السؤال الذي يراودني ويراود الكثيرين أن: هل المقاومة المسلحة بشكل عام مجدية ومفيدة وقادرة على حل مشاكل القهر والمصائب التي تحل في العالم العربي؟ وهل يا ترى تصل إلى نتيجة تساوي سلسلة الضحايا والعواقب الوخيمة التي تتركها خلفها؟

الحقيقة المرة أن المقاومة المسلحة في هذه الحقبة من تاريخ الأمم ليس لها جدوى فعال ولا تؤدي إلى نتيجة مثمرة في نهاية مطاف الصراع العسكري. ولا تقدم حل للمأزق التي يمر به العراق لا في الوقت الحاضر ولا في المستقبل القريب أو البعيد بل تزيد وتضيف على مآزقه ومصائبه. والنتيجة أن المقاومة المسلحة تصيب المجتمع بعاهات اجتماعية يحتاج السنين للشفاء منها وتتركه في وسط مستنقع ركود، ركود سياسي، اقتصادي واجتماعي. تماماُ كما حصل للشعب الفلسطيني خلال مسيرته البائسة، المقاومة المسلحة رفعت معنويات الشعب الفلسطيني إلى السماء ومن ثم رمته إلى الحضيض. وتنقل الشعب الفلسطيني منذ عام 1967 وخلال تاريخه الحديث من كارثة إلى العديد من الكوارث من مجازر أيلول عام 1970 إلى مذابح لبنان17 عاماً أدت إلى مجازر صبرا وشتيلا وإلى آلاف الضحايا والمشردين، وتشريد قوات منظمة التحرير إلى دول عربية بعيدة عن فلسطين، والى آخر المطاف تسليم زمام وراية الصراع المسلح إلى أكثر المنظمات تخلفاً وهي المنظمات الدينية حماس، جهاد، كتائب الأقصى ومن لف لفهم لتمارس العنف المسلح بأسوأ أشكاله "الإرهاب". ولا ننسى المقاومة المسلحة في جنوب السودان التي حولته من سلة خضار أفريقيا إلى خراب ينعق به الغربان. المقاومة المسلحة في شمال العراق أدت إلى ركود الاقتصاد الكردي وخراب البلاد واستعمال حكومة صدام الغازات السامة في حلبجة. أربعة عشر عاماً من الصراع المسلح ضد حكومة الجزائر من قبل المنظمات الأصولية أدى إلى أكثر من 150 ألف قتيل جزائري الأغلبية العظمى منهم كانوا مدنيين وعُزّل.

المقاومة المسلحة في العراق مهما كانت نزاهتها، أو شرعيتها سوف تجلب الكوارث للشعب العراقي بشكل خاص والمصائب للشرق الأوسط بشكل عام حكومات وشعوباً. وليعلم مروضين الإرهاب والصراع المسلح أن الخلاص من الظلم الداخلي والخارجي لا يُحَل بالكفاح المسلح لأن هذا الكفاح أثبت فشله في السابق حتى في خلال وفي ظل الصراع الدولي بين الكتلتين الروسية والغربية، فإذا كان هذا الصراع وقتذاك فاشل ... فكيف هو اليوم؟ يوجد اليوم سبل ووسائل سلمية، هذه الوسائل تشترك بها قوى محلية وعالمية، كما يحصل الآن في فلسطين من قبل فئات فلسطينية مسالمة مدعومة من قبل قوى إسرائيلية مسالمة بالإضافة إلى مجموعات من الدول الأوروبية تساند هذه القوى. والصراع السلمي كالإضرابات العمالية والعصيان المدني له أكثر فاعلية من الكلاشنكوف وتفجير النفس بمائة مرة.

احتلال العراق من قِبَل الولايات المتحدة والتواجد العسكري في الخليج العربي وتواجده في صحراء سيناء المصرية، الجيش الأمريكي قادر على الدخول والخروج متى يشاء وبدون إذن من حكومات الأردن والسعودية العربية واليمن. أصبح هذا التواجد أمراً واقعياً وبأغلب الظن أمر دائم ولا فرار منه. هذا التواجد حَّول مسار السياسة وقلبَ كل المعادلات العسكرية رأساً على عقب. هذا الوضع فشل صدام حسين وحزبه البعثي لإدراكه في التسعينيات حتى سقوطه في نيسان 2003 . وفشلت الشعوب العربية لإدراك واستيعاب المرحلة الراهنة ومستعطياتها وذلك بسبب التضليل الإعلامي العربي والديماغوجية الغوغاء التي تبعث بين الحين والآخر الآمال السخيفة والفارغة، لتوحي أن المقاومة المسلحة في العراق لها مستقبل زاهي وتحرري وما هو بالحقيقة إلى قتال عسكري محض بدون أهداف وبدون سياسة لأن ما وراءه إلى شراذم قبلية وعشائرية هدفها الأول والأخير هو الانتقام وغسل العار البدوي الجاهلي. وكما نرى فكلما قتل جندي أمريكي في العراق يعم العالم العربي ببهجة الانتصار وفرحة السكارى المبتذلة الغير دائمة.

التواجد الأمريكي اليوم في الشرق الأوسط باقٍ إذا قبلنا وجوده أو رفضناه، لا المقاومة المسلحة ولا حتى المقاومة السلمية قادرة على إخراجه، ومهما كانت المحاولات لإعادة الوضع على ما كانت عليه قبل حرب الخليج الأولى فهي سوف تبوء بالفشل لأن الولايات المتحدة ليس لديها مشروع جاهز للانسحاب عسكرياً لأن هذا يؤدي لتقويض نفوذها ليس فقط على الصعيد العربي بل أيضاً على الصعيد الدولي. المقاومة المسلحة ضد التواجد الأمريكي لن يؤدي إلى الانتصار على أقوى دولة في العالم ولن يفيد الشعوب العربية لا بالقريب ولا بالبعيد.

يجب أن لا نخاف من نهب خيرات بلادنا لأن هذه الخيرات بالأصل منهوبة وكل الفوائد التي أنتجها العالم العربي "من قبل" و "فيما بعد" ما يسمى بالاستقلال هي أصلاً موظفة ومحفوظة في البنوك الأوروبية والأمريكية 250 مليار دولار أودعتها الحكومات والبورجوازية العربية في البنوك الأمريكية وفوائد هذه المبالغ لا تعود للشعوب العربية على الإطلاق بل تبقى في أمريكا نفسها. إذن أننا نضحك على أنفسنا إذا ظننا أننا نقاوم أمريكا من أجل مصلحتنا ولإعادة ما هو لنا. هذا ما كنا نظنه عندما تخلص الشعب العربي من الاستعمار البريطاني والفرنسي من الأراضي العربية، بدلاً منهما جاءنا العساكر الديكتاتوريين والملوك والأمراء يحكموننا بالعصا والمَجلد وبالنار والحديد، وبدلاً من أن ينهضوا باقتصادنا وتحسين أحوال شعوبنا أفقروه واستغلوه ونهبوا خيراته ووظفوا ما نهبوه في هذه الدول التي نحن اليوم نبغضهم ونرفع السلاح في وجوههم.

الكفاح المسلح ليس له فائدة لشعوبنا العربية، ولن يؤدي للاستقلال الاقتصادي أو الاستقلال السياسي عن الدول الصناعية في الغرب. لأن الاقتصاد العالمي اصبح خاضعاً "للعولمة" وتحول العالم إلى ما نعرفه اليوم بالقرية العالمية أي أن البضائع التجارية يجب أن تتنقل بكل حرية، تباع وتشترى بدون عوائق وبدون حتى المحاولة لحماية الإنتاج المحلي هذا النمط التي أُملي على الكون من قبل "شركات تعدد الجنسية" والشركات "المملوكة من عدة دول" "والمركز التجاري العالمي" قابلَ ولا يزال يُقابل مقاومة عالمية من الدول الصناعية ومن الدول المتخلفة على السواء ولكن لا حياة لمن تنادي، سلطة السلعة وسلطة السوق الحرة هما أقوى من أي سلطة. وإذا لم نفهم هذه الديناميكة وهذه الظاهرة العالمية فان عالمنا العربي هو عالم متخلف وبحاجة ماسة لمن يقوده للتنوير، وربما أمريكا هي الوحيدة القادرة لفتح عيون شعوبنا الذي أصابهم العمى الديني\القومي الناتج عن التغني بانتصارات الماضي ماضي الدولتين الأموية والعباسية اللتين فتحتا العالم كدولتين اتسمتا بالصفة الإمبريالية "أي احتلال دول واغتصاب خيراتهم". لقد انتهى دورنا كمنورين والآن نحن بحاجة ماسة للتنوير.

لقد حكمنا الأتراك لمدة 400 سنة

قدموا لنا نمط الإنتاج الآسيوي

ولبسونا الطرابيش،

وحَكمنا الباشا والعُمدة،

خضعنا لهم كالدجاج لكل هذه السنين،

وتعلمت شعوبنا ما تعلمته

وتخلفت حسب المستطاع،

وفي النهاية زهقنا منهم

وتعاملنا مع الإنكليز للتخلص من الأتراك

وقاومناهم هنا وهناك

في هذه البلد أو ذاك

وفي النهاية استبدلنا الأغلال العثمانية

بأغلال إنكليزية متينة

انتهى دور الإنكليز

وجاء دور الاستقلال

حكمنا الملك والأمير

الديكتاتور والعسكر

وشخبوط ابن لخبوط

آل هذا وآل النهيان

آل هاشم وآل سعود

هذا الرئيس

ومن ثم ابنه

مات ابن صدام

حكم ابن الأسد (الضبع)

واليوم يجلس ابن الحاكم بالانتظار

وعلى جمر النار

ابن حسني وبن معمر،

كلهم خَلَـ َف الحَجاج،

والسلطْ المُنتظر

لقد جربنا كل الأنظمة الصالح والطالح منهم، واثبتوا انهم جميعهم بالهوى سوى، ولحد الآن لم نجرب الأمريكان، ربما، ربما قد يجلبون شيئاً متحضر لهذا العالم العربي الذي أنهكته الحروب ونخرت عظامه الأيديولوجيات الدينية، والتخلف الاجتماعي الخ.. ربما هناك أملٌ بالحضارة قد تجلبها البرجوازية الحقيقية "الأمريكان" إلى العالم العربي كما ذكر كارل ماركس:

"تجر البورجوازية إلى تيار الحضارة أشد الأمم همجية... وبها ترغم على الاستسلام أشد الهمج مراساً في عداء الأجانب. وتقود قسراً جميع الأمم، تحت طائلة الهلاك إلى تبني نمط إنتاج البورجوازية، وترغمها مهما أبت، على تبني النمط التي تسير عليه نفسها أو تخلق عالماً على صورتها" (البيان الشيوعي).

المقاومة المسلحة لن تجلب الحضارة إلى عالمنا المتخلف اقتصادياً واجتماعياً وفكرياً بل ستجلب الأهوال والمصائب، سوف تماطل وتمدد فترة العطاله العمالية وتعمم البؤس الاجتماعي لسنين طويلة، وتجبر علمائنا ومثقفينا للهروب إلى الدول الأوروبية وأيضاً تجبر برجوازيتنا الجبانة على توظيف وإيداع أموالها في البنوك اليهودية الأوروبية.

[email protected]