أحتفل العالم باليوم العالمي للقضاء علي التمييز العنصري، ولكن من المضحك أن يحتفل العالم العربي بهذا اليوم وامتلأت الصحافة العربية بكم هائل من الأكاذيب على أن العرب هم أول من حاربوا التمييز العنصري. ويبدو أن العرب يعتقدون أن محاربة التمييز لا تعنى شيئاً أخر إلا محو الآخر الثقافي والسياسي والديني ولا تكون هناك أية فروق بمعنى لا تكون هناك أية ثقافة أو حضارة أو لغة أو دين أخر غير الثقافة العربية والإسلام. وبهذا يفخر العرب بأنهم ضد كل أنواع التمييز. لأن محو الأخر قد تم عبر السنين الطويلة منذ أن خرج البدو العرب من الجزيرة العربية تحت لواء الإسلام وفرضوا طواعية أو بالقهر المادي والنفسي والعسكري محو كل ما هو غير عربي أو إسلامي.
فمن ينظر إلي خريطة الشرق الأوسط قبل الإسلام، لابد له أن يسأل نفسه اليوم : أين الثقافات والحضارات والعرقيات واللغات التي كانت موجودة عند غزو العرب المسلمين هذه الدول ؟
ونريد أن نذكر السادة القراء أن في العصور الأولي لغزو العرب المسلمين لمصر اصدر أحد الولاة أمراً بقتل كل مصري يتكلم القبطية، هذا بالإضافة لطرد الأقباط الذين لا يتكلمون العربية من أعمالهم. هذه حقائق موثقة تاريخياً مهما حاول بعض المؤرخين العرب والمسلمين إنكارها أو إخفائها لأنها تمثل وصمة عار في تاريخ الغزو العربي الإسلامي لمصر، هذا بخلاف ما فعلوه مع الشعوب الأخرى في الدول التي قاموا بغزوها بهدف نشر الدين الإسلامي.
من العجب أن يتباهى العرب بأنهم أول الشعوب الذين حاربوا التمييز وفي نفس الوقت يقول لهم القرآن "أنهم خير أمة أخرجت للناس" ؟ أليس هذا في حد ذاته تمييز مقنن للتمييز العنصري والعرقي والديني ؟
فأن كان العالم يعرف عجائب الدنيا السبع، فلابد لنا أن نضيف الأعجوبة الثامنة التي ليس لها مثيل، وهو أعجوبة العالم العربي بما فيه من تناقض في الأقوال والتصرفات، بل لا نبالغ إذا قلنا الانفصام في الشخصية العربية بصورة واضحة. فنجد أن السيد سامح كريم في مقالته عن "المنظمة العربية لمناهضة التمييز.. الحلم الذي أصبح حقيقة " في جريدة الأهرام القاهرية بتاريخ 23 مارس 2005 :
أن المنظمة العربية لمناهضة التمييز بمصر دورها ينحصر في محاربة ما يسميه الكاتب الحملات التي تقودها المنظمات الإسرائيلية والخاصة "بأكذوبة عداء العرب للسامية" ومواجهة الحملات "الظالمة ضد العرب" في العالم الغربي، بالإضافة إلي النضال ضد "مختلف صور التمييز ضد المهاجرين والمواطنين العرب في بلاد الهجرة الحديثة".
أما ما يخص التمييز العنصري والثقافي والديني في المنطقة العربية والواضح كالشمس والمقنن في الدساتير العربية، فلا يقول شيئاً. فهو يرى فقط ما يتعرض له العرب والمسلمين في الدول الغربية وأمريكا ويقع في ما يسمى بعقدة " الاضطهاد" ويحاول استغلالها ليشغل الرأي العام بمشاكل خارجية وذلك بإيحاء من الدولة، ليبين للقراء أن الدولة تدافع عن مصالح العرب والمسلمين في العالم أجمع، أما ما يخص الغير فهو لا يستحق حتى الإشارة له ولو من بعيد. فبالنسبة لهم التمييز واضطهاد الغير ومحو شخصيته شئ طبيعي، فهم خير أمة أخرجت للناس، وأما باقي الشعوب فليس لهم وجود أصلاً أو اعتبار وبالتالي فلا يوجد تمييز يجب مناهضته أصلاً.
لم يقل لنا الكاتب بأمانة لماذا يتعرض العرب والمسلمين لمثل هذه المشاكل اليوم في الغرب وأمريكا ؟ يتجاهل الكاتب أيضاً ما يفعله الغرب وأمريكا من حريات أعطيت بلا حساب للعرب والمسلمين في بناء المساجد والمراكز الإسلامية ؟ وماذا كانت النتيجة ورد الجميل من العرب والمسلمين تجاه هذه الدولة ؟ إلا أن العرب والمسلمين المهاجرين حولوا هذه المساجد والمراكز الإسلامية لأوكار للإرهاب والتخطيط لقتل وترويع وتدمير البلاد التي احتضنتهم وأعطتهم الأمان والحرية اللذين افتقدوهم في بلادهم الأصلية وهذا القول على لسان مسلمي المهجر ؟
فليقل لنا الكاتب إن كان لديه قليل من الضمير ماذا يعرف عن ما يفعله العرب والمسلمين من سوء استعمال للحرية والديمقراطية الغربية ؟
وكلمتنا الأخيرة في التعليق على هذه المقالة أن هذه المنظمات ما هي إلا منظمات إسلامية عربية وهابية مسجلة تحت أسماء وهمية مدنية حتى تستطيع العمل والدفاع عن الإرهابيين الوهابيين بحجة مناهضة التمييز والعنصرية وما إلي ذلك من عنوانين للخداع وتضليل الغرب.
فليقولوا لنا قبل أن يطالبوا الآخرين بحقوقهم ماذا فعلوا حتى الآن بالنسبة لحقوق مواطنيهم غير المسلمين، وليسوا مهاجرين، الذين يذوقون الآمرين ويقومون بإذلالهم لممارسة أبسط حقوقهم الإنسانية ؟ هل قاموا بحملة حتى يسترد هؤلاء المواطنين الغير مسلمين حق ممارسة لغتهم وثقافتهم وعقيدتهم بحرية كاملة ؟ أن الواقع يظهر غير ذلك. ولكن كما تعودنا على النفاق العربي وطريقته المعروفة وهو أنه في نفس الوقت الذي يدوس ويمحى الأخر يصرخ بصوت عالي يطالب بحقوقه المهضومة (وهي في الواقع غير مهضومة، بل في الواقع يأخذ أكثر من حقه) في البلاد التي استقبلته رافعاً عالياً راية حقوق الإنسان الذي يهضمه في بلده الأصلي.
كفاية كذب.... كفاية تضليل.... أعطوا مواطنيكم غير المسلمين حقوقهم ثم طالبوا بحقوقكم لدي الغير الغربي الكافر !
دكتور وحيد حسب الله باحث بمرصد الأديان بجامعة لوزان بسويسرا
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات