نشرت إيلاف في 21/7/2004 مقالا للسيد عبدالله جلولي بعنوان الفقه الشيعي والمصالح، وهتك حرمة أعظم مرجع للشيعة في تهجمه عليه وكأنّه يرشده إلى أحكام الدين وأنه جاهل بها، فيفهم من مقاله المبتور أنّ السيد السيستاني لا يفهم أبسط أمور أحكام الدين، وكان لزاما عليّ بعد قراءة المقال مع ضيق الوقت أن أردّه بمقالي هذا دفاعا عن الحق الذي نحن فيه وبطلان العروبيين في مدعاهم وفي نفس الموقع العزيز . وأنني قدمت قاعدة عامة في المقدمة لنحتكم عليها في قضايانا، ولأجل خروج السالف الذكر من المسموح به عند العقلاء فرددته طبقا للقاعدة التي هو يؤمن بها، وألزمته الحجة التي يحتج بها لنفسه، فدافعت عن مذهبي وعن الذي أرجع إليه في أحكامي الشرعية التي أقابل الله بها يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

أرشدنا الله تعالى لأمره في قرآنه المجيد بفوله سبحانه : إنما أعظكم أن تقوموا لله مثنى وفرادى وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل، إنّ الله نعمّـا يعظكم به.... وقال رسول الله (ص) : العدل أساس الملك.
الثقافة الأسلامية غنية بمفاهيم العدل والتقوى والخوف من الله وعدم مصادرة حقوق الآخرين وعدم الظلم سواء في القول أو العمل، وبيّـنـت جزاءه إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ، والجزاء المناسب نتيجة طبيعية لكل عمل . فحينما يقوم الأنسان بانجاز عمل ما من المهم جدا أن يكون ملمّـا بحيثيات ذلك العمل، أيّـا كان ذلك العمل، مادي أو معنوي، تربوي أو قضائي أو أيا كان نوعه، فلا يتمكن القاضي من الحكم على طرف ما من دون أن يستمع لطرفي القضية المدعي والمدعى عليه، وعلى إ ثباتات القضية أو منفيّاته، لأن البيّـنة للمدّعي واليمين على من أنكر، وترتفع عدالة القاضي بمجرد الأنحياز لأحد طرفي القضية على حساب الطرف الآخر نتيجة العلاقات العائلية أو لسبب الرشوة أو لشيء من القبيل، وبالنتيجة لا يكون حكمه عدلا، وفي ذلك حذّر الشارع المقدس القاضي من الأنزلاق تحت أي ظرف من الظروف، وإلاّ فاليتبوّء مقعده من النار.
ونفس القاعدة تثبت في جميع الحالات حينما يظهر الأنسان في بيان الحالات السياسية والأجتماعية والأقتصادية، فيلزم أن يكون القائم بذلك العمل ملمّا بأطراف الموضوع المطروح للنقاش ويتجرد المناقش للقضية من نوازعه الذاتية والتزاماته، ويسعى طرح تراكماته الذهنية السابقة على جانب، حتى يتمكن من السيطرة على شهواته ونزعاته ليكون حكمه موافقا للعقل ومطابقا للدليل، ولكي لا يبخس الناس حقوقهم ولا يضيّع مطاليبهم. لأنّه إذا كان دليل الأنسان ومراده هو الوصول الى الحق والحقيقة فلا يبتعد أبدا من إتباع الدليل والبيّنة ويحكم طبقها حتى لو كانت نتيجة الحكم عليه لا لصالحه، وإلاّ لو كان القائم بذلك العمل لا يلتفت إلى الموضوع من الطرف الآخر ولا يستمع أو لا يرغب بالأستماع إلى الرأي الآخر وأدلّته وبيّناته المثبة لمظلوميته فمن الطبيعي جدا ضياع حقوق الآخرين ويكون الحكم لصالح طرف من دون حق حتى لو كان ذلك الطرف الفائز فاقدا لجميع شروط إكتساب الحكم لصالحه، فتخرج النتيجة على عكس ما يثبته الدليل والبيّنـة.
فان الكاتب حينما يلزم قلمه للكتابة حول موضوع من المواضيع الحياتية ولا سيما إذا كان فيه دماء الناس وأموالهم وأعراضهم والتي تعتبر من أخطر مواضيع الحياة البشرية على مرّ الدهور والأيام من عمر البشر، فان الثقافة الأسلامية والفكر الأسلامي سواء في القرآن أو السنّة الشريفة قد أبدى إهتماما بالغ الأهمية واعتبر المقتول لأجل الدفاع والحماية عن هذه الأمور النفس والمال والعرض شهيدا بكل ما تحمل كلمة الشهيد المقدّسـة في الأسلام من معنى. وحقوق الآخرين من الأمور المقدّسة في الشرع الشريف أيّا كان ذلك الحقوق.
وإنّ السيد فلان لا يحق له بأيّ شكل من الأشكال إلقاء الشبهات على نوعية التفكير لدى أعظم مرجع من مراجع الشيعة آية العظمى السيد علي السيستاني أدا م الله عزه الشريف والذي عرف عنه مذ أن عرف إسمه في الساحة : الفهم الكامل لأحكام دين الله، والسلامة في الدين، والتقوى في العبادة، والسداد في الرأي، والشدّة في الموقف، والوضوح في الرؤية،، والقوة في الشخصية، والحكمة في التصرف، والوعي في التحليل، وخدمة الشعب كلّ الشعب بلا تمييز في الهدف، والصلابة في القرار، وحسن الخلق والاستقامة في العمل، والسير في هدي الرسالة والسلف الصالح الساعي لإحقاق الحق طبق ما أدّى إليه إجتهاده . وهل أنّ مثل هذا الأنسان الذي قضى عمره وهو يناهز قرابة السبعين اليوم لا يعرف الأحكام الأبتدائية في الأسلام، وفي نفس الوقت يأخذ منه الملايين أحكامهم الشرعية ؟

إنّ بعضا من مراجع الشيعة الذين ذكرتهم لم ولن يضربوا صفحا عن المعلوم من الدين بالضرورة، ولم يلزموا الصمت أمام المحتلّين لبلاد الرافدين، لأنّ أسيادك الذين تدافع عنهم هم سلّموا البلاد بطبق من ذهب إلى هؤلاء المحتلين، وفرّوا من ساحة المعركة بملايين الدولارات الى الأنفاق مع الجرذان وصاروا عارا لتأريخكم الأسود الملطخ بدماء الأبرياء من الذين ليس لهم ذنب إلاّ أن قالوا ربنا الله ثم استقاموا، فدفنتموهم في المقابر الجماعية في الصحاري والبراري، والالاف المؤلفة منهم قتلتموهم في السجون المظلمة بعد سنين طويلة أبقيتموهم فيها ونكلتموهم بشتّى أنواع التعذيب بجلاوزتكم الذين لايراعون إلاّ ولا ذمّة، وأسيادكم بعد كل هذا العار والشنار سلّموا أنفسهم طواعية لأسيادهم الذين أمّروهم وحكّموهم على رؤوس العباد .
نعم أنّ دماء الناس أغلى شيء في دين الله ولا يتمكن كل أحد أن يكون سببا لإراقة الدماء، وهل فكّرت جنابك الكريم الذي تحاول توجيه وإرشاد من هو أعلم منك ومن غيرك في إختصاصه حال البلد في أيام حكم أسيادك العار والشنار، البلد من أغنى بلاد الله في المعمورة أليس من الضرورة بمكان أن يعيش أهله بنوع من الرفاهية والرخاء والطمأنينة والأمن والأمان؟ أليس من المعقول جدا أن يكون التقدم العلمي في أرقى مستوياته وتنفق الثروات الموجودة في هذا السبيل؟ أليس من الأجحاف في حق البلد وأهله أن يدخل في حروب طاحنة لا ناقة له فيها ولا جمل غير إرضاء الأسياد وتطبيق الأوامر؟ أليس من الظلم أن يعيش الملايين من أبناء هذا البلد على قتات الغير ويحرموا من أبسط حقوقهم في بلدهم؟ أمن المعقول أن يذبح مفكروا وعلماء البلد من دون جرم أو ذنب بمجرد تهمة أو ظنة أو بدونهما، بمجرد إنتمائهم لمذهب ولفكر ما؟ ما أنزل الله بذلك من سلطان.

فالذي تحكم جنابك بكون حكم الطغاة البعثيين سوءا ندعو الله أن يذيقكم حكمهم لتعوا ما هم عليه، وإنّ فاقد الشيء لا يعطيه، والتأريخ خير شاهد على ذلك من عدم إستنكاف أتباع أهل البيت (عليهم السلام ) عن الآيات المحكمة في باب الجهاد وأبنائهم أوّل من وقفوا على وجه الأحتلال، وأنّ محافظاتكم البيضاء المسمّاة سابقا هم الذين سلّموا أنفسهم وسلّموا مفاتيح محافظاتهم طواعية للمحتل حين دخولهم إياها.

كبرت كلمة تخرج من فيك الفضفا ض حينما تدّعي أنّ قتل أطفال المدارس، وأفراد الشرطة، والناس الأبرياء الذين يجاهدون في سبيل تحصيل أرزاق عوائلهم، وتفجير أنابيب المياه، والنفط الذي في أمسّ الحاجة إليه أبناء البلد في هذا الوقت العصيب والذين يمرّون بالفقر والحاجة الشديدين من جرّاء السياسة النكراء لأسيادك الأوغاد الأدعياء، وسياسة ذبح الرؤوس وترك الأبدان بلاها، وتشويه سمعة الأسلام الحنيف، وتفجير دور العبادة والمساجد الذي يذكر فيها اسم الله..... تدّعـي كل ذلك جهادا وكلمة الجهاد منه بريئة، وهم هم الذين يقومون بكل تلك السيئات بأسم الأسلام العزيز الذي كرّم البشر واعتبرها خليفة الله في أرضه، واعتبر المؤمن منهم أعزّ من الكعبة الذي يطوف حوله البشر عبادة لله، هم نفسهم هؤلاء الأدعياء كانوا بالأمس يقاتلون تحت عنوان أنّ حكامهم خارجون من الدين واليوم يستسلمون لهم بعنوان أنّ نفس الحكام إنقلبوا وصاروا أولياء الأمور وتجب طاعتهم.
فبقلمك هذا قد اشتريت بسخط الخالق لأنّك وضعت دماء الملايين وحقوقهم تحت قدميك بفكرك الظالّ والمضلّ .
ولماذا لم نسمع مثل هذه الأصوات الشاذّة بالدفاع عن الأمة والدين حينما أفتى من ترجعون إليه في أخذ أحكامكم خلاف ما أنزل الله في قضية الحجاب في فرنسا؟ ولماذا لم تلوموه في فتواه المخالفة لأبسط قواعد الدين الحنيف؟ ولماذا لم تقفوا ضدّه حينما يستقبل اليهود وسفراء المحتلين مع أنّه لم يستقبل من نرجع إليه في أحكامنا شخصا واحدا منهم كما سيأتي بيانه لا حقا. وهل معنى ذلك كله: أنّ باؤكم يجرّ وباؤنا لا يجرّ. وإنّ الأقلام المهتوكة والأفكار السقيمة لاتتمكن من زرع الشقاق والنفاق بين أتباع أهل بيت النبوّة وموضع الرسالة الذين أخذوا أحكامهم من ينبوع الرسالة المحمدية والدوحة العلوية.

وأسرد لك نقاطا وفي الأخير كلمة وهمسة للآذان أتمنى أن يسمعها أهلها جيدا:

أولا : ما هو مطروح اليوم في الواقع هو مناقشة جادة للفكر الذي يتستر وراء أطروحات تراثية وإن أقوى عناصر المسلم المتخلف الذي نادى طيلة القرون التي مضت من عمر الأسلام وآمن بمقولة (( صلّـوا خلف كل فاسق وفاجر )) أو المقولة المشهورة (( أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم إهتديتم )) هي أضعف نقاطه، وهو يعني ذلك الخط الرفيع بين التسلط على رقاب الناس بأسم الدين بأي وسيلة كانت ولو على حساب المنع عن العلم و العمل والايمان بالتطور وتوسيع المعقول من المنقول، وبين توسيع ظواهر الخرافة ولوم الآخر، والاعتداء على الخلق، وسفك الدماء دون تمييز، ودون أجندة عقلائية، كل ذلك تحت مظلة الدين وهو من أعمالهم براء، كما قرأناها تأريخيا وإمارة طالبان خير شاهد في عصرنا الذي نعيشه، فلا يستوي الدين الذي يحض على العلم وينبذ الجهل مع دعاوى جاهلية للقتل و التخريب وذبح الأبرياء الذين لا حول لهم ولا قوة، يقوم بها التكفيريون، وينفذها القتّـالون المنتهكون لحرمات الله .

وثانيا : نظرية الأستيلاء على الحكم والتحكم على رقاب الناس بالحديد والنار والصعود على الجماجم والأنهار من دماء الأبرياء، لايتمكن الفقيه المجتهد الوقوف مشدود اليدين أمام كل هذه الأنحرافات من الحاكم بعنوان أنه مجرد مسلم والأسلام بريء منه، لأن كل الأفعال التي قام بها في حين تسلطه وتحكمه على رقاب الناس بالحديد والنار كان مخالفا للقرآن والسنة الشريفة ولأبسط أحكام الأسلام.
وثالثا : أن العدالة وتطبيقها لايتوقف على كون الحاكم مسلما أو غير ذلك، لربّ حاكم لايؤمن بالأسلام وهو ينظر الى شعبه وأمته بعين العدل والمساواة ويطبق العدالة بينهم من دون تمييز عرقي أو طائفي بين أفراد أمته ومن يحكمهم، ولا يستعمل سياسة الحديد والنار في حقهم، ولا يستعمل القتل بمجرد الظن والشبهة بحق من يشتبه في حقه السوء .

ورابعا : أن الله تعالى ربما يهيء كافرا وظالما أشد من الظالم السابق للأنتقام منه ولدماء الأبرياء التي سالت بيديه، فيسلطه الله عليه، كما ورد في الأثر الشريف : الظالم سيفي أنتقم به ثم أنتقم منه.

وخامسا : أين كنتم حينما كان الظالم يسوق شعبه من حرب الى حرب ومن دمار الى دمار يقتل بمجرد الشبهة والظن، وتلك المقابر الجماعية والمثارم البشرية وضحايا القنابل الكيمياوية ومئات الألوف من الأرامل والأيتام، والتمييز الطائفي بين أبناء البلد الواحد، حتى في القضايا العمرانية والصناعية والأمتيازات العلمية، حتى صار أبناء الطائفة الشيعية بالملايين يفتقرون الى القراءة والكتابة وترى أبناء الطائفة السنية أكثرهم حاملي الشهادات العليا من الجامعات العالمية الكبرى، أليس كل ذلك منكم الكيل بمكيالين ؟
ولماذا لا تلومون أبناء الطائفة السنية وعلمائها حينما غزى الكافرالبريطاني العراق وتحالف أبناء جلدتك معهم وتسلّموا السلطة مدة ثمانية عقود بالقتل والتدمير للعراق وأهله، وحتى في إحتلال أمريكا للعراق أبناء أية طائفة وقفت أمام الجيش الزاحف؟ وأي المحافظات إستسلمت من دون أية مقاومة تذكر؟، بل إستسلموا الى الجيش المحتل بالمساومات السياسية مقابل عدم حماية المحتل للمجرمين من إنتقام الضحايا وعشائرهم وأبنائهم منهم .

سادسا : المرجعية التي تلومها لموقفها المبدئي الرافض لوجود المحتل والناظر لمصالح شعبه وأبناء أمته الذي يراهم أنهم بحاجة إلى أبسط وسائل العيش للبقاء في الحياة، فكيف تطلب منهم مقاومة المحتل والشعب لايملك أبسط مقومات الحياة ؟، وفي نفس الوقت هذا الشعب : المطلوب منه تقديم الضحايا تلو الضحايا يرى جثث أبنائه تخرج واحدة تلو الأخرى من المقابر الجماعية وأنهم دفنوا بثيابهم التي كانوا يلبسونها بعد مضي سنين طوال على مكثهم في السجون والمعتقلات .

سابعا: وهل إستقبلت تلك المرجعية التي تلومها أحدا من قيادة وأفراد المحتل مع محاولاتهم المتكررة التي بائت بالفشل كلها وبأعتراف من المحتل نفسه، على عكس من تنادي لنصرتهم لقد باتوا على أبواب المحتل ليقبل مقابلتهم ويعطيهم الوقت للقائهم وهم بين فاتك لأفراد الشعب ومنتقم لقيادته التي نذرت نفسها لخدمة هذا الشعب المظلوم، وقومك الذين تلطّخت أيديهم بدماء الأبرياء بدأوا يستعملون أسوء العمليات للقتل حتى وصل الأمر بهم تفجير مقرات وأماكن يذكر فيها اسم الله والناس يخرجون من صلاة الجمعة وقتل العلماء والمؤمنين على مستوى القيادة الدينية والروحية للمؤمنين.
الله الله في تزوير الحقائق والتأريخ، الله الله في قتل النفوس البريئة، الله الله في التحكم على رقاب الناس بالحديد والنار، الله الله في العدالة المفقودة بين الحاكم والمحكوم، الله الله في الظلم التي جبلتم عليها في دينكم ودنياكم.
أي ضمير ننادي والله هو الحكم العدل بيننا يوم يقوم الأشها د
وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون

ألا لوأسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي

وهمسة لأذنك ولأذن كل العروبيين قولة تأريخية للأمام الحسين عليه السلام وهو كأنما يقف أمامكم وأنتم في جيش يزيد بن معاوية ومتهيأنين لقتاله وقطع رأسه الشريف من بدنه المبارك وسحق جثته المقطّعة بحوافر الخيول: وهو يناديكم ويقول :

أيها الناس إن لم يكن لكم دين وكنتم عربا كما تزعمون، فكونوا أحرار في دنياكم . والناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم وإذا محّصوا بالبلاء قلّ الديّانون.