هذه الأيام نسمع أخباراً متقاطعة ومتضاربة بشأن سوريا. فمن جهة نقرأ ونرى الأخبار التي ترد من ساحة القتال في مختلف مناطق سوريا بين المعارضة المسلحة وبين قوات النظام ومن يقف معه في خندق الجريمة تفيد أن التقدم والانتصار والفخر من نصيب المعارضة والانسحاب والتراجع والهزيمة والذلّ من نصيب النظام ومسانديه. آخر هذه الأخبار ما ورد من معارك منطقة درعا واستيلاء المعارضة المسلحة على مقر اللواء 52 من الجيش السوري.

وهناك أخبار أخرى تفيد أن نظام الملالي زجّ بآلاف من القوات من مختلف الجنسيات الإيرانية والأفغانية ومعظمها العراقية إلى منطقة إدلب بهدف الدفاع عن دمشق والحؤول دون سقوطها ومن ثم إعادة السيطرة على جسر الشغور و... ورافقت هذا الحدث مواقف جنرالات الجريمة من أمثال قاسم سليماني الذي وعد العالم بـ«المفاجئات» في سوريا وقول روحاني رئيس نظام ولاية الفقيه أن الملالي سيقفون بجانب نظام بشار الأسد حتى النهاية، وعلي شمخاني الذي وعد بأن الجيش السوري سيقطع دابر الإسناد من قوات المعارضة. كما أن صحيفة السفير اللبنانية تحدثت عن انتشار 1500 من القوات الإيرانية في منطقة اللاذقية للدفاع عن الساحل.

وفي هذا المجال كتبت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركيه أن إيران بصدد أعلان وصايتها على سوريا بشكل رسمي تنفيذا لاتفاقيه الدفاع المشترك بينها وبين سوريا والموقع قبل أعوام. وأضافت هذه الصحيفة أن الجيش السوري في حالة إنهيار تام وإيران الملالي لا يمكن أن يقبل سقوط دمشق فسيقوم بإرسال ما يقارب مائة إلف من قوات الحرس إلي سوريا للحيلولة دون سقوط عاصمة سوريا. وشاهدنا هذه الأيام بعض الكتاب العرب ينقلون هذه الأخبار ويعتبرونها جادة.

معنى هذا الفهم وهذه الأخبار هو أن ولاية الفقيه لايمكن أن تتخلى عن دمشق لأنها ذات وزن أكبر للنظام الإيراني من أغني المحافظات الإيرانية التي هي خوزستان الغنية بالنفط كما صرّح بذلك الملا مهدي طائب قائد الشبيحة في ايران وأحد القريبين بخامنئي بقوله:

« سوريا هي محافظة ايران الـ35 وهي محافظة استراتيجية لنا واذا ما أراد العدو الهجوم للاستيلاء على سوريا أو خوزستان فالأولوية بالنسبة لنا أن نحتفظ بسوريا لأننا اذا استطعنا أن نحتفظ بها فنستطيع استعادة خوزستان أيضا. ولكننا اذا فقدنا سوريا فلا نستطيع أن نحتفظ بطهران أيضا.»

هذه حقيقة دامغة لاحاجة إلى الإثبات لكن السوآل هو: هل ما يفعله نظام الملالي في سوريا هذه الأيام وما يقوله هو من قبيل الواقع أم يمكن فيمه في إطار الحرب النفسية وما شابه ذلك؟

اعتقد أن لفكّ هذه اللغز يجب العبور عن الظواهر والجدليات والغوص في عمق الحقائق والمعلومات. فعلى سبيل المثال ولا الحصر:

اولا. في فهم معادلة النظام الحاكم في إيران، فهناك توجه أو انطباع بأن هذا النظام قوي ولديه المبادرة لكن الحقيقة هي أن هذا النظام ضعيف فقد معظم مكوّنات البقاء فتصرفاته تأتي من موقف ردّ الفعل للتستر على هذه الحقيقة وليس من موقع القوة.

ثانيا. من المستحيل لهذا النظام تعبئة أعداد كبيرة من القوات كما كان يفعل إبان الحرب الإيرانية العراقية فالحديث عن إرسال 100 الف من القوات إلى سوريا لا يمكن أخذه مأخذ جد.

ثالثا. نظام الملالي بارع في الحرب النفسية أكثر من أي نظام آخر والملالي في تكوينهم المدرسي جنود للحرب النفسية، والحرب النفسية التي شنّها النظام ولايزال يشنها ضد المقاومة الإيرانية كانت أشمل وأعمق من الحروب الأخرى. والمعلومات الواردة من داخل أروقة النظام تفيد بأن تقييم مسؤولي نظام الملالي تقول إن الحرب النفسية هي إحدى الركائز التي يجب الاستفادة منها في سوريا. وجاء في تقرير داخلي للنظام « إنهم (أي المعارضة السورية) استفادوا بشكل جيد من الحرب النفسية ويجب علينا أيضاً أن نبدأ باستخدام هذه الآلية».

رابعاً. التجارب التاريخية تقول أن عربدة زعماء النظام الإيراني قبل أن تعبّر عن الخطط الجادّة تشير إلي حاجة النظام الماسّة، وأحياناً إلى التمهيد للتراجع والتنازل. ولم ننس أن أعنف تصريحات خميني وزعماء نظامه في الحرب الإيرانية العراقية كانت خلال الأسابيع الأخيرة التي سبقت الإعلان عن الرضوخ أمام وقف إطلاق النار وما عبّر عنه خميني بتجرّع السمّ. كما أن في معركة التكريت كانت جنرالات الحرس والميلشيات التابعة للنظام أطلقت تصاريح وخطب نارية لكن إن ما بدأت المعركة فإذا بهم جرّوا أذيال الهزيمة وما عادوا إليها إلا بعد ما بدأت قوات التحالف بعمليات القصف.

محصلة القول أن ما يتعلق بمصير سوريا فإن القوات المقاتلة على الأرض هم الذين بيدهم القرار، فإذا كانت لديهم عزيمة النضال والمثابرة وبقوا متفقين ومتحدين فلا أحد يستطيع أن يهزمهم، لأنهم يعبّرون عن طموحات شعب قدّم أكثر من مائتن وخمسين ألفاً من أبنائه شهداء من أجل الخلاص والحرية والكرامة.

ليس معنا هذا الشرح أن لجنون الملالي حدود، بل من المحتمل أن يقوموا بعمليات جنونية وزجّ القوات من مختلف الدول باستخدام أساليب الدجل والشعوذة، لكن هذه الأساليب لم يعد لها مفعول في إيران فيجب عليه أن يأتي بقواته الخاصة ليلقوا حتفهم بيد أبناء الشعب السوري وذلك سيسرّع من وتيرة استنزاف قوات النظام و بالتالي سقوط الملالي بيد الشعب الإيراني ومقاومته.

وفي هذه الفترة المصيرية للثورة السورية فإن تجمع عشرات الآلاف من الإيرانيين في المؤتمر السنوي العام للمعارضة الإيرانية في باريس بعد ثلاثة أيام يكسب أهمية خاصة لأن هؤلاء الإيرانيين يأتون إلى هذا التجمع ليقولوا بكلامهم وبحضورهم أن نظام الملالي لايحظى بشعبية في وجوده وفي تصرفاته وفي تدخلاته في سورياو في الدول الأخرى، كما أنهم يعبّرون عن تضامنهم وتلاحمهم مع أبناء الشعب السوري ومع المقاتلين من أجل الحرية والكرامة في سوريا ووجود وفد كبير من المعارضة السورية وأعداد كثيرة من أبناء الشعب السوري أفضل رمز ودليل على هذا التوجه.