الآشوريون، يعود وجودهم في الاقاليم الشرقية الجنوبية لما يعرف اليوم بالدولة التركية الى أكثر من 6000 عام، أي قبل أن يظهر الاتراك (العثمانيون) بقرون على وجه الارض. شكّل المسيحيون في بداية القرن العشرين أكثر من 30% من أصل 14 مليون، سكان تركيا بحدودها الحالية. أي نحو 4 مليون مسيحي، معظمهم من الأرمن والاشوريين، كانوا يعيشون في مناطقهم التاريخية (مناطق أرمنية - آشورية)، ضمتها تركيا. اليوم، بعد قرن كامل، يعيش في تركيا، فقط نحو مائة الف مسيحي معظمهم في استنبول. منهم نحو20 الف آشوري(سرياني- كلداني). تراجع الوجود المسيحي، لصالح العنصر المسلم(كردي – عثماني)، يعود بشكل أساسي الى تعرض مسيحيي السلطنة العثمانية لسلسلة عميات "ابادة جماعية" - تطهير عرقي وديني- على أيدي جيش السلطنة والقبائل الكردية، وتهجير من تبقى منهم حياً أو إجبارهم على اعتناق الاسلام. الأكثر وحشية وبربرية كانت (مجازر بدرخان 1843- 1846.. مذابح 1915 ).&
&بعد تسعة عقود من إغلاق آخر مدرسة سريانية في تركيا (عام 1928) وحرمان السريان الآشوريين من حق التعليم والتعلم بلغتهم السريانية وتقييد حرياتهم الدينية والاجتماعية، الى درجة أنهم يحتفلون بأعيادهم ويقيمون أعراسهم ويدفنون موتاهم بصمت من غير ان تدق اجراس كنائسهم ومن دون رفع صلبان، حكومة حزب العدالة والتنمية الاسلامية القائمة في تركيا، تمنن الأقلية السريانية الآشورية المتبقية في تركيا، بفتح "روضة " عام 2012 في استنبول تحتضن أطفال الآشوريين ويتعلمون فيها لغتهم السريانية. فهل فتح روضة لأطفال صغار كاف لمحو آثار وتراكمات قرون طويلة من المظالم والاضطهاد الديني والاستبداد القومي والثقافي للآشوريين المسيحيين؟؟. المحاكم التركية، تعج بعشرات القضايا من غير أن يتم النظر فيها، تتعلق بالممتلكات والكنائس والأديرة المصادرة من قبل الدولة التركية أو من قبل مسلمين أتراك (اكراد وغير أكراد) استحلوها إبان المذابح. آلاف الكنائس ( دُمرت أو صُدرت ). عشرات الكنائس تم تحويلها إلى مساجد. جامع "أولوجاميا" أكبر مساجد مدينة ديار بكر، كان كنيسة “مار توما". كثير من الكنائس جعلوها إسطبلات وحظائر وخانات للحيوانات. القانون التركي، يقضي بأن تعيد السلطات كل وقف ديني لأصحابه في حال تم إثبات ملكيته للكنيسة. لكن مثل هذا الشرط يبدو تعجيزياً، لأن مستندات الملكية لغالبية الأوقاف والكنائس والممتلكات المصادرة، ضاعت أو ُتلفت وأُحرقت، من قبل المعتدين إثناء عمليات الابادة والترحيل القسري للمسيحيين. بعد أن يأس المسيحيون وخابت آمالهم في القضاء التركي، مرجعيات كنسية رفعت ملف الكنائس والمدارس والأديرة المصادرة الى المحاكم الأوربية والدولية المعنية بحقوق الانسان. تحركات المنظمات الحقوقية الأرمنية السريانية الآشورية في دول الشتات بدأت تعطي ثمارها على هذا الصعيد. ففي 26 يونيو الماضي، اقرت لجنة "العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي" مشروع قانون يقضي "بمحاسبة تركيا ومطالبتها بإعادة الكنائس التي خضعت لسيطرتها بعد إفراغ المنطقة من سكانها الأصليين".&
الدولة التركية لم تُقدم على اية خطوة، سياسية أو قانونية أو معنوية، تجاه قضايا وحقوق الأشوريين والأرمن المسيحيين. تركيا، وريثة السلطنة العثمانية، ترفض الاعتراف بمسؤوليتها عن قتل وترحيل ملايين المسيحيين من ارمن وآشوريين (سريان-كلدان) ويونان عام 1915 على ايدي جيش السلطنة وبقرار سياسي من حكومتها. تركيا لم تعترف بالهوية القومية والخصوصية التاريخية والثقافية للأرمن والآشوريين. الحكومات التركية، تنتهج سياسية التميز العنصري (ديني وعرقي) تجاه المسيحيين. نهج التتريك مستمر بحق كل ما يمت بصلة للتاريخ والحضارة الآشورية السريانية. رغم المبادئ العلمانية، التي تقوم عليها الدولة التركية الحديثة، الى تاريخه تفرض على جميع المسيحيين "كنية – اسم العائلة" تركية عثمانية، بدلاً من الاسم الحقيقي للعائلة. وزارة التربية التركية وضعت كتاب مقرر التاريخ للمدارس العالية، للعام الدراسي 2011 – 2012، يتهم الآشوريين والمسيحيين عموماً بالتعاون مع روسيا ودول الحلفاء في الحرب العالمية الأولى ضد السلطنة العثمانية وبصفهم بالخونة ويرى فيهم خطراً على الأمن القومي التركي. ليس هذا فحسب، الكتاب يتهم المهاجرين السريان الآشوريين والارمن في البلدان الأوربية بالعمل لصالح الدول التي لجأوا اليها ويسيئون الى تركيا ويضرون بمصالها وعلاقاتها مع دول الغرب. الهدف الأساسي من وضع هكذا كتاب،مثير للأحقاد والكراهية الدينية والعرقية ضد المسيحيين، هو لتضليل الراي العام التركي ولتبرير ابادة مسيحيي السلطنة العثمانية إبان الحرب 1915. العديد من المنظمات الحقوقية المدنية في ولاية ماردين أصدرت بياناً، انتقدت وأدانت فيه بشدة النهج الطائفي للدولة التركية في العلمية التربوية. طالبت المنظمات بوجوب سحب هذا الكتاب فوراً من مناهج التعليم. جاء في بيانها" إذا كانت الدولة تريد حقاً أن تخدم سريان تركيا فينبغي الاهتمام بلغتهم وثقافاتهم. إننا نعتقد بوجوب تمثيل جميع شرائح المجتمع في الجمهورية التركية في الساحة الثقافية مع الحفاظ على العناصر الثقافية لتلك الشرائح".
مظالم الحكومة الاسلامية التركية، طالت النشطاء السياسيين والحقوقيين السريان الآشوريين. بتاريخ 19تموز الماضي، اصدرت (المحكة الجنائية) في مدينة مديات حكماً عنصرياً جائراً بحق المعتقل السياسي الآشوري ( ساوا أوشانا ). يقضي الحكم بحبس ساوا ثماني سنوات وست اشهر، بتهم تتعلق بالتحريض على الارهاب. القضاء التركي استغل ظروف الانقلاب العسكري الفاشل، الذي وقع 15 تموز الماضي على الرئيس رجب طيب اردوغان، في اصدار هكذا حكم جائر بحق ناشط سياسي، يعمل في مجال حقوق الانسان بشكل سلمي ديمقراطي، ينبذ العنف وكل أشكال التطرف و الارهاب. اعتقال ساوا وقساوة الحكم الصادر بحقه، كشفا زيف ادعاءات حكومة حزب العدالة والتنمية، المتعلقة بالديمقراطية واحترام حقوق الأقليات الدينية والعرقية. قضية ساوا بخلفياتها وأبعادها، السياسية والعرقية والدينية، تختزل قضية الآشوريين(سريان كلدان) والأرمن والمسيحيين عموماً في تركيا.&
&
باحث سوري مهتم بقضايا الأقليات
التعليقات