استعادة النفوذ:

يتفق جل المحللين والمراقبين الدوليين على أن محاولات واشنطن ومن ورائها حلف شمال الأطلسي لاستعادة السيطرة والهيمنة على شؤون الكوكب، منذ انتهاء الحرب الباردة، كانت وراء أغلب بؤر التوتر والحروب المحلية التي باتت تتكاثر كنبات الفطر في أغلب بقاع العالم لا سيما في أخطرها وأكثرها سخونة ألا وهي منطقة الشرق الأوسط.

ومن الواضح أن واشنطن تتعمد اختلاق أزمة علاقات حادة بين الغرب و روسيا التي باتت تعتبرها اليوم عدوها الأول كما قال المحلل السياسي الشهير جون ميرشايمر في مقابلة معه في مجلة السياسة الدولية الذائعة الصيت.

الهدف المعلن لكل السياسيين الأمريكيين لتبرير القوة الأمريكية الأعظم في العالم، وتمرير ميزانيتها العسكرية المهولة، هو ضمان الأمن والازدهار الاقتصادي والحريات للشعب الأمريكي، بيد أن الوسائل لتحقيق ذلك هي التي تثير التساؤل والاختلاف لدى معظم المراقبين الدوليين. فبعد الحرب الباردة، وبعد أحداث الحادي عشر من أيلول 2001، اعتقدت النخبة الحاكمة في واشنطن أن أفضل وسيلة للدفاع عن الولايات المتحدة الأمريكية ومصالحها الحيوية هي استعادة الهيمنة على العالم برمته وعدم السماح بظهور أي قطب أو قوة منافسة لأمريكا. واستندوا في ذلك على القوة العسكرية ودبلوماسية العصا لإطاحة أنظمة وصفوها بالمارقة والشقية لأنها لاتريد الخضوع بسهولة لنزعة الهيمنة الأمريكية المباشرة عليها بذريعة تحرير تلك الدول من حكم الدكتاتوريات ونشر الديموقراطية فيها حتى لو كان بالقوة والقسر. والحال بتنا نشهد حدوث سلسلة من التطورات الدراماتيكية الخطيرة التي تعصف بكل مناطق العالم على نحو مباشر أو غير مباشر كنتيجة لهذه الإستراتيجية الكارثية التي أسماها البعض بالفوضى الخلاقة. وكلنا يعلم ما أثمرته هذا الإستراتيجية من تداعيات على الصعيد الدولي منذ أن قامت الولايات المتحدة الأمريكية بشن حربين فاشلتين على أفغانستان والعراق في 2002 و 2003 تمخضت عن موت مئات الآلاف من الضحايا المدنيين وتدمير هذين البلدين كلياً دون إيجاد البديل المزعوم الذي ينشر الرخاء والحرية والديموقراطية. وكان من تبعات هذه الإستراتيجية خلخلة التوازنات الإقليمية مما خلق المناخ المناسب لظهور وتقدم ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام المعروفة باسم داعش. وبالرغم من ذلك تستمر الولايات المتحدة في هذه الإستراتيجية التي طبقتها في ليبيا وسوريا واليمن وأسقطت هذه الدول ككيانات ولم تكتفي بإسقاط أنظمتها، وحدت من تداعياتها الدراماتيكية في تونس ومصر، مما دفع الآلاف من سكان تلك البلدان إلى الهجرة نحو الغرب الأوروبي وسلك طرق خطرة تقودهم إلى الموت المحتم في أغلب الأحيان. وتواصل إدارة أوباما هذه النزعة التدميرية ضد دمشق حتى لو كان الثمن تهيئة الظروف لوصول تنظيمات إرهابية متشددة كالقاعدة وداعش إلى قمة السلطة في سوريا. وفي نفس الوقت تدعي أنها شكلت تحالفاً دوليا لمحاربة داعش في كل من العراق وسوريا لكنها لم تفلح في ذلك لأنها ليست جادة بما فيه الكفاية لتحقيق هذا الهدف. كما تجرأت واشنطن وحلفاؤها الغربيين في حلف شمال الأطلسي على إشعال أزمة خطيرة قد تقود إلى مواجهة دولية لاتحمد عقباها، فهم يلعبون بالنار ويستفزون مارداً يبدو في حالة سبات، فروسيا لديها الآن حلفاء دوليين لايستهان بهم يشكلون ما يعرف بمجموعة البريكس وهم الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا وإيران. وكانت محاولتهم البائسة انتزاع أوكرانيا من فلك روسيا الذي كانت تدور فيه وتحويلها إلى منطقة نفوذ عدائية ضد روسيا تابعة للغرب وعلى الحدود الروسية، قد باءت بالفشل، وكانت مناورتهم تلك قد مرت من خلال تقليعة سياسية عرفت بتوسيع نطاق الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي لنشر الديموقراطية الغربية في أوكرانيا ودول أوروبا الشرقية سابقاً عبر تنصيب حكام تابعين وموالين للغرب مما أدخل أوكرانيا في أديم الحرب الأهلية ودفعت روسيا للمقاومة الشرسة لهذه الإستراتيجية العدوانية التي يشنها الغرب عليها اليوم.&

&

روسيا والغرب: لعبة القط والفار:

تصور الغرب أنه أنتصر على أخطر عدو له خلال القرن العشرين ألا وهو الإتحاد السوفيتي، وإنه أنهى إلى الأبد الخطر الشيوعي، وانتهى من الحرب الباردة التي كانت تستنزف أمريكا وحلفاؤها الأوربيين الغربيين. لكن روسيا المعاصرة بقيادة فلاديمير بوتين، التي تسلمت تركة الإتحاد السوفيتي، لا تقبل أن تكون فاعلاً هامشياً على المسرح الدولي، ولن تسمح بأن تستفرد الولايات المتحدة الأمريكية بالقرار الدولي والمؤسسات الدولية وتملي أوامرها على الجميع. لذلك سعت روسيا، بعد أن تعافت نسبياً من الناحية الاقتصادية، إلى خلق قطب منافس للقطب الغربي الأطلسي، من خلال التنسيق بين مجموعة دول البريكس، أي الصين والهند وجنوب أفريقيا، وإلى حد ما إيران وربما مصر لاحقاً. يحاول الغرب أن يطوق روسيا ويحاصرها اقتصادياً وعسكرياً، بل تجرأ على الاقتراب منها ومن حدودها الأمر الذي لم يكن يحلم به أحد إبان مرحلة الاتحاد السوفياتي والحرب الباردة. وكانت أوكرانيا هي السلاح الذي تلاعبت به الدول الغربية للضغط على روسيا وابتزازها، بيد أن هذه الأخيرة كانت واعية ومستيقظة جداً للمناورات الغربية فردت الصاع صاعين وقامت بضم جزيرة القرم الروسية الأصل وفصلها عن أوكرانيا، وقطع المعونات عن كييف ومطالبتها بتسديد ديونها من مشتريات الغاز الروسي التي لم تدفع ثمنها بعد، كما حثت المجموعات الانفصالية الأوكرانية الناطقة بالروسية على خلق بؤر توتر ومواجهات مسلحة لكي تطالب هي الأخرى بانفصالها عن أوكرانيا وانضمامها لروسيا البلد الأم.&

تأججت الحرب الباردة من جديدة ولكن بالوكالة هذه المرة في منطقة الشرق الأوسط وفي الملفين الإيراني والسوري وتوابعهما، أي ما يحدث في العراق ولبنان واليمن، وبالطبع تداعيات الملف الليبي الذي يتحمل الغرب تبعاته وتدهور الأوضاع الخطيرة هناك، لأن روسيا تعتقد أنها خدعت من قبل حلف الناتو الأطلسي فيما يتعلق بطبيعة ونوعية ومستوى التدخل في ليبيا، وإلا ما كان لها أن تقبل بهذا التدخل السافر المخالف للقانون الدولي. فبحجة حماية المدنيين من الإبادة قامت قوات الحلف الأطلسي بتدمير ليبيا كلياً وإطاحة نظامه وتركه فريسة لأمراء الحرب والميليشيات المسلحة والقوى التكفيرية والإرهابية التي تعبث بمقدرات ومستقبل هذا البلد الذي بات بؤرة لتصدير الإرهاب وإيواء الإرهابيين. انصاعت الولايات المتحدة الأمريكية لفكرة التفاوض والتباحث والتنسيق بينها وبين روسيا لحل الملفات العالقة والخطيرة التي تهدد أمن واستقرار المجتمع الدولي. وقام وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية جون كيري بعدة لقاءات بوزير خارجية روسيا سيرغي لافروف وبالرئيس فلادمير بوتين كان آخرها في مدينة سوشي مما أعطى انطباعاً بأننا عدنا إلى الأيام الخوالي حيث كانت نغمة الانفراج والتعاون هي السائدة. فهناك نفس جديد يطفو ظاهرياً على المحادثات، وتوافق بشأن الملف النووي الإيراني، ومناقشة التداعيات الخطيرة للأزمة الليبية، والقلق المتبادل فيما يحدث في اليمن من حرب أهلية وإقليمية بعد التدخل السعودي عسكريا في اليمن، والتفاهم بشأن انتقال سلمي وسياسي وليس عسكري للمسألة السورية، في حين تعرف الولايات المتحدة الأمريكية أن النظام السوري نجح في تصديه لإرهابيي داعش والنصرة والجبهة الإسلامية بفضل دعم وإسناد روسيا وإيران وحزب الله اللبناني، كما أعلن الجانب الأمريكي موافقته على سيرورة واتفاقيات مينسك التي بدأتها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في محاولة لوقف تفاقم الأزمة الأوكرانية. وأتفق الطرفان على أهمية التحدث والتفاهم والتنسيق باستمرار بينهما لحل كافة الملفات المشتعلة في العالم. هذا ما يحدث على الصعيد العلني والإعلامي، ولكن واقع الحال يعكس لنا أمراً آخر مختلف تماماً. وبعيداً عن التفاؤل المبالغ به، كانت روسيا قبل لقاء كيري وبوتين، تحتفل بيوم النصر على النازية وكانت مناسبة للكرملين للعودة الى التاريخ والى الاتفاق الألماني السوفياتي حيث علقت عليه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في زيارتها لموسكو مذكرة الرئيس الروسي بالاتفاق السري الذي أبرم بين ستالين وهتلر قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية بشأن اقتسام بولونيا ودول البلطيق بينهما. وقبل زيارة كيري لموسكو اتهم وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف الولايات المتحدة الأمريكية بأنها تعمل على تطويق وخنق روسيا وإنها هي المسئولة عن الأزمة الأوكرانية التي افتعلتها وأشعلتها لضرب روسيا في خاصرتها والقيام بمناورات عسكرية مع الحلف الأطلسي تثير القلق والتهديد لروسيا. والحال إن المحادثات بين الأمريكيين والروس لم تؤد إلى تقدم ملموس في الملفات المطروحة للنقاش. ففيما يتعلق بالملف السوري ماتزال الموجهات العسكرية الدامية مستمرة بين قوات النظام والمعارضة الإسلاموية التكفيرية التي تقودها داعش وجبهة النصرة، الفرع السوري لتنظيم القاعدة الإرهابي، والجبهة الإسلامية المكونة من عدة مجموعات إسلاموية مسلحة تنضوي تحت هذه التسمية، وتتلقى كلها الدعم والإسناد والتسليح والتمويل من أطراف دولية وإقليمية معروفة بمباركة وتشجيع ودفع من الولايات المتحدة الأمريكية التي تريد بأي ثمن إطاحة النظام السورية وتدمير الدولة السورية على غرار ما حدث في ليبيا، وهو الأمر الذي لن ينطلي مرة أخرى على روسيا ولن تقبل به مهما كلفها ذلك. أما فيما يخص الأزمة الأوكرانية، فهناك تجاذب حاد بين مختلف الآراء والأطروحات بهذا الشأن، فهناك من يعتقد بأن روسيا تحضر لهجوم جديد رغم اللهجة التصالحية المستخدمة إعلامياً. والبعض الآخر يعتقد أن مجرد لقاء كيري وبوتين لهو دليل على البحث عن تسوية مقبولة من قبل جميع الأطراف المعنية بالملف الأوكراني والعمل على تطبيق اتفاقيات مينسك. حقيقة ما يجري هو أن الرئيس بوتين يناور بحذاقة لكي لايعطي للغربيين الفرصة لإدانته ومنحهم الذريعة لتقوية وتعزيز إجراءاتهم العقابية الاقتصادية ضد روسيا حيث أن الدول الأوروبية ستجتمع في شهر حزيران القادم لمناقشة تجديد العقوبات على روسيا أو رفعها، بالرغم من استمرار المواجهات العسكرية على مجمل الساحات التي يوجد لروسيا والغرب يد فيها، سواء في أوكرانيا أو الشرق الأوسط، فإن المقصود هنا ليس الخروج من الأزمات بل إدارة الأزمات في مناخ من الهدوء وعدم التوتر الدولي، إنها حقاً لعبة القط والفأر بين روسيا والغرب.&

لقد أوضح بوتين بجلاء رأيه في هذا الصراع الدولي والإقليمي الدائر اليوم وقالها صراحة وبدون مواربة في خطابه في 22 أكتوبر 2015 أمام الأمم المتحدة وقال فيه:" قبل خمسون عاماً في لينينغراد علمني الشارع قاعدة مهمة وهي إنه لو تبين أن هناك معركة ستقع ولايمكن تجنبها فعليك أن تكون أول من يضرب، وبالتالي فإن تهديدات الإرهابيين بضرب روسيا لم تصبح أهم أو أقل أهمية بسبب عملياتنا العسكرية ضدهم في سوريا وأحب أن أطمئنك بذلك وأِؤكده لكم". وأضاف بوتين قائلاً:" وكما تعرفون أن القوة العسكرية ما تزال هي البوم ولوقت طويل قادم الأداة الأساسية في السياسة الدولية. لنكن واقعيين القوة العسكرية ستكون بديهياً ولوقت طويل أداة فاعلة في السياسة الدولية يمكننا أن نأسف على ذلك أو نتقبله بسعادة لكننه أمر واقع، إنها حقيقة. وهذه ليست هي المسألة، فهل ستستخدم القوة العسكرية فقط عندما تستنفذ كافة السبل الأخرى؟ و عندما ينبغي مواجهة خطر داهم وتهديدات مميتة كالإرهاب على سبيل المثال ووفق القواعد المتبعة في القانون الدولي؟ أم أننا نشهر قبضتنا في كل مناسبة لنذكر العالم وببساطة بمن هو الزعيم والقائد للعالم دون أي اعتبار لشرعية استخدام القوة ولا ما سيترتب على ذلك من تبعات وبدون حل للمشاكل بل بالعكس مضاعفة تلك المشاكل؟

واصل فلاديمير بوتين خطابه قائلاً:" ها أنتم ترون ماذا يحدث اليوم في الشرق الأوسط فالمنظمة الإرهابية التي تسمي نفسها بالدولة الإسلامية سيطرت على مناطق واسعة فكيف حدث ذلك؟ فكروا وتأملوا بعمق فقط لو كانت قد احتلت دمشق وبغداد لكان بإمكان هذه العصابات الإرهابية أن تحصل تقريباً على صفة السلطة الرسمية والشرعية وتخلق منطقة مدججة بالسلاح والرجال لتوسعها العالمي هل فكر أحكم بذلك؟ آن الأوان الذي يتوجب على المجموعة الدولية أن تعي وتدرك مالذي يواجهها فنحن في مواجهة عدو للحضارة والمدنية وعدو للإنسانية وللثقافة العالمية وهو عدو يحمل آيديولوجية الحقد والبربرية والتدمير ويسحق بأقدامه الأخلاق والقيم وخاصة قيم الأديان العالمية وبضمنها الإسلام الذي يورطه بممارسته الوحشية والتدميرية فلا يوجد هناك إرهابيون معتدلون وآخرون متشددون أو راديكاليون فلا يجب الفصل بين الإرهابيين وتصنيفهم بين متشدد ومعتدل. كما أنه لاينبغي اللعب على الكلمات فمثل هذا التمييز والفصل غير مفهوم وغير موجود في الواقع، فنحن نريد أن نفهم بالضبط ماذا يقصدون بذلك. ربما في نظر بعض المختصين في هذا المجال يكمن الاختلاف في أن العصابات الإرهابية التي تصنف بالمعتدلة لا تقطع رؤوس الأطفال إلا بأعداد معتدلة أو بطرق أقل وحشية. فلن نتمكن التخلص من هؤلاء الإرهابيين بالطرق السلمية ومن الوهم الاعتقاد بأننا يمكن أن ننهيهم بإبعادهم عن السلطة أو التفاهم معهم بطريقة ما. لذا أقول لكم أن العملية العسكرية الروسية في سوريا شرعية والذي نفهمه أن الإرهابيون الذين يقاتلون في الشرق الأوسط يشكلون تهديداً للجميع وبضمنهم نحن في روسيا وبلدنا يعرف بالضبط ماذا يعني الاعتداء الإرهابي ونعرف ما فعلته العصابات الإرهابية في شمال القوقاز ونتذكر جيداً التفجيرات الإرهابية في موسكو وباقي المدن الروسية فروسا حاربت دائماً وما تزال تحارب الإرهاب بكل أشكاله وتجلياته. وبخصوص الأزمة السورية عرج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قائلاً:" بعد أن تقدمت السلطات السورية الرسمية لنا بطلب رسمي بتقديم يد المساعدة قررنا إطلاق العملية العسكرية في هذا البلد وأشدد على أن هذه العملية العسكرية مشروعة وشرعية تماماً وهدفها الوحيد هو إقامة السلام في المنطقة وإننا على ثقة بأن عمل الجنود الروس سيؤثر إيجابياً على الوضع وسيساعد السلطات الرسمية هناك على خلق الظروف الضرورية للتوجه نحو حل سياسي والضرب بطريقة وقائية على الإرهابيين الذين يهددون أيضاً بلادنا روسيا وبذلك نساعد كل الدول والشعوب التي تواجه خطر داعش والإرهابيين في حالة دخولهم في تلك البلدان.

ثم شن الرئيس الروسي هجوماً قوياً على الولايات المتحدة الأمريكية في خطابه هذا متهماً

المجمع الصناعي الأمني والعسكري والأمريكي الذي يعرف جيداً أن عملهم يهدد القدرة العسكرية الروسية الكامنة وإن أنظمتهم وجدت لتحجيم وتدمير الإمكانيات الكامنة لكافة الدول الأخرى التي تمتلك السلاح النووي عدا الولايات المتحدة الأمريكية. وبهذا الصدد صرح بوتين قائلاً:" هاهم يرددون نفس المعزوفة ونفس التبريرات عن التهديد النووي الإيراني وهم يعرفون جيداً وكل المجموعة الدولية تعرف ذلك بأنه لاوجود لأي تهديد نووي إيراني. فلماذا يبتكرون أنظمة للدفاعات المضادة للصواريخ؟ لقد بادرت أمريكا لخوض مفاوضات ومعها الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن زائد ألمانيا أي 5 زائد 1 وتوصل الجميع للتوقيع على الاتفاق النووي مع الإيرانيين ولقد ساهمنا وأيدنا ذلك ودخل الاتفاق حيز التطبيق ووافقت إيران على نقل ما تمتلك من اليورانيوم المنقى وبذلك لم تعد هناك مشكلة نووية إيرانية ولذلك فما الحاجة لخلق نظام مضاد للصواريخ بعيدة المدى؟ لم تتوقف الولايات المتحدة وماتزال تجري المزيد من التجارب والاختبارات والمناورات وسوف ينصب هذا النظام في هنغاريا قبل نهاية هذا العام وفي بولونيا من الآن ولغاية عام 2018 أو 2020. فما هي الغاية من ذلك؟

أستطيع أن أقول لكم، وهذا يعرفه الأخصائيون والخبراء العسكريون جيداً، أن قاعدة لأنظمة مضادات الصواريخ البالستيكية تصلح ايضاً لاستخدام نصب أنظمة الصواريخ العابرة للقارات فهل لا يشكل ذلك تهديداً لنا؟ من البديهي الرد بالإيجاب وأن ذلك يعدل فلسفة الأمن الدولي برمتها. وهذا يعد خرقاً للتوازن الاستراتيجي الدولي عندما تقرر الولايات المتحدة الأمريكية من طرف واحد لوحده أن من حقها حماية نفسها من أية ضربات صاروخية ويمكنها الرد بفضل المظلة الحامية المضادة للصواريخ التي نصبتها فوق أراضيها مما سيطلق يدها باستخدام أي نوع من الأسلحة التي في حوزتها فهل لا يحق للآخرين أن يقوموا بالمثل؟

كيف تريدون منا أن نقبل حدوث انقلابات عسكرية؟ أنتم تقومون الآن بإعادة عمل سيناريوهات العراق وليبيا في سوريا واليمن، ولا تخجل السلطات الأمريكية من القول والتصريح بأنها كرست مليارات الدولارات علناً وعلى الملأ وبأنها أنفقت ما يزيد على 5 مليار لدعم المعارضة السورية المسلحة فهل هذا خيار جيد وهل تعرفون من هي هذه المعارضة السورية المسلحة؟ إنها بالأساس وحصراً داعش وجبهة النصرة الفرع الرسمي لتنظيم القاعدة الإرهابي والجبهة الإسلامية.

لا شيء فعال تم في سوريا من قبل قوات التحالف الغربي فمنذ ستة أشهر وقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ومعها 11 بلدا قاموا بـ 500 ضربة جوية ضد مختلف المواقع ولم ينتج عن ذلك أية نتيجة فعالة وذلك واضح للجميع بل بالعكس تقدم الإرهابيون وعززوا مواقعهم منذ بدء علميات قوات التحالف الدولي الغربية في سوريا والعراق ووسعوا مناطق نفوذهم في حين نأمل أن تؤدي قواتنا الجوية إلى حدوث نتائج إيجابية بالتنسيق مع هجمات الجيش السوري ضد مواقع الإرهابيين البرية لكن ذلك وحده لا يكفي ويجب أن يحدث عمل مهم وجماعي تشارك فيه المجموعة الدولية برمتها لدحر الإرهاب والإرهابيين.

أما مسألة مغادرة الرئيس الأسد للسلطة فهذه يحدده ويقررها الشعب السوري بنفسه زواعتبر أن أي تقسيم لسوريا سيكون أسوء الخيارات وهو حل غير مقبول ولن يساهم في حل الصراع الدائر بل بالعكس سيخلق بأنه سيستمر وسيتفاقم وستصبح هذه المعركة دائمية ومستمرة فلو تم تقسيم سوريا إلى مناطق منعزلة عن بعضها فإن تلك المناطق ستخوض فيما بينها معارك وحروب دائمية ولن يخرج من ذلك أي شيء جيد. أما موضوع أن يغادر الرئيس السد أو يبقى فأنا أقول وأكرر كما فعلت في عدة مناسبات، إن ذلك غير صحيح فلا يمكننا من خارج سوريا أن نطرح هذا التساؤل ونقرر ما إذا كان هذا الرئيس أو ذاك يجب أن يغادر السلطة فالشعب السوري له الحق وحده من يقرر ذلك وإن السلطة يجب أن تتم وفق القواعد والإجراءات الديموقراطية المعروفة وبوجود إشراف موضوعي محايد وهذا هو الأهم وألا يكون تابعاً لهذه القوة العظمى أو تلك المجموعة من الدول.

عندما أشهد تسجيلات الفيديو للضربات الجوية أرى أمراً مدهشاً حيث تم تدمير كم هائل من الذخائر والأسلحة كما لو أن أسلحة الشرق الأوسط كلها مكدسة هنا والسؤال هو من أين لهم كل ذلك ومن أين يأتيهم التمويل؟ إنها قوة هائلة باتت تضمحل تدريجيا بفعل النجاحات والانتصارات التي حققتها القوات النظامية السورية وبمساعدة ضرباتنا الجوية حتى لو كانت انتصارات متواضعة ومحدودة في الوقت الحاضر لكنها موجودة وسيتحقق المزيد منها. ولقد أقمنا مركزاً للتنسيق والتبادل الاستخباري في بغداد يضم روسيا وسوريا والعراق وإيران لتبادل المعلومات وتحديد التوجهات الأساسية في محاربة الإرهاب وعلى نحو خاص إرهاب داعش ولم يتقرر بعد توسيع العمليات العسكرية وتعزيز القدرات الدفاعية ومشاركة القوات الجوية الروسية في العراق. صحيح أن لدينا علاقات ممتازة مع دول ذات أغلبية سكان شيعية إلا أن هدف العمليات العسكرية الروسية والجهود الدبلوماسية المبذولة هي لمحاربة الإرهاب وليس لوساطة بين ممثلي التوجهات المختلفة للإسلام لدينا تقدير عالي لأتباع الطائفة الشيعية وبنفس القدر لأتباع وممثلي الطائفة السنية والعلوية فلا يوجد لدينا أي تمييز بينهم. كما توجد ليدنا علاقات طيبة وممتازة مع دول أغلبية سكانها من الطائفة السنية ونفس الشيء مع دول ذات الغالبية الشيعية هدفنا الوحيد هو مكافحة ومحاربة الإرهاب ونحن نعرف الواقع الذي نتعاطى ونتفاعل معه وأن أكثر من نصف أعضاء الحكومة السورية من السنة ونفس النسبة أو أكثر توجد في الجيش السوري ولا ننسى أن سوريا بلد علماني.