د. سحر محمد حاتم
عندما تسير مواكبنا الهادرة في العالم الإسلامي هاتفة لأشخص كأسامة بن لادن، أو الزقاوي أو مقتدى الصدر، وداعية لهم بالنصر بل ومؤكدة نصرهم لا محالة على الكفار، فإننا بذلك نعبر عن ثقافة فعلية، وهي ثقافة جمعية غرسها في رؤوسنا من اختطفوا الإسلام في خلال العقدين أو الثلاثة عقود السابقة من جماعات الإسلام السياسي. فكل واحد منا دخل المدرسة وهو صغير برمجت عقليته على إن المسلم هو الكل في الكل. غرس في رؤوسنا الصغيرة بأنه صاحب الحق بغض النظر عن القضية والمنتصر حتى ولو كان سلاحه قطعة خشب مقابل دبابة لانه هو الحق وغيره الباطل، والحق لابد أن يسود. غرس في رؤوسنا بأن القيم والمثل الحميدة خاصة بنا فقط ولا توجد لدى الآخرين.
علمونا ان كل غير مسلم عدو لنا، ومتربص بنا، ويسعى إلى تدميرنا، وان الغرب يعني الانحلال والتفسخ والبعد عن الدين، وانعدام القيم بل هو الجاهلية بعينها.
من أفلت من هـذه البرمجة في المدرسة وجدها في المسجد أو أجهزة الإعلام بعـد ان صارت لنا أجهزة إعلام، أو وجدها في وعظ الواعظين الذين ينتظرونه في كل ركن.ترعرعنا بهذه العقلية التي جعلت مَنْ خرج منا وتعامل مع الآخرين يقول بعد عودته انه وجد هناك إسلاما ولم يجد مسلمين، وذلك فقط لانه وجد لدى القوم من القيم ما سره، لكنه استكثرها عليهم فقط لانهم غير مسلمين. صارت مقولته مثلا نـلوكه عبر السنين. هذه هي الثقافة التي جعلت من كل واحد فينا يعتـقد واهما، بأنه مؤهل لتـقرير مصير الكون.
صرنا مجتمعا كامل الخضوع لرجل الدين أو من يتحدث باسمه. بهـذه العقلية ماذا كان بإمكاننا ان نفعل تجاه من قال بأن الإسلام هو الحل دون ان يحدد حلا.. لماذا؟ وكيف؟ هل كان يمكن ان نحاجه في مؤهلاته وهي: انه أطال اللحية وقصر الجلباب وحمل المصحف الشريف ورسم( التكشيرة ) على وجهه؟.
ماذا كان بإمكاننا غير ان نكبر ونهلل، ومن لم يعجبه ذلك ان يسكت وينزوي خوفا أو حرجا، لكن إذا وجد من كان عقله ما زال بصحبته وتجرأ باستخدامه يكون مصيره (فرقة تجتمع تطلق زوجته ان كان محظوظا أو تستحل دمه ان كان بائسا)، أو فرقة أخرى تصل إلى القرار الثاني وتـُنفذه مباشرة كما كان الحال مع الدكتور فرج فودة الذي وقف في زمنه وحيدا ونحن نتفرج خوفا أو حرجا، فقدنا العقل واصبحت العاطفة هي التي تحركنا. صرنا نلجأ إلى رجل الدين ليفتي لنا في الطب والهندسة والغيب والفلك وكل علوم الحياة وشؤونها، لذا كانت الحياة تتطور ونحن قابعون في انتظار رأي رجل الدين ليحدد لنا المسار.
أصبحنا نعيش حياة وهـمية في رؤوسنا فقط وواقع الحياة الفعلية حولنا يختلف تمام الاختلاف. وهذا هو الانفصام الذي اخرج أسامة بن لادن وامثاله. فطالما الواقع يخالف ما في عقله فليخرج مجاهدا، قاتلا أو مقتولا لا يهم، ففي الحالتين هو الفائز فإن كان قاتلا فقد أدى دوره وهزم الكفر!! وتلك هي رسالته التي عُبأ بها، وان كان مقتولا فهي الشهادة والجنة بعدها وفي انتظاره الحور العين.
إننا جميعا نوجه الأنظار لابن لادن وامثاله وهم الفئة التي صدقت ما سمعت وعملت به، لكننا وحتى الآن لم ننظر إلى ما هو اخطر من ذلك، واقصد أولئك الذين يملئون الرؤوس وما زالوا بنفس هذا الخطاب في المدارس والمساجد وأجهزة الإعلام، الذين يطلقون القول بلا تحفظ وبدون التفات لنتائج ما يقولون أو ان يعرفوا ان كل ما يقال في هذا العصر يسمعه كل العالم.
وماذا يهمهم وكل منهم يعتبر نفسه من حملة التفويض الإلهي. وما هي النتيجة؟ شوهنا حياتنا التي أصلا كانت مشوهة، وشوهنا ديننا السمح بعـد ان وصلنا إلى هذا الوضع المزري الذي اصبح فيه رموز ديننا هم أمثال بن لادن والزرقاوي والصدر وامثالهم من الذين يذبحون الذبيحة، أو القرضاوي والترابي وهيئة علماء المسلمين وامثالهم من الذين يـُجهزون تلك الذبيحة، أو عبد الباري عطوان وامثاله ( من جوقة القومجية والاسلامجية) من الذين يصفقون لذلك الذبح. بكل هذا شوهنا ديننا وجعلناه في مواجهة مع العالم.
وما هو الحل؟ الحل هو ان ننتزع الدين من هؤلاء لنضعه في مكانه الصحيح ليؤدي دوره المناط به بعيدا عن تسييس وتضليل وغوغائية هؤلاء، وإلا سوف يقودنا هؤلاء إلى غرق السفينة الذي تظهر بوادره الآن.
تعقيبا على مقال نبيل شرف الدين: اعترافات سبتمبرية.. حين أصبحنا أشرار العالم
التعليقات