حيدر بن عبدالرضا من: مسقط

يشير تقرير الاستثمار الدولي 2004م الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الانكتاد) إلى أن إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى سلطنة عمان سجل زيادة ملحوظة في عام 2003م حيث بلغ 138 مليون دولار أمريكي مقابل 23 مليون دولار في عام 2002م و83 مليون دولار في عام 2001م ، وبذلك حافظت السلطنة على موقعها في مؤشر أداء القطر في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، والذي يقاس وفق حصة القطر من الاستثمار الأجنبي الوارد عالمياً إلى حصة القطر من الناتج المحلي الإجمالي للعالم، ويؤخذ متوسط آخر ثلاث سنوات للحد من تأثير العوامل الموسمية.

وعلى المستوى العالمي يشير تقرير(الأنكتاد) أن إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي الوارد عالمياُ خلال عام 2003م بلغ 559.6 مليار دولار مقابل 678.8 مليار دولار في عام 2002م وذلك بنسبة تراجع مقدارها 17.6% منها 366.573 مليار دولار تم توجهيها إلى الدول المتقدمة ، فيما نالت الدول النامية ما مقداره 172.033 مليار دولار ، في حين توجهت 20.970 مليار دولار إلى دول الاقتصادات المتحولة، بينما نالت الدول العربية ما مجموعه 8.617 مليار دولار من التدفقات الاستثمارية الأجنبية. وبذلك بلغت نسبة التدفقات الاستثمارية الموجهة إلى الدول العربية مقارنة بالدول النامية 5.01% ، في حين بلغت نسبة التدفقات الاستثمارية الأجنبية إلى الدول العربية مقارنة بالمستوى العالمي خلال العام الماضي 1.54% مقابل 0.79% في عام 2002م.

وعموماً فإن الدول العربية بصفة عامة شهدت تدفقاً للاستثمارات الأجنبية إليها في عام 2003م بنسبة زيادة قدرها 60% عن قيمة التدفقات الواردة في عام 2002م ، حيث بلغ إجـمالي هذه التدفقـات إلى الدول العربية (الإحدى والعشرين) خلال عام 2003م نحو 8.617 مليار دولار مقابل 5.378 مليار دولار في عام 2002م. وتشير بيانات التقرير أن التدفقات الاستثمارية الأجنبية إلى الدول العربية شهدت ارتفاعاً في ثلاثة عشرة دولة عربية عام 2003م هي السلطنة والمغرب والسودان والأردن والبحرين ولبنان وموريتانيا والكويت وليبيا والسعودية وسوريا وجيبوتي والصومال ، في حين تراجعت هذه التدفقات في ستة دول عربية وهي الجزائر ومصر والإمارات وتونس وقطر واليمن.

وقد سجل مجمل التدفقات التراكمية للاستثمار الأجنبي المباشر للدول العربية خلال الفترة (1995م –2003م) ما قيمته 46.7 مليار دولار بنسبة تبلغ حولي 2.77% من الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الدول النامية، ونسبة 0.73% من الاستثمار الأجنبي على صعيد العالم ، وبمعدل تدفق سنوي بلغ نحو 5.2 مليار دولار خلال الفترة ذاتها. ويلاحظ أن السلطنة قد استحوذت خلال هذه الفترة (1995م – 2003م) على تدفقات تراكمية بلغت 554 مليون دولار، وما نسبته 1.186% من إجمالي التدفقات الموجهة إلى الدول العربية ، في حين جاءت المغرب في المرتبة الأولى بحيث استحوذت على تدفقات تراكمية بلغت 8.950 مليار دولار وبنسبة 19.2% من إجمالي التدفقات التراكمية الموجهة إلى الدول العربية.

وعلى مستوى دول مجلس التعاون الخليجي احتلت مملكة البحرين المرتبة الأولى من حيث التدفقات التراكمية من الاستثمار الأجنبي إليها بين الدول الخليجية الست خلال الفترة (1995م – 2003م) بحيث بلغت 4.621 مليار دولار ، تلتها دولة قطر في المرتبة الثانية بواقع 2.890 مليار دولار ثم دولة الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الثالثة بواقع 2.188 مليار دولار ، تلتها المملكة العربية السعودية في المرتبة الرابعة بواقع 1.276 مليار دولار ثم السلطنة في المرتبة الخامسة بنحو 554 مليون دولار ، وأخيراً دولة الكويت في المرتبة السادسة وبواقع 448 مليون دولار.

ويلاحظ المرء بأن التدفقات الاستثمارية الأجنبية إلى السلطنة كانت متواضعة جداً خلال عام 2000م وعام 2002م حيث بلغت 16 و23 مليون ريال عماني على التوالي ، بينما يعتبر عام 2003م من أكثر الأعوام استقطاباً لهذه التدفقات خلال الفترة (1995م – 2003م) حيث بلغت قيمة التدفقات الاستثمارية الأجنبية خلاله 138 مليون دولار، نتيجة لللاستثمارات الداخلة في مشاريع الغاز والصناعة.

وفي هذا السياق تشير المؤسسة العربية لضمان الاستثمار إلى أن مؤشر إمكانات القطر في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر يستند إلى (13) مكوناً لقياس إمكانات القطر تشمل معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي ، متوسط دخل الفرد ، نسبة الصادرات إلى الناتج المحلي الإجمالي ، انتشار خطوط الهاتف الثابت ، انتشار خطوط الهاتف النقال ، متوسط استهلاك الطاقة للفرد ، نسبة الإنفاق على البحوث والتطوير للناتج المحلي الإجمالي ، نسـبة الملتـحقين بالدراسـات العليا لإجمالي السكان ، التصنيف السيادي للقطر ، نسبة القطر من صادرات الموارد الطبيعية للعالم ، نسبة استيراد قطع الغيار للأجهزة الكهربائية والسيارات للعالم ، نسبة صادرات القطر من الخدمات للعـالم ، وأخيراً نسبة القطر من الرصيد التراكمي للاستثمار الأجنبي المباشر الوارد للعالم.

ووفقاً لبيانات المؤسسة فقد أظهرت المكونات النوعية لمناخ الاستثمار في الدول العربية تحسناً ملحوظاً لجهة البيئة التشريعية ، وخاصةً التشريعات المتعلقة بتشجيع وحماية الاستثمارات الأجنبية ، وإدخال القوانين الجديدة الخاصة بحماية الملكية الفكرية ، ومحاربة الفساد وغسل الأموال ، والتنافسية والمعاملات الإلكترونية. كما شهدت الدول العربية طفرة حقيقية في الجهود القطرية والإقليمية والدولية للترويج للاستثمار مع التركيز على القطاعات ذات الأولوية لأهميتها للاقتصاد الوطني بهدف جذب المزيد من الاستثمار العربي والأجنبي المباشر.

فعلى مستوى السلطنة فقد تم اتخاذ عدد من الإجراءات التنظيمية لتحسين المناخ الاستثماري في البلاد للتغلب على الصعوبات الإدارية وتبسيط الإجراءات وتذليل المعوقات أمام المستثمرين. وتؤكد وزارة الاقتصاد الوطني بأن السلطنة تعتبر من أكثر البيئات الجاذبة للاستثمار في محيطها العربي مشيرةً إلى أن أهم التقارير الدولية لعام 2003م والتي تقيس المخاطر القطرية المرتبطة بالاستثمار والحرية الاقتصادية وضعت السلطنة في درجة تصنيف متقدمة في محيطها العربي وعلى مستوى العالم. فقي الدليل الدولي للمؤشر المركب للمخاطر القطرية والذي يقيس المخاطر المرتبطة بالاستثمار والتجارة والمقدرة على الوفاء بالالتزامات الخارجية كان ترتيب السلطنة 24 على المستوى الدولي والثالث عربياً، كما احتلت السلطنة مركزاً متقدماً من حيث الحرية الاقتصادية وفقاً للمؤشر الذي تصدره مؤسسة هيرتاج فاونديشن بالتعاون مع مجلة وول استريت جورنال في هذا الشأن حيث جاءت السلطنة في المركز الخامس عربياً و54 من إجمالي 161 دولة على المستوى العالمي.

كما وقعت السلطنة عدداً من الاتفاقيات الثنائية أو متعددة الأطراف مع عدد من الدول العربية والصديقة تهدف إلى تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة لكي يجد المستثمرون الضمانات اللازمة لحماية استثماراتهم من المخاطر ، وكذلك تم توقيع عدد من اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي. وقد تضمن قانون الاستثمار الأجنبي للسلطنة العديد من المزايا المتعلقة بحرية دخول رؤوس الأموال وخروجها ، وكذلك الإعفاءات الضريبية وحق الملكية للأجانب بحيث يعادل 70% من رأس مال المشروع ، ويصل إلى 100% في بعض المشاريع ذات الأهمية الاقتصادية للسلطنة. وفي هذا السياق أيضاً فقد تم تعديل قانون الضرائب من أجل توفير نفس المعاملة لكل الشركات المسجلة بالسلطنة بغض النظر عن نسبـة حصـة المستثمر الأجنبي فيها ، حيث تم تحديد هذه الضرائب بنسبة 12%. ولتنمية قطاع الغاز بالبلاد ، فقد تم تقديم العديد من الحوافز لجذب الاستثمارات الأجنبية في المشاريع المعتمدة على الغاز الطبيعي ، وتوفير خدمات موانئ ذات مستوى رفيع ، وفرض رسوم منخفضة لخدمات ومرافق المناطق الصناعية في البلاد ، إضافة إلى منح الإعفاءات الجمركية والضريبية للشركات الصناعية.

وبغرض ترويج وتسويق المشاريع التي تعدها السلطنة للدخول فيها خلال الخطط الخمسية المقبلة، ومن أجل جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد فقد وقعت السلطنة مؤخرا على اتفاقية مع شركة لاندور الاستشارية المتخصصة في وضع استراتيجيات التسويق العالمية، حيث تهدف هذه الخطوة إلى وضع وإعداد استراتيجية شاملة للتسويق والترويج للسلطنة على المستوى العالمي في القطاعات المختلفة والمساعدة في تطوير آليات الترويج من خلال التركيز على أربعة قطاعات رئيسية هي السياحة، وتقنية المعلومات والاتصالات، والتجارة، والتعليم. وهذه القطاعات ستساعد السلطنة كثيرا في تنويع مصادر الدخل القومي للبلاد، وتتكامل مع الصناعات القائمة على الغاز والصناعات الأخرى التي بدأت الحكومة العمانية العمل فيها وتأسيسها لمشاريع عملاقة وتضع البلادعلى خارطة العالم الاستثمارية والسياحية.

وباعتراف المؤسسات المالية والتصنيفية الكبرى في العالم فان السلطنة شهدت تحسناً كبيراً في بيئة العمل من خلال قيامها بإعادة النظر وتعديل العديد من النظم والقوانين لخلق بيئة تتسم بمزيد من التنافسية ، في الوقت الذي تتواصل فيه الجهود لتنفيذ برامج "التخصيص" ، وتشجيع الاستثمارات الأجنبية، مع عودة الاستقرار لسوق مسقط للأوراق المالية وتحسن الأداء فيه بصورة ملموسة، في الوقت الذي تبذل فيه الحكومة جهودا مضنية في تحسين البيئة الاستثمارية نجدها تركز أيضاً على زيادة إيراداتها غير النفطية من خلال دعمها للقطاعات غير النفطية في مجال الغاز الطبيعي ، والصناعة التحويلية ، والتجارة ، والسياحة ، والخدمات المالية من ناحية ، بالإضافة إلى تقوية وتحسين وتطوير أساليب إعداد ومراقبة وتنفيذ الميزانية وتعزيز الشفافية والإفصاح وجودة الإحصاءات من ناحية أخرى.

وفي المجال المالي تتركز جهود الهيئة العامة لسوق المال ، وسوق مسقط للأوراق المالية على العمل في ضبط الأداء في السوق ، وقد لعبت الهيئة دوراً كبيراً في زيادة ثقة المستثمرين من خلال تركيزها على تطوير الأطر التشريعية والتنظيمية والرقابية والإفصاح والشفافية ، وأنظمة التداول والمقاصة والتسوية والحفظ والإيداع والوساطة لتنسجم جميعها مع المعايير الدولية. كما تم إدخال العديد من التعديلات على قانون رأس المال ، وقانون الشركات التجارية والقانون المصرفي الجديد ، وقانون غسل الأموال ، واللائحة التنفيذية لقانون رأس المال ، وإصدار ميثاق تنظيم إدارة الشركات المساهمة العامة ، وتطوير الهيكل التنظيمي واختصاصات الهيئة العامة لسوق المال ، بجانب تنويع أنشطة وخدمات هذه المؤسسات، في الوقت الذي تسعى فيه لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية لتقنية المعلومات ولإيجاد مجتمع عمان الرقمي ووضع نظام للحكومة الإلكترونية، ولتحقيق الترابط والتكامل والانسجام في هذا الاتجاه.

وعموماً فإن كافة دول العالم تؤكد بأن الاستثمار الأجنبي يعد من أهم الأدوات الفاعلة في تحقيق أغراض التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، ويعتبر واحداً من الأدوات الرئيسية لخلق فرص العمل الحديثة وتنمية الأنشطة المحلية ، وإحلال الواردات وتنمية القطاعات الرئيسية في الاقتصادات الوطنية ، الأمر الذي يتطلب إيجاد مزيد من المرونة وضبط وتفعيل السياسات والقوانين الوطنية بحيث تكون منسجمة ومواكبة للتطورات التي تشهدها الدول الجاذبة للاستثمار الأجنبي ، وتقديم المزيد من الحوافز والتسهيلات الممكنة مع ضرورة المراعاة للعادات الاجتماعية والتقاليد بحيث لا تتحول تلك الاستثمارات الأجنبية إلى أعباء جديدة للدول المستقطبة.

ومما لا شك فيه فإن السلطنة بموقعها ومزاياها ومواردها المتعددة الطبيعية والبشرية يمكن لها أن تكون واحدة من أكثر الدول العربية استقطاباً للاستثمار الأجنبي. وقد أثبتت التجربة الأخيرة من خلال تنمية قطاعات الغاز والصناعة والسياحة بالبلاد، والإقبال والحرص اللذين أبدتهما الشركات الأجنبية للمشاركة في رؤوس أموال تلك المشاريع الحديثة والضخمة بأن الفترة المستقبلة ستكون أكثرا استقطاباً للاستثمار الأجنبي المباشر إلى السلطنة ، الأمر الذي سيعزز فرص العمل ، والتوظيف ، والإنتاج ، والتسويق في البلاد من ناحية ، وتعاظم الاستثمارات المحلية والإقليمية والعالمية من ناحية أخرى.