&

صرًح رئيس البرلمان التركي السيد اسماعيل قهرمان، ان مفهوم و مبدأ العلمانية يجب ان لا يجد له مكاناً في الدستور التركي الجديد و ان كلمة او لفظة " العلمانية" يجب ان تحذف منه الى الأبد.&
و كما هو من المتوقع، احدثت تصريحات قهرمان موجة من الاعتراضات و خاصة من قبل جماهير حزب الشعب الجمهوري الذي يعتبر نفسه حامي حمى العلمانية في تركيا!!، و إنبرى رئيس كتلته الحزبية في البرلمان التركي في الرد و انتقاد موقف رئيس برلمانه. كما ان تحالفاً من اجل العلمانية يدعى "حركة حزيران المتحدة" في إشارة الى الاضطرابات و المظاهرات التي حدثت في ساحة تقسيم في حزيران من عام 2013، توجهت تلك الحركة صوب البرلمان هاتفين << سوف لن ندعكم تكتبون دستوراً للشريعة و الخلافة>>!&
و على الرغم من ان الدستور الجديد ليس على وشك الاصدار قريباً او الموافقة عليه من قبل البرلمان و لكن يمكن اعتبار كلام رئيس البرلمان اشارةً الى النوايا التي يضمرها الرئيس رجب طيب اردوغان في تأسيس ما يسميه "تركيا الجديدة" تتوافق مع ايديولوجيته.&
ان التوترات او الصراع بين الاسلام المسيًس و العلمانية التي شكلت المبدأ الايديولوجي الاساسي في تركيا "ما بعد دولة الخلافة العثمانية" ، طبعت المشهد السياسي التركي على مدى العقود الماضية.&
لقد كان العلمانيون الاتراك في شك دائم من نيات و حركات حزب العدالة و التنمية الحاكم في انقرة كونه الابن الذي خلف الاحزاب الاسلامية التركية الاقدم منه. لقد دأب هذا الحزب حتى قبل فوزه في الانتخابات و استلامه السلطة السياسية في تركيا في عام 2002، و تعلمه دروساً من فشل الاحزاب الاسلامية السابقة، على التأكيد انه لا يحمل اية أجندة اسلامية و يعتبر نفسه شبيهاً بالاحزاب "الديموقراطية المحافظة" او انه النسخة الاسلامية من الاحزاب الديموقراطية المسيحية في العالم الغربي. ثم بدأ حزب العدالة بتحقيق الفوز تلو الاخر في الانتخابات، و بعد ان استقر له المقام و الثقة بالنفس، لم يستطع صبراً و إنكفأ تدريجياً الى صميم جوهره الاسلاموي المسيس. و كان اختيار الرئيس اردوغان للشخص الذي يستلم مهام رئاسة البرلمان بعد انتخابات نوفمبر الماضي شاهداً و مبشراً و نذيراً بالاتجاه و المنحى الجديد الذي ستتخذه تركيا في المرحلة القادمة. &&
السيد "قهرمان" المولود في عام 1940، يعتبر واحداً من أقدم الاسلاميين المحافظين الترك، و كان ناشطاً تركياً اسلامياً محافظاً في ستينات القرن الماضي، و حارب بشدة ضد صعود موجة التيار اليساري بين الشباب الترك. كما كان الرجل الاكثر تاثيراً و احتراماً في الجناح الاسلامي اليميني لاتحاد الطلبة الوطنيين الترك و الذي كان الرئيس التركي السابق عبدالله غول رئيساً له و الرئيس اردوغان لا يزال مجرد عضوٍ فيه. ثم اصبح السيد قهرمان شخصيةً بارزةً، و رئيساً للعديد من المنظمات المعروفة و اتحادات المجتمع المدني ذات الطابع الاسلامي. ثم تولى وزارة الثقافة في حكومة رئيس الوزراء نجم الدين اربكان من عام 1996-1997. ثم ترقى الى منصب نائب رئيس حزب الرفاه الأربكاني من 1983- 1998 أي الى ان تم حظر الحزب.&
لقد بقي السيد قهرمان خارج البرلمان الى الانتخابات الأخيرة على الرغم من احتفاظه بصلة قريبة و علاقات وثيقة مع السيد أردوغان عندما شغل منصب رئيس مجلس الأمناء و مؤسساً لجامعة " رجب طيب أردوغان". و كل الذين يعرفون أردوغان و قهرمان، يدركون متى الاحترام الكبير الذي يكنه السيد الاول للسيد الثاني. لقد كان قهرمان خيار السيد أردوغان لرئاسة البرلمان، فبأي آلاء الديموقراطية تكذِبان؟!.&
انه لمن الطبيعي ان يبدي الناس و المواطنون آراءهم و ملاحظاتهم حول العلمانية و حول رؤية السيد أردوغان لمستقبل تركيا لان العلمانية كانت و لا تزال دوماُ قضيةً حساسة و جدلية في تركيا و خاصةً للنخبة الكمالية الحاكمة و عمودها الفقري المؤسسة العسكرية في تركيا. و سواءً، كانت تصريحات قهرمان إنعكاساً للاهداف الأردوغانية البعيدة المدى او لم تكن، فهذا لا يهم، لانه من المؤكد ان الخلافات و التناحرات القديمة بين نخب و اطياف الشعب التركي بخصوص العلمانية و الاسلاموية ستعود الى السطح ثانيةً و تزيد المتاعب للواقع التركي المضطرب اًصلاً. الكثيرون لم يكن يعرفون مالذي سوف يحدث اذا ما قام احد الشخصيات القيادية في الهيكل السياسي لتركيا، بالاقدام على خطوة بإتجاهٍ لم يكن بالامكان فعله او مجرد التفكير فيه سابقاً؟ البعض يقول انه لا مستحيل في الشرق الاوسط الحالي. &
لقد دأب المتأسلمون و خاصةً السياسيون منهم على وصف الغرب و اتباعهم بالقول "ان الكفر ملة واحدة"، و لكن يبدوا ان المتأسلمين السياسيين ايضاً ملة واحدة و لا فرق بين ما يقال احياناً ان احدهم مستنير و الاخر وسطي و الثالث معتدل و الرابع حنيف و الخامس عنيف و السادس ديموقراطي و الى اخره من المسميات، ان هي إلاَ اسماء سميتموها والواقع الفعلي يثبت العكس. كلهم و كما يقول المصريون في مسلسلاتهم " يتمسكنوا لحد ما يتمكنوا". &&
قديماً قال روبسبير "يجب ان لا تعطى الحرية لأعداء الحرية و لا الديموقراطية لأعداء الديموقراطية".&
&