كنا ومازلنا نتفرج على التهريج الذي حدث وما زال يحدث في الجزائر منذ أوائل التسعينات وقـد كنا قبل ذلك، ومعه، نتفرج على التهريج الذي كان يحدث في أفغانستان. والآن نتفرج على التهريج الذي يحدث في العراق.
وما حدث في الرياض، والدار البيضاء، وموسكو، وبالي وأنتشر في الكثير من بقاع العالم ما هو إلا امتداد لهــذه السلسلة من التهريج، الذي أدمناه، ومازلنا ندمنه، وسنظل ندمنه حتى يسكت الشخصان المتسببان فيه.هؤلاء هما رجل القومية العربية الفاعل، ورجل الدين الفاعل (رجل الإسلام السياسي ). كان الأول قــد حول السياسة إلى تهريج، وجاء الثاني ليختطف الدين ويحوله إلى اجندة تهريجية تخصه هـو وحده ولا علاقة للمسلمين بها. والآن هما معا، وبعد أن ركب الأول موجة الثاني وصار دعما وسندا له، بل صار خادما في بلاطه، هما معا يحولان الدين والسياسة، معا، إلي تهريج.
سكتنا عليهما كثيرا، خوفا، وجبنا، وحرجا، سكتنا عليهما، وتركنا لهــما الساحة خالية ليسرحوا، ويمرحوا فيها، فما كان من الأول إلا وقادنا إلى هزائم متلاحقة كانت كلها تـُحـَّول إلى انتصارات لنصدقها بعقولنا المغسولة، ونسكت عـليها بأفواهـنا المكممة. كان هذا ثمنا لإنجازات بسيطة ضـُخـِمت ونـُـفخ فيها حتى صدقنا بأنه ليس في الإمكان أبدع من ذلك، وسكتنا عليه،لكي يـُنـصـِّب نفسه وطنا فقادنا إلى معادة نصف العالم. ثم جاء الثاني ليـُنصِّب نفسه محتكرا أوحد للدين،فقطع الألسن التي كانت مكممة وألغى العقول التي كانت مغسولة، فكان أن قادنا ـ والأول في سرجه ـ إلى معاداة كل العالم، بعد أن أوهمونا بأنه فاسد ونحن رُسل العناية لإصلاحه،بل قادونا حتى إلى معاداة أنفسنا وكل الحياة. فعلوا كل ذلك بلا تأهيل ولا حيثيات ولا آليات، بل كان كل تأهــيلهـم خطبا بكماء، صماء، مكرورة، حفظها حتى الأطفال، ونصوصا منتقاة أجادوا توظيفها لخدمة اجندتهم مستغلين في ذلك جهلنا واميتنا من ناحية، ومن ناحية أخرى عاطفتنا الجياشة( الساذجة) تجاه الدين. كان حصانهم الذي امتطوه في كثير من الأحيان هو قضية الشعب الفلسطيني المظلوم،والذي لم يزدد على أيديهم إلا ظلما وقهرا وتدميرا، ولو لم يحولوا تلك القضية لأجندتهم الخاصة لكان العالم قـد تكالب، وتدافع، لرفع هذا الكابوس من على كاهل هذا الشعب المغلوب على أمره والذي تعتبر قضيته أوضح وأعدل قضية عرفها التاريخ، وعذابا ته ومعاناته يراها كل العالم كل يوم.
بعد كل هذا السكوت (الحرج،الخائف،الجبان) هــل هـو أمر غريب أن تكون هتافيتناــ تحت قيادة هؤلاء ــ خارج نطاق الزمان والمكان؟ وهـل هــو غريب أن يكون زعماؤنا، وقادتنا، ــ الذين يتحرك شارعـنا ليلهج باسمهم ويهــتف لهم ــ هل غريب أن يكونوا هم اؤلئك الذين يسكنون الأحراش والكهوف والحـُفر؟
واخيرا هـل تواتينا الشجاعة للوقوف في وجههم لإنهاء هـذا التهريج؟ أم سيستمر الخوف والحرج حتى يأتوا على اليابس بعد أن قضوا على الأخضر.