عصام سحمراني: مندسّون وغوغائيون.. تهمة جاهزة باتت تظهر في لبنان مع كلّ تظاهرة أو مهرجان أو اعتصام تظهر فيه حبال الطائفية بارزة تلفّ العنق اللبناني مشنقة ما بعدها مشنقة. ولو إنّ الأمر اقتصر على السياسة اللبنانية المليئة بالقذارات لاحتمل لكن أن يصل إلى المكان الذي ظهرت منه عبارة الروح الرياضية وهو الرياضة بحدّ ذاتها فذلك أمر لا يحتمل.

نادي النجمة الرياضي مجدّداً. نادي النجمة الذي كان يوماً ما لكلّ اللبنانيين يشاهدون مبارياته ويشجّعونه ويعتبرونه ممثّلهم الأوحد وينتصرون لمظالمه العديدة في كرة القدم. واحد من اعرق الأندية اللبنانية بكرة القدم على الإطلاق بات ولأوّل مرّة في تاريخه ملكاً لجهة سياسية طائفية تسعى لتنقية أعراق النادي من جماهيره التي ما زالت منذ تأسيسه تقدّم في سبيل النادي الغالي لديها. وليس أغلى لدى تلك الشرائح الإجتماعية الكادحة البائسة أكثر من الإستدانة بعض الأحيان لأجل مشاهدة مباراة داخل الملعب.

النادي سنّي. أمر معروف ولا يحتاج لخبير لتبيانه. لكنّ ذلك لم يظهر طوال تاريخ النادي الذي تأسّس عام 1945 وأمضى رئيس النادي السابق عمر غندور أكثر من ثلاثين عاماً في سدّة رئاسته دون أن يبرز إلى الآفاق أيّ شائبة طائفية تشوب الجمهور.النادي هو الأكثر شعبية من بين نوادي جميع الرياضات في لبنان. تلك الشعبية أسّسها جمهور لعبت عوامل عدّة لا داعي لذكرها في أن يكون معظمه من الطائفة الشيعية على مدار نصف قرن. لكنّ ذلك لم يؤثّر بتاتاً في أيّ تصادم بين الإدارة من جهة والجماهير الكبيرة من جهة أخرى. لا بل إنّ هذا الأمر اعتبر مفارقة في لبنان وبات النادي صاحب ثنائية فريدة في التركيبة اللبنانية الطائفية الغريبة. فكان الولاء للون النبيذي لا غير.

إستقال عمر غندور أوائل الألفية الجديدة واستقال معه كلّ ما له علاقة بتلك الروحية المميّزة للفريق مع نجاح الضغوط الحريرية أخيراً في السيطرة إلى النادي. فبات بهاء الدين الحريري نجل الرئيس الراحل رفيق الحريري رئيساً فخرياً وراعياً مالياً للفريق الذي صار جزءاً مع بوتقة أخرى من النوادي كالأنصار في كرة القدم والرياضي في كرة السلّة والجزيرة في السباحة من الكواكب السابحة في فلك آل الحريري.

ومع ذلك فقد استمرّت جماهير الفريق هي الأكبر في الكرة اللبنانية ولو قلّت أعدادها بشكل ملحوظ. ولا شكّ أنّ أجيالاً جديدة من الجماهير بدأت بتشجيع الفريق تختلف ثقافتها كلّياً عن الأجيال الماضية بما يحيط بها من بيئة اختلفت عمّا كان للأجيال الماضية بمؤثّرات سياسية وحزبية تعصف بالبلاد. تلك الإختلافات ترافقت في الفترة الأخيرة مع الإنقسامات التي تشهدها البلاد منذ اغتيال الرئيس الحريري.

ومع ذلك فقد اتفق الجميع على أنّ تغيّراً حصل في اتجاهات الفريق تجاه الفرق الأخرى خاصة نادي الأنصار العدوّ اللدود الذي بات شقيقاً للنجمة على الرغم من التنافس الكبير والنفور بين جماهير الفريقين. وتجاه الإتحاد الذي عاد إليه أمينه العام السابق رهيف علامة مدافعاً بغرابة شديدة عن فريق النجمة بعد تحامل على مدار سنوات ضدّه. وذلك ليس إلاّ بسبب الوضع السياسي الجديد للنادي.

إذاً فاللعب على الوتر الطائفي هو خطأ إدارة النجمة في المقام الأوّل التي تحدّثت عن جمهورها الوفي أكثر من مرّة بصورة غير رياضية أبداً متهمة إيّاه بالإساءة إلى مقام النادي وبالغوغائية والطائفية والشغب وبأنّه جمهور مندسّ وغير مسؤول في أكثر من مناسبة. أمّا الجمهور فقد استمرّ رغم كلّ تلك الإتهامات الجاهزة بالتدفّق إلى المباريات ولو أنّ أقصى عدد لأفراده بات خمسة آلاف لاغير في أفضل الأحوال.

ومع الإنقسام الأكبر الذي افرزته الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان كان لا بدّ لهذا الجمهور من التنفيس عن احتقانه من أمور كثيرة تشغله فحدث ما حدث في المباراة أمام سيلانغور الماليزي الأسبوع الماضي.

هذا الأمر يعتبر طبيعياً في ملاعب كرة القدم إستناداً إلى الشارع اللبناني برمّته لكن ما لم يكن طبيعياً هو ردود الفعل التي طالت هذا الجمهور من قبل إدارة النادي التي شدّدت على خيارها السياسي الحريريّ وهذا ما يسمّى بتسييس الرياضة ومن قبل بعض الأصوات التي انتقدت هذا الجمهور علناً كالنائب الجنبلاطيّ أكرم شهيّب الذي لا دخل له أصلاً بالفريق أو بجماهيره.
حتّى تفتّقت المخيّلة الضيّقة جداً لإدارة النجمة المرموقة وبالطبع فقد استعانت بالسجلّ الواسع في هذا المجال لرهيف علامة أمين عام الإتحاد الذي بات مقرّباً. تفتقت عن منع الجماهير من دخول الملعب في المباراة أمام المحرّق البحريني يوم الثلاثاء الماضي إلاّ بموجب بطاقات خاصة وزعتها بنفسها.

وكأنّ القدر لم يرد لهذه الإدارة المسيّسة أن تسعد بخطوتها الغريبة تلك حتّى أدّت الجماهير التي حضرت المباراة ببطاقات خاصة دوراً مشابها لما حصل في المباراة الماضية. بل أكثر من ذلك حين نقلت وسائل الإعلام تطاول الجمهور quot;الخاصquot; على الإدارة نفسها هذه المرّة لا على رموزها السياسية فحسب.

سؤال موجّه إلى المهتمين بكرة القدم من إتحاد ومسؤولين وإدارات أندية ولاعبين: هل تدركون أنّ اليوم الذي سيغيب فيه جمهور النجمة عن الملاعب نهائياً وقد بات قريباً سيكون فيه غياب لكلّ الجماهير اللبنانية؟ ففي النهاية ليس هنالك جمهور لكرة القدم في لبنان (دون مباريات مجانيّة ونقل مجانيّ ورواتب شهرية للهوبرجية) سوى جماهير نادي النجمة.فلتعيدوا النظر في خياراتكم ولتعيدوا النادي كما أراده الحاج عمر غندور رحم الله أيّامه قلعة للنجماويين من كلّ الطوائف.

[email protected]