يسقط الكثير من المسيحيين في العراق صرعى التفجيرات والعمليات الاجرامية التي يقترفها المجرمون من حملة شعارات الاسلاموية والقومجية العروبية من ايتام البعثفاشي، ويأتي سقوط القتلى من المسيحيين كحالة عامة يعيشها كل العراقيين، من كل القوميات والاديان والمذاهب.
الا انه حين يتم قتل المسيحيين لكونهم مسيحيين، فعندها علينا ان نتوقف وان نقول بكل صراحة وبملئ الفم، ان هناك حدا وأننا لن نرضى لأنفسنا ان نكون اهل الذمة بعد الان ولن نرضى ان نعيش بمنة وفضل من احد، وانه يجب ان نضمن مستقبلنا ومستقبل ابناءنا من خلال بناء عراق يحتضن هؤلاء الابناء بتلك الحرارة التي يحتضن فيها كل ابناءه وبالتساوي. بقليل الكلام اننا لن نرضى باقل من المساواة مع بقية ابناء وطننا العراقي الحبيب.
تناولت وسائل الاعلام، وبخاصة شبكة الانترنت، اخبارا عن تخصيص منطقة امنة او ادارية للمسيحيين العراقيين في اعقاب ما تعرضوا ويتعرضون له من حملة ارهابية منظمة.
ورغم عدم وجود اية تفاصيل او تقارير موثوقة عن "المقترح" (اذا جاز لنا اعتباره مقترحا بالاساس)، فان السيد يونادم كنا (احد اعضاء المجلس الوطني المؤقت عن شعبنا الكلداني الاشوري السرياني) صرح في اكثر من مناسبة ان المسيحيين لا يقبلون بمنطقة امنة، فهم سيعيشون مع بقية ابناء العراق حالهم حال البقية وانه يريد الامن للعراقيين اجمع وليس للمسيحيين فقط.
التصريح رائع من ناحية تبيان كم نحن اخوة للاخرين واننا لا نفضل انفسنا على الغير.
والتصريح رائع وربما يكون مؤثرا ايجابيا عندما يحاول السيد كنا تسويق نفسه للانتخابات المقبلة، فذلك طموح يضمنه القانون للسيد كنا ولكل العراقيين وانه امر يتوقف على السيد كنا في اختيار ما يحقق له تسويق طموحه الانتخابي.
ولكن ماذا عن مئات الالاف من ابناء شعبنا الاشوري الكلداني السرياني في العراق؟
هل التصريح يعبرعن عشرات الالاف من المرعوبين منهم، من انذارات المتأسلمين؟
هل التصريح يعبر عن عشرات الشهداء الابرياء والمئات من اليتامى من ضحايا العمليات الارهابية الموجهة ضدهم؟
هل التصريح يعبر عن رأي الفتاتين اللتان تم خطفهما واغتصابهما ومن ثم بيعهما لمجموعة من المراهقيين الذين ظ لوا يفعلون فعلتهم الكريهة بهن لمدة اربعة ايام لحين هربهن؟
هل التصريح يعبرعن المذبوحين اسلاميا؟
هل التصريح يعبر عن مئات الطلبة الذين تركوا مقاعد الدراسة وقبعوا في بيوتهم خوفا ورعبا، من انذارات المنظمات الجهادية؟
هل التصريح يعبر عن الاف العوائل من الذين تركوا دورهم وخرجوا الى المنافي الداخلية او الخارجية طلبا للامان (عفوا الاصطياف بحسب السيد كنا)؟
لا والف لا..
ان التصريخ اعلاه وغيره من التصريحات التي سبق للسيد كنا واخرين ترويجها، مثل تبرير الاعتداءات على الكنائس يوم الاحد الدامي في اب المنصرم سواء من حيث سببها، حيث اكد السيد كنا ان سببها هو ما اسماه التبشيريين رغم علمه ان الكنائس المستهدفة جميعها اطلاقا كانت كاثوليكية وهي من الكنائس العريقة في العراق والتي لم ولن ترتبط بقريب او ببعيد بالكنائس الاصلاحية الاميركية (لاحظ ان السيد ابراهيم الجعفريْ زعيم حزب الدعوة الاسلامية، رفض رفضا مطلقا ادعاءات وربط السيد كنا لتلك الاعتداءات بالتبشيريين)، او من حيث هدفها حيث ادعى السيد كنا ان الهدف كان تعطيل انعقاد المجلس الوطني العراقي!!!! مرورا باضفاء صفة السياحة والاصطياف على نزوح وهجرة الاف العوائل المسيحية، وانتهاءا بالتصريح الاخير حول المنطقة الامنة.
ان مجمل هذه التصريحات تعبر عن حالة الذل التي عشناها والتي يراد لنا ان نعيشها.
انها تعبر بحق عن الدونية الذموية (الذموية تصريف لحالة اهل الذمة) التي الصقت بنا على مدار اربعة عشر قرنا ليس الا.
نعم، فانه بسبب طول مدة الحالة الذموية التي عشناها بتنا نعتبر ان مجرد بقاءنا على قيد الحياة في اوطاننا هي مكرمة يجب ان نقابلها بالشكر والامتنان، وهذا ما تعبر عنه تصريحات الاسلامويين المتطرفين في مواقعهم على الانترنت او في اعلامهم الموجه.
على مسؤولينا في اي موقع او اية مسؤولية ان يرتقوا الى روحية المواطنة.
ان يدركوا اننا يجب ان نتساوى مع كل المواطنين الاخرين، وان كوننا مسيحيين لا ينتقص قيد انملة من حقوقنا كمواطنين.
ان هذا الموقف يجب ان لا يفسر بالعداء للاخرين، فليس في مطالبتي بالعيش بالحرية والكرامة الانسانية والمساواة اية دلائل عدائية.
ووفق هذا السياق فان اقامة المنطقة الامنة يعتبر اكثر من ضروري، لان تمتعنا بحقوقنا وبالمساواة مع الاخرين لا ينتقص من حقوقهم شيئا، وان الاصرار على هضم حقوقنا وزرع بذور التفرقة والانتقاص وارواء بذرة الدونية والفوقية يعني الاصرار على استمرار الاهانة والظلم التاريخي المحيق بنا بدءا بالمذابح المتكررة وانتهاءا بتدمير قرانا وتشويه تاريخنا وهلم جرا.
بعد ما مارسه النظام البعثفاشي السابق من المذابح وعمليات الابادة بحق العراقيين عامة والاكراد خاصة، ارتقى الاكراد بمطالبهم نحو الفيدرالية، اي ان يحكموا انفسهم بانفسهم.
فالشعب الكردي وقياداته السياسية لم تعد تثق بحكم الاخرين، وهذه نتيجة طبيعية ومنطقية افرزتها ممارسات القتل والتدمير التي مارستها الحكومات المتعاقبة ضدهم، فكانت النقلة السياسية النوعية والواعية للقيادات الكردية في تطوير مطالبها بما يعكس نبض وطموح شعبها، بعيدا عن المزايدات السياسية والشعاراتية، ولانها بهذه المطالب تحقق الامان والازدهار الاقتصادي والاستقرار السياسي والتطور الثقافي والاجتماعي.
اي ان القيادات السياسية الكردية وبدراية وتفاعل مع الظرفين الذاتي والموضوعي حققوا لشعبهم منطقة امنة محمية بقوتهم الذاتية، وبذا تحقق لديها ولدى ابناء شعبها الكثير من الاستقرار النفسي الذي يمكنهم من تطوير مطاليبهم وتمكينهم من وضع خطط مستقبلية تخدم تحقيق طموحاتهم. وهذه هي بالضبط مهمة ومسؤولية اية قيادة سياسية اذا ارادت تجسيد التزامها طموح شعبها عمليا لا شعاراتيا. وهذا هو بالضبط معيار الحكم على اخلاص القيادات لشعوبها من حيث انها تخدم وتحقق طموح شعبها لا ان تجعله مادة في سوق المزايدات لتحقيق مارب شخصية.
فهل كان ذلك خيانة للعراق ولشعبه؟ أم كان تحقيقا لطموحات مشروعة لشعب اكتوى بنار الظلم والاظطهاد المستمر؟
يقينا انه كان تحقيق لطموح مشروع.
فما بال بعض سياسيينا يسارعون الى الرفض القاطع والمسبق لكل ورقة يمكن استعمالها لتطوير حقوقنا رغم ان تفاصيل الورقة ليست بالمعروفة؟
لماذا لا يعطون لانفسهم ولشعبهم واصدقاءهم فرصة التريث لمعرفة الامور ودراستها قبل الحكم عليها بالرفض المطلق؟
ام تراهم يفتقرون الى الحكمة والقدرة في اختيار الردود الدبلوماسية الرمادية التي تبقي الباب مفتوحا للتعاطي مع الامور بحسب الاحداث والتفاصيل؟
اليس من حقنا ان نشكك ان هناك عملية بيع مصير شعب من اجل كرسي بائس في الحكم؟ ولن تخدم الكاريزما او الدونكيشوتية او ارتال المتهافتين على تسويق او تبرير مواقف "القيادات التاريخية" في ازالة هذه الشكوك.
ما بالهم لا يستغلون بعض الطروحات او وقائع الارهاب الموجه ضد شعبنا في رفع سقف المطالب خاصة وانها لا تتناقض مع الوحدة الوطنية العراقية التي لا يمكن لاحد ان يشكك في حرص شعبنا الاشوري الكلداني السرياني عليها؟
لصالح من يتم الرفض دون مشاورة احد من اعضاء البرلمان من ابناء شعبنا او من السياسيين الاخرين؟
ابهذه الطروحات يريد السيد كنا بناء العمل المشترك؟.
ان المزايدات بالشعارات الوطنية لن يفيدنا في شئ اذا فقدنا جل شعبنا في "المصايف" السورية والاردنية.
ان ما يفيدنا حقا هو وضع النقاط على الاحرف.
لم ولا يتحدث احد عن مخيمات امنة محمية.
المنطقة الامنة هي منطقة ادارية تحقق امنها ذاتيا من خلال التجانس بين ابناءها ومن خلال مؤسسات الدولة العراقية من قوات امن وشرطة وادارات وغيرها من ابناء المنطقة، ولا يزيد دور القوات الدولية فيها عن دورها في البصرة والسماوة وبغداد وبقية اجزاء العراق.
اذا كان البعض لا يريد ذلك، فلماذا اذا طالب قبل عام بمنطقة ادارية في سهل الموصل؟ ام ترى ان متطلبات الطموح الشخصي في هذه الايام هي غير متطلباته قبل عام!!
ان المسيحيين في العراق مهددون لكونهم مسيحيون. وهذا ليس محض افتراض او قول مختلق، فالانذارات و الممارسات تقول وتشهد بذلك.
ويجب ان نتعامل مع هذا الواقع ونتائجه بذهنية متحررة من الذهنيات السياسية الى الامس القريب بل والى اليوم لدى الكثيرين في بلداننا والتي تستغل شعارات مثل "الارادة الوطنية" و"الوحدة الوطنية" من اجل هضم حقوق الانسان والقوميات والاديان القليلة العدد، او ما اصطلح على تسميته بالاقليات.
فهل نسينا ان مذابح سميل وحلبجة والانفال والاهوار ارتكبت جميعها تحت يافطات الشعارات الوطنية البراقة.
ان حماية المسيحيين العزل هي مسؤولية الدولة العراقية التي من صميم واجباتها حماية مواطنيها مهما كان دينهم او عرقهم.
واذا كانت الدولة لا تتمكن من ممارسة هذا الدور الاساسي المناط بها، لاي سبب كان، فانه ليس مطلوبا منا ان نظل نقدم قرابين الانتماء لحين ان يفرغ الوطن منا؟
هل لانسان ان يقول لنا الى متى الانتظار؟
اننا كسريان كلدان اشوريين، اول من يدعم الدولة لممارسة واجباتها وصلاحياتها، فنحن ندرك ونساند احتكار الدولة لممارسة القوة، لادراكنا انها ستمارس القوة لتطبيق القانون.
ولكن ان يطلب منا انتظار مجئ غودو، فلا والف لا. فنحن بشر اولا واخيرا، ونحب الحياة التي وهبها الله لنا ونخاف عليها.
نحن نريد لابناءنا مستقبل زاهر وان يعيشوا في سلام وامان.
وان لم يتم توفيره لنا ولابناءنا، فمن حقنا الطبيعي البحث عن البديل، خصوصا اننا ببحثنا عن البديل، لا نهضم حقوق الاخرين.
تيري بطرس
التعليقات