عندما كتب للحرب اللبنانية النهاية، اتفقت جميع الاطراف على ان يبقى حزب الله دون نزع سلاحه في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان وتحت دعم الدولة اللبنانية، وبتزويد الحزب بشريانان للامداد المادي والعسكري والاعلامي نابعان من ايران وسوريا. وقد برع حزب الله في مقارعة اسرائيل واحسن التخطيط والمواجهة اذ اقتصرت على الاراضي اللبنانية. بعد ان كان حزب الله مجرد منظمة مغمورة ارهابية تخطف وتغتال وتستخدم السلاح في مواجهة بقية الاحزاب اللبنانية الاخرى. انسحب الجيش الاسرائيلي من الجنوب اللبناني الى مزارع شبعا المختلف بشانها لبنانيا وسوريا في احقية التملك، لم يعد بعد هذا التاريخ لحزب الله اي افق عسكري تحريري يمكنه من الاستمرارية وبدأ نجمه بالافول تدريجيا، ولم يتبقى للحزب سوى بصيص من الافق السياسي، وهو الافق الذي لايبرع فيه مجموع احزاب التيار الديني (الاسلام السياسي) وبالتالي التحليل السياسي ينبئ بأن الحزب سيعود الى بعض سلوك وممارسات الماضي لكي يحفظ بقاء اطول، معتمدا على سياسة هيجان (الشعارات) وممارسة حمل السلاح ضد اطراف داخلية لبنانية وخارجية. ان (مسيرة الاكفان) التي دعى اليها زعيم الحزب حسن نصر الله في ضاحية بيروت الجنوبية والتي تسمى غمزا بين اللبنانيين (جمهورية الضاحية الاسلامية) كانت الرسالة التي وجهت ليس الى الداخل اللبناني فحسب وانما لاطراف عربية ايضا، ظهرت اثارها وابعادها سواء على المشهد العراقي في حركة (الغلام المشاغب) مقتدى الصدر واتباعه او في تمرد الحوثي و(شبابه المؤمن) الذين رفعوا راية حزب الله كبديل عن العلم اليمني وعاثوا في الارض فساد، والذين كرسوا لمنطوق شعار غير يمني مصدره ايران وحزب الله الشيعي (الموت لامريكا.. الموت لاسرائيل.. النصر للاسلام) والذي نسمعه عقب صلاة كل جمعة في مساجد جمهورية ايران منذ قيام الثورة الاسلامية عام 1979 او المساجد الشيعية المسيسة في بعض الدول العربية ومنها لبنان. وحاضرا يراد للمجتمع اليمني ان ينجر وراء هذا المنطوق (الشيعي) الضيق والذي يسلب المسجد قدسيته ويقحمه في افون السياسة وتجاذب التطرف والصراع. يعتقد الحوثي ان ذلك من حرية الرأي السلمي، ولانفهم كيف تسنى له الجمع بين مفهومي الموت والسلم وكذلك الدعوة الى كراهية الاخر على اطلاقها، وتأجيج صغار السن المغرر بهم تحت الاندفاع العاطفي والنابع من حمية لاتعتمد على منطق او رؤية سياسية ثاقبة، تقدر للظروف بقدرها، وتحرص على المصلحة الوطنية العليا، مع دفع (100) دولار امريكي لكل رأس مغرر بها (ثقل حملها) لترديد شعار (الموت) في كل يوم الجمعة، حتى آل بها المطاف الى قطافها في مواجهات صعدة وجبال مران.. من المستفيد من ذلك!؟ ومن الممول!؟. كلنا لايزال يتذكر بداية نشأة الجمهورية الاسلامية الايرانية وممارسة (تصدير الثورة الخمينية) للمنطقة والدخول في الحساسيات مع دول الجوار وبعض الدول العربية بسبب ممارسات بعض اعضاء السلك الدوبلوماسي الايراني في ذلك الوقت في سفارات ايران وخروجهم عن الاعراف الدولية الدوبلوماسية بتوزيعهم منشورات الثورة الاسلامية محرضة لشعوب المنطقة ضد حكوماتهم وتحت نفس المنطوق وشعار الموت لامريكا المسيس. ولكن بفضل او بسبب الدفاع عن (بوابة العرب الشرقية) قامت الحرب العراقية الايرانية تجاه مد الثورة، والتي قلصت كثيرا من المد الايراني وكفت ممارسة العداوات ونشر الافكار المتطرفة بالطرق المباشرة على الاقل. واقتصرت فقط على الطرق غير المباشرة، وكذلك من خلال بعض اذرعها الممتدة في الخليج ولبنان بتمرير الايديولوجيا الاسلامية (شيعنة) المنطقة، وقد يلحظ المراقب جليا مخلفات تحرير الجنوب اللبناني ليؤكد ان (الايرنة) قائمة علانية في لبنان على قدم وساق. من المؤسف ان تعمد بعض اطراف المعارضة اليمنية واحزابها السياسية الى دعم الحوثي وافكاره الارهابية بدلا من ان تقف في صف وطني موحد تجاه هذه الموجة العقيدية القابلة للدحر والانكسار كونها خارج وعي وثقافة المجتمع اليمني والذي كان قد سبق وابتلى بمجموعة افكار متطرفة جهادية والتي قدمت من دولة مصر الشقيقة بعد مقتل الرئيس الراحل انور السادات منذ الثمانينات بسبب فرار اصحاب هذا الفكر المنحرف وتوجههم الى بقاع متفرقة كان اهمهما اليمن كونها كانت توفر المناخ الملائم لمثل هذه الجماعات القابلة للتفريخ وتبنة هذه الافكار بعض الرموز اليمنية الحزبية الدينية. والان تهب على اليمن ريح افكار التشدد مرة اخرى ولكن من الفلك الشيعي من نفس تلك العملة من جهة الصورة الاخرى. ان انجرار اتباع الحوثي القلة مرده الى استغلال حالة الفقر والعوز في المجتمع اليمني المتفاقم والذي تتحمل الحكومة كامل المسؤلية تجاهه، كما تتحمل الحكومة ايضا مسؤلية السكوت على مسلك الحوثى والذي علا صوته النشاز منذ العام 1997، حيث لم تحسم الدولة الموقف وقتها بالحديد والنار منذ الوهلة الاولى لترسيخ مفهوم دولة القانون، وارسال رسالة لجميع المتطرفين تبين الجدية والصرامة في عدم التهاون وعدم خلخلة اللحمة الوطنية اليمنية ووحدة البلاد. ان المعارك المستمرة وشراستها تبين مدى قوة تمويل وقدرة هؤلاء المتمردون على الدولة والقانون، بان الامور ليست عرضية او مصادفة بل مبيت ومخطط لها وباصابع خارجية. ان تمادي كثير من الجماعات المسلحة وكذلك المتنفذين في البلاد واسراعهم في استخدام لغة السلاح والقوة، مرجعه هو ان تلك الجماعات والافراد المتنفذة، تعتقد رسوخا، ان الدولة بعد (القارح) الاول والطلقة الثانية سوف تهرول لهثا الى التفاوض وتقديم الجيهان والوساطات لحل الازمة وبعدها (عفى الله عما سلف كسابقاتها) مما اصبح مثل هذا السلوك متماديا نافذا الى حد كبير في المجتمع اليمني، مجتمع القبيلة والسلاح ورخو القانون. والواقع خير شاهد على مثل هذه الاحداث وكثرة اخلالاتها الامنية المتكررة والمنتشرة. لم يعد هناك ثقة جماهيرية في الاحزاب السياسية على الساحة اليمنية سواء كانت احزاب معارضة او حاكمة او مشاركة في الحكم، اذ اهلكتها فيض المماحكات السياسية والدسائس الحزبية على حساب المصلحة الوطنية العليا. كما ان في غالبها احزاب تلوثت بالصراعات المسلحة وسفك الدماء منذ نشأتها. لقد اثقلها الترهل والاختناق السياسي، واصبحت احزاب عديمة الجدوى والمنفعة، ببرامج عفى عليها الزمن، ورؤساء احزاب شاخوا على سدة مقدمة كراسي الصف الاول، مكتفين بالمنظرة الاجتماعية واضافوا على ذواتهم لقب المشيخة، جارين حولهم فلول من الحماية مسلحة. ان المجتمع اليمني بحاجة الى احزاب نظيفة جديدة بدماء شابة، ذات عقليات متفتحة تدعم ببرامج تواكب العصر ومتطلباته ومتغيراته. ولايستبعد ان نعبر نحن الجيل الجديد، جيل مابعد الثورة اليمنية 26 (سبتمبر) 1962، وحرب نكسة (يونيو) 1967، بأنشاء حزب جديد (ليبرالي ديموقراطي) اُممي المنطلق، يحظى ببرامج تتوافق مع مجموع القيم الانسانية العالمية، ومطعم بعناصر من التكنوقراط الفاعل، يكرس ثقافة حقوق الانسان والديموقراطية كسلوك يبتدء بها من داخل الحزب، ساعيا الى اٍرساء دولة القانون على الارض اليمنية، هادفا الى تحسين نوعية التعليم ودعم البحث العلمي، ويضع في توجهه تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية، فضلا عن السعي لتحسين وضع ودخل المواطن اليمني بفتح امامه الفرص، وخلق الظروف الاقتصادية على اساس استغلال موارد البلاد في الطريق الصحيح ومحاربة الفساد المالي والاداري المستشري في البلاد منذ زمن طويل، اذ اضحى الفساد امرا غير مذموم بل يكاد يكون مقنن. وعلى سبيل المثال لا الحصر، يتجلى الفساد المقنن في تقديم الحماية للمستثمر الاجنبي من قبل جهات متنفذة وامبراطوريات مالية، كبديل عن دور الدولة الفعلي، اذ تصف هذه الظاهرة الحالة الواقعية لمدى ضعف الدولة في التقصير لتلبية الحاجة الامنية والحماية للموارد والاستثمار المنوط ضمن مسؤلية مهام دولة القانون وهيبة الدولة!!.


[email protected]
باحث اكاديمي