في كتاب مهم صدر عام 1991 بقلم المحلل الاستراتيجي الفرنسي آلان جوكس، وهو شقيق وزير داخلية فرنسا بيير جوكس في عهد الرئيس الراحل فرانسوا ميتران، وعنوانه:" أمريكا المرتزقة" جاءت فقرة ذات مغزى عميق تختزل الرؤية الأمريكية للشرق الأوسط مفادها، أن هنري كسنجر مستشار الأمن القومي الأمريكي ووزير خارجية الولايات المتحدة فيما بعد، ومهندس السياسة الخارجية الأمريكية على مدى عقود طويلة، كان نائماً في أكتوبر سنة 1973، عندما اندلعت الحرب بين إسرائيل وبعض الدول العربية، فتم إيقاظه لإخباره بما يحدث فرد غاضباً:" ألهذا أزعجتموني وأيقظتموني من نومي؟ دعوا الأطفال يلعبون قليلاً "، وهكذا فإن حرباً مدمرة تزهق فيها آلاف الأرواح وتحدث الخراب والدمار والمآسي هي في نظر هذا المسؤول الأمريكي ليست أكثر من لعبة أطفال.&

ولقد أورد بيير جوكس واقعة أخرى تقول أن والد الجنرال شفارتزكوف الذي قاد الجيوش الأمريكية لتحرير الكويت، كان قد وضع خطة سنة 1973 عنوانها غزو العراق للكويت وماذا يمكن أن يحدث لو تحقق هذا السيناريو. ولا أريد باقتباسي لهذه الفقرات أن أسقط في براثن نظرية المؤامرة ولكن يجب أن ندرك أن الولايات المتحدة الأمريكية تتحكم بمصير ومستقبل الشرق الأوسط منذ عشرات السنين باسم المصالح الحيوية العليا للولايات المتحدة الأمريكية. وما نزال نرى الشرق الأوسط اليوم في حالة غليان وحروب وصراعات دموية داخلية ناجم عن الاستراتيجية اللامنطقية التي اتبعتها الولايات المتحدة في هذه المنطقة دون أن تأخذ في الاعتبار احتياجات ومعاناة الشعوب التي تعيش في هذه المنطقة الحيوية. فالمراقبون يتوقعون المزيد من الفوضى والاتجاه نحو الهاوية في هذه المنطقة الاستراتيجية إذا لم يتم تصحيح المسار الاستراتجي الغربي والأمريكي على وجه الخصوص. فالإدارة الأمريكية الحالية، أي إدارة باراك أوباما ليست هي وحدها المسؤولة عما آلت إليه الأوضاع المأساوية، فكافة الإدارات الأمريكية السابقة، ومنذ عقود طويلة تتحمل القسط الأكبر من المسؤولية بيد أن سياسة أوباما الخارجية كانت فاشلة بامتياز بعد ما عقد عليها من آمال في بدايات فترته الرئاسية الأولى.&

يكفي أن ننظر لأوضاع العراق وسوريا وليبيا واليمن وأفغانستان وإيران ولبنان وفلسطين لندرك أنها بلغت مستوى لم يسبق له مثيل من التدهور والتأزم منذ فترة ما بين الحربين العالميتين، خلقت متاهة حقيقية ليس من السهل فك طلاسمها من ناحية التحالفات والتكتلات وتراكب شبكة الصراعات وواجهاتها. فهناك صراعات عرقية وقومية ومذهبية وطائفية ودينية. ففي سوريا تتآمر الولايات المتحدة وتحيك خيوط المؤامرة الإقليمية ضد النظام السوري القائم وفي نفس الوقت تعلن أنها ستحارب وتهاجم جزء من المعارضة، خاصة الإسلامية في سوريا أي الدولة الإسلامية في العراق والشام داعش وتدعم وتدرب وتسلح وتمول جبهة النصرة الفرع السوري لتنظيم القاعدة الإرهابي، والجبهة الإسلامية، و تمد لهذين التنظيمين يد المساعدة بشكل سري أحياناً وعلى نحو علني أحياناً أخرى وتدعمهم عن طريق غض النظر عن الدعم اللوجستيكي والمادي والتسليحي الذي يقدمه حلفاؤها في المنطقة إلى جانب حليفتها الإقليمية وعضو حلف الناتو الأطلسي أي تركيا وذلك بذريعة محاربة النفوذ والتمدد الإيراني في المنطقة. وفي العراق تحارب الولايات المتحدة الأمريكية ولو شكلياً ولكن على نحو علني تنظيم داعش الإرهابي إلى جانب إيران وحلفاؤهما في الداخل العراقي في حين أنها في اليمن تحارب الحوثيين حلفاء إيران ومعها التحالف العربي أي السعودية ودول الخليج والباكستان ومصر وتتعاون بشكل غير مباشر مع داعش وتنظيم القاعدة هناك ولنفس الذرائع السابقة أي الحد من التمدد الإيراني.

تقف بعض دول الخليج وإسرائيل على نفس الموجة في موقفهما تجاه إيران ويتذرعان بنفس المخاوف من ظهور إيران كدولة نووية ولكن هناك سبب آخر غير معلن لدى بعض الدول العربية وهو منع تفاقم قوة الخصم الشيعي المتمثل بإيران باعتبارها قائدة للعالم السني كما تعتقد وتفرض نفسها بهذه الصيغة. وفي سوريا تساند إيران بكل قوتها النظام السوري بقيادة بشار الأسد في حين تعمل الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوربيين والإقليميين على إطاحته بأي ثمن كان، حتى لو كان ذلك بالتحالف والتنسيق مع المنظمات الإرهابية كداعش والنصرة والجبهة الإسلامية. وفي ليبيا الجميع يعرف أنها أزيلت من الخارطة كدولة حقيقية وحولت إلى دولة فاشلة تقودها الميليشيات بعد أن فككتها أوروبا والسعودية وقطر وتركوها تواجه مصيرها المأساوي لوحدها فريسة للعنف والفوضى والتدمير الذاتي. واليوم يراد لنفس هذا السيناريو الجهنمي أن يعاد في اليمن. فكل ما يجري من حروب محلية إن هي حروب بالوكالة للحرب غير المعلنة بين إيران والعربية السعودية ومن خلفهما من الدول العالمية كالولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية من جهة، ومجموعة دول البريكس من جهة أخرى، أي الصين وروسيا والهند وجنوب أفريقيا. نحن إذا إزاء مجموعة من الحالات والعمليات ذات التبعات التدميرية المعقدة والمتداخلة التي تهدد المنظومة الدولية برمتها. لذا نلاحظ أن هناك عدداً كبيراً من الأمريكيين يطالبون بالانسحاب والابتعاد عن مخاطر ومطبات هذه المنطقة وتركها تبيد نفسها بنفسها دون تدخل خارجي فالحريق الذي نشب في الشرق الأوسط لا قدرة لأحد على إخماده وهو يفوق قدرة وطاقة الولايات المتحدة الأمريكية وحدها على وقفه وإطفائه وإن تبعات وانعكاسات ما يجري هناك تؤثر سلباً على حياتهم اليومية وسلامة اقتصادهم ومواردهم بل وحتى أمنهم. وهم يشعرون أن بلدهم يلعب بنار الطائفية القديم منذ حوالي الألف وخمسمائة سنة حيث الخلاف الديني والعقائدي والسياسي الذي حدث في جسد الإسلام بين الشيعة والسنة وما يزال يلعب دوراً جوهرياً في سيرورة الصراع الإقليمي القائم اليوم بين العربية السعودية وإيران ومن حولهما. ولقد لمس الأمريكيون نتائج هذا الصراع المذهبي أو الطائفي في تفكك الدولة العراقية ودمار سوريا وتخريب اليمن وهشاشة لبنان وهيمنة الدولة الإسلامية في العراق والشام على مساحات واسعة في سوريا والعراق، إلى جانب سوء الأنظمة القائمة وتفشي الفساد والتعسف والعنف الذي مارسه الحكام في المنطقة والتي نصبتها الأمبراطورية البريطانية في عهدها الاستعماري للمنطقة عندما خلقت مثل هذه الكيانات الكارتونية الهشة والممزقة بعد توقيع اتفاقيات سايكس بيكو السيئة الذكر. ومما زاد الطين بلة هو غزو جورج دبليو بوش للعراق سنة 2003 وما ترتب عليه من تبعات دامية. دون أن ننسى معضلة فلسطين وزرع الكيان الإسرائيلي وقادته المجرمين من أمثال مناحيم بيغن وآرييل شارون وإسحق شامير واليوم بينيامين نيتانياهو. ويطالب الأمريكيون اليوم حكومتهم بالبحث عن بدائل للطاقة المتجددة تغنيهم عن الاعتماد على نفط الشرق الأوسط والتورط بمشاكله العويصة، خاصة وأنهم يملكون مايكفيهم من النفط لعقود طويلة قادمة.&

لقد تم اختيار باراك أوباما من قبل الناخب الأمريكي على أساس وعوده بوقف الحرب في العراق وأفغانستان وسحب كافة القوات الأمريكية من هذين البلدين بيد أن أمن الولايات المتحدة يبقى من مسؤوليته الاستراتيجية كرئيس للبلاد وهو يعرف أن هذه المنطقة هي مصدر أساسي للمخاطر وانعدام الأمن الدوليين. وبالتالي على الرئيس أوباما أن يعمل على ضمان أمن الولايات المتحدة الأمريكية وتفوقها العسكري والاستراتيجي والاقتصادي وبالتالي عليه أن يمتلك الخطط الاستراتيجية في كل مكان من العالم. من هنا تعتقد إدارة باراك أوباما أن من واجبها أن تكون متواجدة وحاضرة بقوة في كافة الشؤون والملفات الدولية، العادية منها والمحتدمة، لا سيما ملف الطاقة. فأي تغيير أو أية تقلبات تمس هذا الملف الحساس سوف تنعكس سلباً على حياة المواطن الأمريكي حتماً. وتواصل إدارة الرئيس الأمريكي الحالي التحجج أمام الرأي العام الأمريكي بالقول إن أي صراعات إقليمية، خاصة إذا تلبست الزي المذهبي أو الطائفي أو الديني، وتفاقمت فسوف تنعكس على حياة الناس في كل مكان من الكرة الأرضية وسوف تتيح الفرصة للقوى الظلامية والتكفيرية والإرهابية الإسلاموية كداعش والنصرة والقاعدة وغيرها أن تتمدد وتتغلغل وتتحكم بمصائر شعوب المنطقة وتوجهها لمحاربة الغرب ومحاولة تدميره، وما يحدث في اليمن لهو أنصع مثال على ذلك مما دفع دول الجوار وحليفاتها للتدخل العسكري المباشر في اليمن بذريعة حمايتهم من الأخطار التي تتهددهم من جراء الصراع المسلح المندلع في اليمن حالياً. فتفكيك دول كبيرة مثل العراق وسوريا واليمن وليبيا من شأنه أن يخلخل المعادلة الإقليمية ويخلق دولاً فاشلة تغرق شعوبها في بحر الحاجة والمعاناة مما سيدفعها للثورة والانتفاضة ومحاولة الانتقام من الغرب الذي تسبب في معاناتها.&

ما تخفيه وما تعلنه الولايات المتحدة الأمريكية في الملفين العراقي والسوري:

بات من المتفق عليه برأي معظم المراقبين والمحللين السياسيين والباحثين في مراكز الدراسات الإستراتيجية الدولية، أنه لا يمكن الفصل بين الملفين السوري والعراقي لأنهما طرفين في نفس المعادلة الجيوستراتيجية والجيوسياسية الدولية والإقليمية و بسبب تداخل المصالح الدولية والإقليمية فيهما. والعامل المشترك الأهم لديهما هو أنهما يواجهان عدواً شرساً واحداً في الوقت الحاضر هو تنظيم داعش الإرهابي الذي يسيطر على أراضي واسعة من البلدين، حوالي ثلثي الأراضي السورية وثلث الأراضي العراقية، وخلق داخلهما دولة الخلافة المزعومة.&

فالبلدين حكمهما حزب البعث وأخضعهما لحكم شمولي وتحيط بهما مجموعة دول تضمر لهما العداء والأذى كلما سنحت الفرص لهم مثل تركيا وإيران وبعض الدول العربية، إلى جانب كون سوريا دولة مواجهة مع إسرائيل البنت المدللة للغرب، وكليهما يحتوي على فسيفساء إثني وطائفي وديني متنوع ومتشابه تقريباً. وكلنا يعرف أن الولايات المتحدة الأمريكية على علم بكافة الأمور المتعلقة بهذين البلدين وتتصرف معهما بما تمليه عليها مصالحها الحيوية ومخططاتها الإستراتيجية بعيدة المدى. لقد نجحت الولايات المتحدة الأمريكية، بعد مناورات عديدة، منذ ثمانينات القرن الماضي، وبمساعدة مباشرة من دول الجوار، العربية السعودية والخليج وتركيا والأردن، من احتواء العراق، وما تزال تناور لتنفيذ نفس السيناريو على سوريا. هناك مؤسسات أمريكية تقوم بتهيئة الظروف والمناخ النفسي والإعلامي اللازم والتمهيد للخطط الميدانية التي تنفذها الإدارة الأمريكية ومؤسساتها العسكرية والسياسية، خاصة مراكز الأبحاث والدراسات، أو ما يعرف بالدبابات المفكرة، التي تمولها الشركات العملاقة والمتعددة الجنسيات، وخاصة مجمع الصناعات العسكرية، وهي التي تستطلع المزاج النفسي للرأي العام وتنتج الوثائق التي تستخدم كذرائع وأسس لتشريعات من قبل المشرعين لإضفاء الشرعية على سلوكيات السلطات التنفيذية بمساندة ومباركة جوقة وسائل الإعلام بكل أصنافها. حصل هذا مع العراق على مدى سنوات وبتنسيق وتنظيم وإعداد دقيق ومدروس على مدى سنوات طويلة للوصول إلى لحظة الحسم التي تتوجت بالغزو الأمريكي المباشر للعراق سنة 2003 وتداعياته المأساوية التي نعيش نتائجها وانعكاساتها التراجيدية على الأرض العراقية. واليوم تنتج مجموعة أمريكية سيئة الصيت هي US Brookings Institution,، وثيقة تنذر بالخطر الأمريكي القادم المتمثل بالخطوة التالية ألا وهي إمكانية التدخل العسكري الأمريكي المباشر في سوريا وعنوانهاDeconstructing Syria: Towards a regionalized strategy for a confederal country وترجمتها بالفرنسية Déconstruction de la Syrie: vers une stratégie régionale pour la création d’un pays confédéré وتعني تفكيك أو تحطيم سوريا: نحو إستراتيجية من أجل خلق بلد مفكك وموحد كونفدرالياً، أي على نحو مصطنع وهش ودائم الأزمات كما هو حال العراق اليوم. ولقد تم العثور على هذه الوثيقة السياسية السرية المؤرخة والموقعة الصادرة عن مركز الأبحاث المذكور أعلاه والتي تهدف تدريجياً إلى تقسيم وتدمير واحتلال بلد ذا سيادة ومعترف به دولياً ويبعد آلاف الكيلومترات عن الحدود الأمريكية مما يكشف عن مدى خطورة الإمبريالية الأمريكية المعاصرة التي بقيت كما هي خلال القرن العشرين والعقدين الأولين من القرن الواحد والعشرين، أي مصدراً للمخاطر الدولية وخطراً على الأمن والاستقرار الدوليين لأنها لا يمكن أن تعيش بدون أن يكون لها عدو ظاهر أو مستتر وإن لم يوجد مثل هذا العدو فسوف تختلقه من العدم.&

وجاء في الوثيقة أنه يجب استغلال الدولة الإسلامية في العراق والشام " داعش" كذريعة، بعد تهويل خطرها،. والمعروف أن الولايات المتحدة الأمريكية أنفقت مليارات الدولارات والأسلحة إلى جهات مسلحة سورية ادعت أنها معتدلة لكنها لا وجود لها في ساحة الصراع السورية، ما يعني أن الأموال والأسلحة ذهبت قصدا وبعلم السلطات الأمريكية إلى تنظيمات متطرفة تكفيرية إرهابية معروفة مثل داعش وجبهة النصرة الواجهة السورية لتنظيم القاعدة الإرهابي الذي نفذ حوادث الحادي عشر من أيلول في نيويورك عام 2001. اعترف كتاب هذه الوثيقة علناً وبصراحة أن الحكومة الأمريكية قدمت مليارات الدولارات لتجهيز وتسليح وتدريب عناصر مسلحة ناشطة في الساحة السورية ومعارضة لنظام الأسد لتغذية الحرب الأهلية المدمرة الدائرة في سوريا رغم مخاطر امتدادها و انتشارها إقليمياً، وهناك قوات خاصة أمريكية سرية تشرف على عمليات تدريب في الأراضي التركية والأردنية، إلى جانب حث الدوليتين، لا سيما تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، والأردن، على حشد قواتهما العسكرية على طول الحدود السورية تمهيداً لتدخلهما عسكرياً في الأزمة السورية بحجة الدفاع عن نفسيها من تداعيات الحرب الدائرة هناك. وهي بذلك تعلن مواجهة صريحة مع روسيا السند الدولي الرئيسي لسوريا إلى جانب إيران، على الأرض السورية، وتدعو لتوسيع العمليات العسكرية مهما كانت نتائجها الكارثية على الشعب السوري. وتطرقت الوثيقة إلى نشوء داعش دون الخوض في تفاصيل تمويلها وتسليحها ورفد صفوفها بالمتطوعين القادمين إليها من جميع أنحاء العالم حتى من الغرب نفسه عبر الأراضي التركية التي تسهل لهم مهمة وتهريب الرجال والسلاح والمال الأمريكي والغربي والعربي والذي يهرب قسم منه إلى داعش العراق لمواصلة نشاطها الإرهابي العدواني داخل الأراضي العراقية. المطلع على فحوى الوثيقة يدرك تماماً أن الولايات المتحدة الأمريكية تمارس سياستين متناقضتين في هذين البلدين فهي من جهة تدعي محاربة داعش في العراق وسوريا من خلال التحالف الدولي، ومن جهة أخرى تضخ المليارات المالية والمعدات العسكرية وتقدم الدعم والتدريب والتوجيه لعدد من الجهات المسلحة التي تصفها بالمعتدلة وهي وهمية في حقيقة الأمر، ولا وجود حقيقي لها على أرض الصراع المسلح، إذ أن الكل يعلم أن داعش وجبهة النصرة، أي القاعدة، المتنافستان على كسب هذه المساعدات والحصول على الدعم الأمريكي، هما اللتان تقودان جبهات القتال ضد النظام السوري، أما الجيش الحر فهو مجرد وهم وحضور سياسي في الخارج ليس إلا.&

&

غزو سوريا:&

&تكشف الوثيقة حقيقة أن خطوط الإمداد اللوجستية ألأمريكية لداعش والنصرة تمر عبر تركيا والأردن لأن الغرب كان قد خطط حتى قبل اندلاع الأزمة السورية سنة 2011 لاستخدام هذين التنظيمين الإرهابيين اللذين تستند عليهما الحملة الأمريكية المنتظرة.

وبعد تمكين الإرهابيين الإسلامويين في داعش والقاعدة من احتلال مناطق شاسعة من الأراضي السورية فإن الولايات المتحدة تنوي لاحقاً استغلال حالة الفوضى والاضطراب السائدة داخل سوريا لتبرير ما تخطط له منذ بداية الأزمة خاصة بعد أن تأكد لها أن النظام مستمر ويقاوم بشراسة كل محاولات الإطاحة به ولن يستسلم بسهولة ولن ينهار في الوقت الحاضر، والسعي إلى إقامة مناطق عازلة ومحمية محاذية للحدود التركية السورية والأردنية السورية، سميت بالمناطق الآمنة على غرار ما حصل في العراق إبان مرحلة الصراع ضد نظام صدام حسين. وبعد تثبيت أركان هذه المناطق ومدها بموجبات الحياة والاستمرار وحمايتها بغطاء جوي وبقرار أممي لتعيش مستقلة عن السلطة المركزية السورية، سوف تحول إلى مناطق معدة لاستقبال القوات الأمريكية والقوات الموالية لها أي التركية والأردنية مع ترك الجماعات الكردية السورية تحكم سيطرتها على المناطق ذات الأغلبية الكردية ومنحها استقلالها وحمايتها بالتنسيق مع كردستان العراق. وفصل الشمال والجنوب السوري عن الوسط والغرب حيث تتواجد قوات النظام. والسماح للمتطوعين الأجانب والمرتزقة للتسلل إلى الداخل السوري عبر هذه المناطق " المحررة" والآمنة الموضوعة تحت الحماية الأمريكية والغربية، حتى لوكانت تسيطر عليها عناصر تكفيرية متطرفة ومتشددة دينياً وتمارس الإرهاب والقمع الوحشي ضد السكان والمعارضين لها. وتفترض الولايات المتحدة الأمريكية أن قوات النظام السوري لن تتجرأ على مهاجمة القوات الأمريكية المتمركزة في تلك المناطق بحجة حمايتها تفادياً لردة فعل أمريكية عسكرية كبيرة مباشرة متوقعة ضد النظام السوري كما حصل سابقاً في العراق.

&وتتلخص الفكرة بمساعدة عناصر وصفت بأنها معتدلة قد تنسلخ من جلد هذين التنظيمين ظاهرياً لإدارة المناطق المحمية ومن ثم يتم نقل قوات عربية وتركية وبريطانية ضمن تشكيل تحالف دولي بطلب من الأمم المتحدة، كي تقوم بتقديم المساعدة والدعم، ليس فقط جواً بل وفي البر كذلك من خلال قوات النخبة والقوات الخاصة، وتتم مراقبة خطوط الهجمات المتوقعة من جانب النظام السوري وبأحدث الأجهزة التكنولوجية المتطورة ومنع اقترابها من خلال الضربات الجوية المكثفة، وعمليات القوات الخاصة الأجنبية المدربة على الأرض. وإذا ما تصرف الأسد بحماقة وهدد المناطق الآمنة المزعومة فسوف يخسر المعركة ويخسر قوته الجوية بفعل الغارات والضربات الجوية التي ستشنها القوات الجوية الأمريكية والأطلسية والعربية المتواجدة هناك، وهو ليس مجنوناً لكي يخاطر بالقوة الوحيدة التي تجعله متفوقاً على قوات داعش وجبهة النصرة ألا وهي القوة الجوية والطيران. وتعترف الوثيقة الأمريكية أن النظام السوري لا يحارب شعبه بل يواجه هجمات داعش والقاعدة، وبالتالي يمكن للغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية استغلال هذا الواقع كذريعة لغزو سوريا عسكرياً بحجة تخليصها من خطر داعش والقاعدة في حين أن الغربيين يتعاونون مع هذين التنظيمين الإرهابيين على أرض الواقع من أجل إسقاط نظام الأسد واحتلال سوريا في نهاية المطاف، بيد أن هذه الخطة الإستراتيجية فوجئت بحجم ومستوى ونوع التجخل الروسي العسكري المباشر في سوريا ومغازلته للعراق لتشكيل مركز التنسيق الاستبخاراتي الرباعي في بغداد الذي يضم غيران والعراق وسوريا وروسيا، مما وضع الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية أمام أمر واقع جديد، سيرغم الجميع على الجلوس حول طاولة مفاوضات دولية تضم الجميع في فيينا للتوصل إلى حل سلمي للأزمة السورية وبالتالي حتماً للخروج من الطريق المسدود الذي وصل إليه العراق اليوم. وفسح المجال لمصر لكي تستعيد أنفاسها وترميم بيتها الداخلي وكلك تونس وفرض حل سلمي توافقي على اليمن وتعزيز حماية الأردن والمغرب وعمان من تداعيات الفوضى العارمة التي تضرب منطقة الشرق الأوسط برمتها.

&

باريس

[email protected]