أودّ في البداية أن أوضح أنني في هذه المقالة لست مع طرف ضد طرف آخر، بل أبحث عن الحقيقة فقط بعد قراءتي لكتاب quot; سرّ المعبد ، الأسرار الخفية لجماعة الإخوان المسلمينquot; للقيادي الإخواني المصري السابق الدكتور ثروت الخرباوي، الذي صدرت منه حتى الآن 11 طبعة في القاهرة منذ صدور الطبعة الأولى في نوفمبر 2012 عن دار نهضة مصر للنشر، مما يعني أنّه استحوذ على اهتمام القراء والباحثين ونادرا ما لقيّ كتاب آخر هذا الاهتمام والانتشار، خاصة علمي بسعي بعض دور النشر العربية للحصول على حق اصدار طبعات جديدة من الكتاب في أقطار عربية أخرى.
من هو الدكتور ثروت الخرباوي؟
ثروت الخرباوي محام مصري مشهور بنشاطاته وحراكه في نقابة المحامين المصرية خاصة أنّ هذا الحراك كان يتمّ وهو أحد القياديين المعروفين في جماعة الإخوان المسلمين المصرية، وكان يحظى بتقدير كبير في أوساط الجماعة قبل أن يندلع خلافه معها، ويترك الجماعة رسميا عام 2002 تقريبا، ويبدأ بعد ذلك بنشر العديد من المعلومات والأسرار عن هذه الجماعة من خلال مقابلات صحفية وتلفزيونية ومحاضرات عامة في مراكز بحوث متخصصة، لتتوج هذه النشاطات بصدور كتابه هذا مشكّلا مفاجأة صاعقة لما فيه من معلومات لا يعرفها إلا من عرف الجماعة من الداخل ومن خلال مركز قيادي فيها يتيح له معرفة هذه المعلومات والحصول على هذه الأسرار، التي لم نسمع رأيا أو ردا عليها من قيادة الجماعة ومرشدها العام في مصر. وهي حقيقة أسرار تستحق التوقف عندها، ومن أهم هذه المعلومات أو الأسرار التي تحتاج لتعليقات وتوضيحات من قيادة الجماعة في مصر كي نعرف نحن القراء والمتابعين الرأي الآخر في هذه المعلومات:

استعلاء وقمعية مأمون الهضيبي
يسرد المؤلف في الفصل الأول ( صوت الحرية ) من الكتاب quot;ص 19 ndash; 24 quot; قصة لقائه مع المرشد السادس لجماعة الإخوان ( مأمون الهضيبي) الذي توفي عام 2004 وكان لقاء الخرباوي به عام 2002 بناءا على نصيحة من القيادي الإخواني السابق الذي ترك الجماعة أيضا الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، وكانت انطباعاته عن هذا اللقاء مثيرة ومستهجنة، يقول: quot; صدمني الرجل بكلماته الجافة الخشنة، أهكذا يكون الدعاة؟quot;. وفي لحظة احتدام النقاش بينهما، يخاطبه مأمون الهضيبي قائلا: quot; اقعد..اقعد..هل تظن أنّ دخول الحمّام كما الخروج منهquot;. ويعلق الخرباوي على هذا قائلا: ( جلست وأنا أقول في نفسي بعد أن غالبت ابتسامة طفت على سطح وجهي طالما الرجل يعتبر بيته حمّاما، كان من المفروض أن أدخل بقدمي اليسرى وأقول وأنا داخل: اللهم إنّي أعوذ بك من الخبث والخبائث) ص 20 . وعندما وصل النقاش بينهما إلى طريق مسدود: quot;هبّ الرجل واقفا وهو يقول بعصبية وحدّة وهو يشير إلى الباب: تفضل يا استاذ..المقابلة انتهتquot;. يعقّب الخرباوي على لقائه هذا مع المرشد مأمون الهضيبي قائلا: quot; تذكرت عند لقائي الأخير معه المثل العربي الذي يقول quot;أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراهquot;. وللعلم فإنّ المرشد السادس للجماعة مأمون الهضيبي هو نجل المرشد الثاني للجماعة حسن الهضيبي الذي ظلّ مرشدا للجماعة حتى وفاته عام 1973 . ونتيجة خبرته بطريقة الجماعة في التعامل مع أعضائها بمن فيهم القيادات يرى فيها الخرباوي عبودية قاسية لا مثيل لها حتى في العبودية التي مورست ضد الأفارقة عند سوقهم عبيدا بعد اكتشاف أمريكا، يقول الخرباوي: ( مرّت سنوات وأنا في قلب الإخوان، رأيت فيها أفكارا ترتفع وأفكارا تتهاوى، شخصيات حملت الجماعة وشخصيات حملتها الجماعة. كان في ظنّي أنّ التنظيم ما هو إلا وسيلة لتوجيه طاقات الفرد الإبداعية وتنميتها، فإذا به وسيلة لتكبيل الفرد في سلسلة بشرية طويلة أشبه ما تكون بسلسلة العبيد التي كانت تحمّل إلى أمريكا من بداية القرن السادس عشر. الفارق أنّ quot;كونتاكنتيquot; الشاب الأفريقي المسكين الذي كان يتمّ أسره من غرب أفريقيا قهرا وغصبا ليدخل في سلسلة المستعبدين لا ينفكّ عن التمرد على العبودية.....عبودية التنظيمات الحديدية هي أشدّ وأنكى من عبودية كونتاكنتي، إذ أنّها عبودية الأجساد والأرواح والأنفس).ص 15 ndash; 16 .
جماعة الإخوان والتنظيم الماسوني
أخطر ما في كتاب quot;سرّ المعبدquot; هو الفصل الحادي عشر (مثلث برمودا) والفصل الثاني عشر (الماسيوإخواكية) حيث يورد المؤلف الدكتور ثروت الخرباوي معلومات وتفاصيل خطيرة بعضها آراء نتيجة حواراته مع صديقه الأستاذ quot;أحمد إبراهيم أبو غاليquot; الذي سبقه في الخلاف مع الجماعة والخروج منها، وأخطر ما في هذه المعلومات هي تأكيده التشابه أو التداخل التنظيمي والتأسيسي بين جماعة الإخوان المسلمين المصرية والتنظيم الماسوني خاصة في طريقة التفكير واختيار الشعار الرمز للجماعة ثم طريقة البيعة السرّية بين الأعضاء الجدد وقيادة التنظيم. يقول الخرباوي: ( هناك صلة قوية من ناحية التشكيل الهندسي بين شعار الإخوان وشعار الماسون، شعار الماسون يطلق عليه من ناحية التشكيل الهندسي quot;الخاموسquot;. شعار الإخوان ينتمي أيضا إلى الخاموس، خمس نقاط تتصل ببعض...وإذا أردت أن تستخرج الخاموس، ستجده في شعار الإخوان، السيفان المتقاطعان والمصحف وسط السيفين حيث يشكّل المركز. خيل لي أنّ هناك من أراد عند اختيار حسن البنا شعار جماعته أن يضع بصمة الماسونية في الشعار).
طريقة البييعة الإخوانية الماسونية
يقول الخرباوي ص 225 ناقلا عن كتاب (مع الشهيد حسن البنا) لسكرتير حسن البنا ومسؤول المعلومات في التنظيم محمود عساف: quot; في يوم من أيام 1944 دعيت أنا والمرحوم الدكتور عبد العزيز كامل، لكي نؤدي بيعة النظام الخاص، ذهبنا في بيت في حارة الصليبة. دخلنا غرفة معتمة يجلس فيها شخص غير واضح المعالم، يبدو أنّ صوته معروف وهوصوت صالح عشماوي، وأمامه منضدة منخفضة الأرجل، وهو جالس أمامها متربعا، وعلى المنضدة مصحف ومسدس، وطلب منّا ان يضع يده على المصحف والمسدس ويؤدي البيعة بالطاعة للنظام الخاص والعمل على نصرة الدعوة الإسلامية). ثم يقارن الخرباوي طريقة البيعة هذه بما قرأه بعد ذلك في كتاب (الأسطورة الماسونية ) للأمريكي جي كي، فإذا في الماسونية نفس طريقة البيعة، ثم يعقّب الخرباوي قائلا: quot;ما هذا التطابق المذهل؟ أهكذا يكون بلا ترتيب وبتصاريف الله يكون الشكل واحدا، وكأنّهما توأم افترقا منذ الولادة واجتمعا الآن، أحدهما في أمريكا والآخر في مصر؟quot;.
وضمن سياق المحاكمات الجارية،
في دولة الإمارات العربية المتحدة لمجموعة قيل أنّها خلية إخوانية تسعى لزعزعة أمن البلاد والإخلال باستقرارها، ومن ضمن أعضاء هذه الخلية مواطن إماراتي هو ( محمد المنصوري )، يرد ذكر اسمه في كتاب الخرباوي ضمن مراسم أداء البيعة في تنظيم الإخوان المسلمين حيث يذكر أنّ هذا الشخص قد جاء إلى مصر منذ سنوات، وسأل المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين آنذاك مصطفى مشهور حول موضوع بيعة إخوان الإمارات للمرشد العام للجماعة في مصر، فردّ عليه مصطفى مشهور قائلا: quot;قل لهم إننا سنعمل بيعة بالوكالة وتضمن هذه البيعة حضور أحد الأشخاص من الإخوان في الإمارات إلى مصر وأداء البيعة نيابة عن إخوان الإمارات أمام المرشد، ونحن نفوضك في الحصول على البيعةquot;، وبالتالي تغيّرت طريقة وطقوس أداء البيعة ولم تلغَ البيعة التي ظلت كما هي للمرشد. أي أنّ الجماعة تبتكر طرقا للبيعة حسب ظروف كل دولة وجماعة.
ونفس الردّة والندم في صفوف جماعة إخوان الأردن،
فقد أصبحت الخلافات في صفوف الجماعة علنية بين ما يطلق عليهما تيار الصقور والحمائم، خاصة بعد إطلاق ما عرف ب quot;مبادرة زمزمquot; قبل شهور من طرف القيادي في الجماعة الدكتور quot;ارحيل الغرايبةquot; لردم هوة الخلافات بين قيادة الجماعة وصولا لتيار معتدل وسطي يراعي ظروف الوطن الأردني، إلا أنّ التيار المتشدد تنصل من هذه المبادرة رافضا مناقشتها أو الوصول لتسوية مشتركة بين التيارين. وهذا ما دعا الدكتور ارحيل الغرايبة أن يعلن في الكثير من وسائل الإعلام الأردنية الأيام القليلة الماضية عن يأسه قائلا: ( في غابر الأيام كنت أشعربشوق عارم إلى اللقاءات التنظيمية، وكنت أحس بدفء الإخوة وصدق العاطفة ونبل المشاعر وعلو الهمة وتبادل الحب والمودة والإيثار رغم صعوبة الظروف والشعور بالخوف والمطاردة....أما اليوم فقد تبدلت الوجوه وتقلبت القلوب و تغيرت النفوس وانعكست المشاعر وظهرت أساليب الشطارة والفهلوة في تسلق المناصب وابعاد الرأي المخالف وامتهان طرق اغتيال الشخصية، وسادت روح الانتقام والأحقاد وتنافر القلوب وانعدام الإخوة بجفاف المشاعر وسهولة الطعن بالأعراض..رغم وجود الشعور بالأمن والبحبوحة بالعمل وزوال مشاعر الخوف والمطاردة). ألا تبكي القلوب شهادة الدكتور ارحيل الغرايبة هذه؟ ألا توضح حجم المزايدات والتنافس غير الأخلاقي الذي يسود الجماعة رغم كل الأمن الذي يوفره لها النظام الأردني الذي نشأت في أحضانه وحمايته منذ أربعينات القرن الماضي عندما كانت مطاردة وملاحقة خاصة في مصر وسوريا؟ وكذلك الوضع في دولة الإمارات التي لجأ اليها المئات من الإخوان المسلمين هربا من قمع سلطات جمال عبد الناصر فأطعمتهم من جوع وآمنتهم من خوف، واليوم تحديدا الجماعة في مصر تشنّ هجوما إعلاميا غير مبرر على هذه الدولة التي ما عرف عنها يوما التدخل في شؤون أية دولة، وألا تفسّر هذه الشهادة جوانب مما آلت إليه الأحوال في الشقيقة مصر بسبب تخبط قرارات الجماعة، حيث المظهر السائد من شهور هو المظاهرات وتعطيل غالبية جوانب الحياة اليومية؟
ملاحظة نهائية
كل من له اعتراض أو رأي مخالف أو نقد من السادة القراء، فليتوجه بذلك للدكتور ثروت الخرباوي والدكتور ارحيل الغرايبة، فأنا مجرد ناقل ومستعرض لفائدة القراء الذين لم يطّلعوا على كتاب quot;سر المعبدquot; للخرباوي أو تصريح الغرايبة. ولكل الحق في إبداء رأيه المؤيد أو المخالف فمن المستحيل أن يكون كل البشر مؤيدين ومتبنين لنفس الأفكار، ويفترض أنّ الخلاف في الراي لا يفسدّ المودة بين البشر، ولكن هذه المقولة من المستحيل تطبيقها في الممارسات والتربية العربية، حيث السائد هو ( إما أنت معي وإلا فأنت عدوي).