مهما تباينت واختلفت الآراء في المجتمع السوري إلا أن الجميع متفقين على أن الوحدة الوطنية صمام الأمان بكل تحرك سياسي يقوم به هذا الطرف أو ذاك انطلاقاً من الحفاظ على المصالح العليا للشعب السوري لكن عنصر الضعف هنا عدم وجود فهم موحد لدى مختلف القوى الوطنية حول طبيعة هذه الوحدة ويتم تناولها كلا حسب تصوراته وقناعاته السياسية والثقافية والاجتماعية مما يستوجب رؤية جديدة لها يستوعب متغيرات الواقع ويستجيب لتحدياته وهواجسه وهذا ما عبر عنه أيضاً الرئيس بشار الأسد في خطاب القسم عندما أكد على ضرورة طرح أفكار جديدة في المجالات كافة، سواء بهدف حل مشكلاتنا ومصاعبنا الراهنة أو بهدف تطوير الواقع الحالي وتجديد أفكار قديمة لا تناسب واقعنا، مع إمكانية الاستغناء عن أفكار قديمة لا يمكن أن نجددها ولم يعد ممكنا الاستفادة منها. وتطوير أفكار قديمة تم تجديدها لكي تتناسب مع الأهداف الحاضرة والمستقبلية.
لذلك كله هناك ضرورة ملحة على مختلف الصعد لبلورة فهم جديد للوحدة الوطنية يأخذ بعين الاعتبار خصوصيات المواطنين وتأسيس علاقة بين هذه الخصوصيات قوامها الاحترام والانفتاح والتفاعل فوحده الوطن المنفتح والمتفاعل مع خصوصيات مواطنيه، على أسس المواطنة والمساواة والعدالة، هو السبيل لمجابهة التحديات وهذا لا يتأتى إلا بالمزيد من السعي والعمل على تكريس أسس هذه الوحدة ومتطلباتها في الواقع الاجتماعي ولعل الخطوة الأولى لإنجاز ذلك هي عقد مؤتمر وطني عام يضم جميع الفعاليات والقوى والتعبيرات، ويناقش بحرية وشفافية كل القضايا والأمور المتعلقة بحاضر الوطن ومستقبله وصولا لتحقيق الحد الأدنى من التوافقات العامة للعمل المشترك في القضايا الوطنية في هذه المرحلة الحساسة من عمر بلادنا.
أن الاعتراف والقبول بالتعددية المتوفرة في فضائنا الاجتماعي والوطني وإشاعة الحياة الديمقراطية والتي هي السبيل لتنظيم وتطوير حياتنا السياسية وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية وإلغاء الأحكام العرفية هي ضرورة سياسية ووطنية وإن أي تأجيل لهذه الضرورة تحت أي مبرر أو مسوغ لا يفضي إلا إلى الإبقاء على أوضاعنا دون تطلعات الشعب السوري وقواه الوطنية والديمقراطية.
فالنضج الاجتماعي لا يتحقق إلا بممارسـة الديمقراطية، لأنها عتبة الانتقال إلى عصر وطني جديد قوامه دولة جميع المواطنين بصرف النظر عن أصولهم العرقية ولأيديولوجية والمذهبية فعدالة الدولة وانفتاح مشروعاتها ومؤسساتها على كل المواطنين، هو أحد أعمدة تعزيز الوحدة الوطنية.
فطريق الوحدة يأتي عن طريق احترام حقائق التنوع، لأن التعدد والتنوع ليسا حالات أو وقائع مضادة للمنظور الوحدوي، بل هما عناصر تثري مفهوم الوحدة، وتزيد مضمونه حيوية وفاعلية.
وعليه فإن التضامن الاجتماعي والوحدة الوطنية، لا تتحقق بنفي التعدد المتوافر في المجتمع، وإنما باحترامه وتوفير المتطلبات المجتمعية التي تعطيه الفرصة للتعبير عن هذا التعدد بصورة إيجابية وحسنة.
والوحدة الوطنية، لا تعني تطابق أبناء الوطن في وجهات نظرهم المختلفة. لأن هذا التطابق لا يتحقق إلا بالقسر والعنف. وكل شيء يوجد بالقسر فمآله إلى زوال وتأثيراته عكسية. بمعنى أن القسر يؤدي إلى التشرذم والتفتت، حتى ولو كان ظاهر الحال هو الوحدة والائتلاف ومن هنا يتضح المنظور الفعلي والجوهري لتحقيق الوحدة الوطنية عبر وحدة المواطنين. وبهذا تتحد وتتساوى مصلحة الوطن مع مصلحة المواطن. بحيث إن أي عمل يتجه إلى الإضرار بالمواطنين حاضراً ومستقبلاً، هو في حقيقة الأمر إضرار بالوطن، لأننا لا نتصور وطناً بلا مواطنين. ومن أجل هذا المنظور تتأكد ضرورة الإعلاء من شأن تلك الأخلاقية، التي تدفع باتجاه العيش المشترك على قاعدة احترام الخصوصيات والحقائق الاجتماعية المتعددة.
أن الوحدة الوطنية في بلادنا ووفقا للمعاير الديمقراطية، والتعددية السياسية، وسيادة دولة الحق والقانون، والمشاركة الفاعلة لكافة مؤسسات المجتمع المدني عبر حضور الإرادة الوطنية في مركز القرار السياسـي، وممارسة السـلطة التنفيذية للشفافية، والسلطة التشريعية لمهامها كاملة ما تزال "هذه الوحدة " التي يصوغها التماسك الاجتماعي القائم على الحرية تحتاج إلى الكثير من الجهد والعمل الوطني، بحيث تصبح حجر الزاوية في إجراء التحولات العميقة في مختلف الميادين في السياسة والاقتصاد، والإدارة والاجتماع والثقافة.
وهنا أؤكد وفي إطار الوعي بطبيعة التحديات والمخاطر التي تواجهنا، بضرورة إزالة كل الشوائب والرواسب التي تضر بشكل أو بآخر بمفهوم وحقيقة الوحدة الوطنية والتآخي الوطني و تمتين وتحصين الجبهة الداخلية و منها على سبيل المثال ما يعانيه المواطنون الأكراد من سياسات تمييزية واضحة ومنذ عدة سنوات علاوة على ما خلفته أحداث 12 آذار في القامشلي وتداعياتها في باقي المناطق السورية جملة من الممارسات غير المنصفة بحقهم وهي معروفة للجميع كما انهم محرومون من ممارسة حقوقهم القومية على الرغم من أنهم يشكلون القومية الثانية في البلاد ولاشك بأنهم جزأ لايتجزأمن الشعب السوري وان قضيتهم جزءاً من القضايا العامة التي تعاني منها البلاد ونعتقد بأن الموقف المنصف والنبيل الذي أبداه السيد رئيس الجمهورية في مقابلته مع قناة الجزيرة بخصوص أحداث القامشلي والقومية الكردية يشكل أرضية مناسبة لحل قضاياهم.
كما واعتقد بأنه هناك جملة من المبادئ الأساسية التي يجب تعزيزها وتكريسها على ارض الواقع ثقافيا وسياسيا واجتماعيا وفي حال تحققها سيوفر المزيدمن الانسجام والتوافق على الصعيد الوطني وهي :
1- أن سوريا لكل السوريين.
2- العمل على استعادة الأراضي السورية المحتلة.
3- عدم الاستقواء بالخارج وان لا بديل عن الخيار الوطني الديمقراطي في معالجة القضايا الداخلية والخارجية.
4- اطلاق سراح المعتقلين السياسيين في سجون البلاد.
5- إصدار قانون عصري للأحزاب وضمان أن تكون الدولة على نفس المسافة من الجميع وإطلاق الحريات العامة وحرية الرأي والتعبير وسن قانون جديد للمطبوعات يواكب عصر الفضائيات والانترنت ووسائل الاتصال السريعة.
6- الإقرار بالتنوع والتعدد القومي والديني في سوريا، وسن القوانين التي تعبر عن ذلك وتعزيز الاخوة العربيـة الكردية بوصفها دعامة لتمتين البناء الوطني وتوفير مستلزمات المستقبل المشترك.
7- العمل من اجل تفعيل هيئات المجتمع المدني السوري وتقويتة، ليكون مصدرا لقوة المجتمع وحيويته ومرتكـزاً لمقاومة محاولات الهيمنة وطمس إرادة الشعوب.
8- الاهتمام بالأوضاع المعاشية للمواطنين ولاسيما أصحاب الدخل المحدود ووضع خطة واضحة لاستئصال شأفة الفساد والمفسدين.
9-احترام القوانين والدستور وعدم المس بنزاهة القضاء وتطوير التشريعات الحالية لما فبه مصلحة المواطنين
10-مواجهة الظاهرة العشائرية ورموزها الإقطاعية والتي باتت تظهر هنا وهناك في وقت تم تجاوزها ولم يعد الحاجة لها بتاتا في بلادنا بل باتت تشكل عقبة كأداء أمام تمتين الوحدة الوطنية ونحن جميعا مدعون لدراستها وتسليط الأضواء عليها بغية إبراز سلبياتها للمواطنين
وشكرا لإصغائكم
(نص المداخلة التي ألقيتها في الندوة الوطنية الثانية المنعقدة في فندق البلازا بدمشق بتاريخ30-10- 2004 بناء على دعوة من اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين مع العلم إنني دعيت اليها بصفتي الشخصية)
فيصل يوسف
عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا
التعليقات