك يقول سنة العراق ان نجاح اخوانهم في سورية اعطاهم الثقة لمواجهة ما يرونه التمييز المستمر والانتهاكات حيث بدأوا سلسلة من الاعتصامات والتظاهرات المعارضة للحكومة. ويقول النقاد ان الوضع المتفجر في العراق جاء نتاجا للاخطاء التي ارتكبها الامريكيون اثناء احتلالهم للعراق حيث اكدوا على المحاصصة الطائفية، وتفاقمت الازمة من طريقة حكم نوري المالكي ذات الطابع الديكتاتوري.
وتشير الصحيفة الى اتهامات الحكومة للمتظاهرين بانهم من بقايا البعث والقاعدة وهي اتهامات ينفونها ويقولون انهم يمثلون قطاعا واسعا من الشعب العربي ويدعم مطالبهم مسؤولون وشيوخ عشائر. وتتراوح مطالبهم من الغاء قانون استهداف البعث الذي صادق عليه الاحتلال واستخدام الادلة السرية التي يقولون ان المالكي يستخدمها لاستهداف السنة.