قبل أن يكون مرتبطا بالصحراء

طانطان: بالرغم من المحاولات المحتشمة لعدد من الباحثين، فإن التراث الشعبي الحساني لم ينل بعد حظه من الدراسة والاهتمام وأضحى مهددا بالاندثار ومعرضا عبر تداوله لعمليات تأويل وتحريف مما يفرض حمايته باعتباره إرثا إنسانيا قبل أن يكون ثقافة مرتبطة بالصحراء. وفي هذا السياق اعتبر السيد إبراهيم الحيسن أن أي محاولة تروم دراسة هذا التراث العميق الاتصال بالأرض والجذور يجب أن تخضع لأساليب وتقنيات المنهج العلمي الذي يستمد أدواته من علم الفلكلور والأنتربولوجيا الثقافية. وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء على هامش موسم طانطان الثقافي والسياحي الذي انطلق يوم 13 من الشهر الجاري شدد السيد الحيسن على ضرورة التعامل بحذر شديد مع كل أشكال التحديث غير المعقلن التي يتعرض لها هذا التراث والتي لا تخلو من مؤثرات سلبية وافدة من ثقافات أجنبية علاوة على ضرورة التصدي لكل محاولة تهدف إلى إفراغه من محتواه الثقافي.

وحذر الباحث من تحويل عناصر ومكونات هذا التراث خلال عرضها في المناسبات الاحتفالية والمهرجانات إلى مظاهر احتفالية وأدوات لتزيين ثقافة الواجهة مؤكدا في هذا الاطار على ضرورة محاربة أي تسويق يحول هذا الإرث من مادة تراثية علمية وثقافية إلى بضاعة استهلاكية تستعمل لغايات ضيقة . واعتبر أن الأنشطة والممارسات التي يتم فيها محو الذاكرة الشعبية الحسانية والاعتداء على التاريخ الثقافي الصحراوي تمثل "طمسا لهوية إنسان الصحراء " ذي الثوابت والمرتكزات الضاربة في القدم والموغلة في جذور التاريخ. وأوضح أن تدوين هذا التراث يتطلب وضع مقاربات علمية وأساليب إجرائية كفيلة بكتابة وإعادة كتابة مكونات هذا الإرث الإنساني، تتضافر فيها جهود الجميع من أجل تحويل هذا الحلم إلى حقيقة على أرض الواقع .

واقترح الباحث من أجل جمع هذا التراث ودراسته ونشره تنظيم عمليات للجرد والفهرسة وإخضاعها لوتيرة متسلسلة تراعى فيها طبيعة واختلاف مواضيع البحث وضبط مهام الباحثين في إطار مجموعات عمل تتمتع بتسهيلات قانونية ومؤسساتية . كما أبرز أهمية وضع قواميس لغوية ومعاجيم تفصيلية خاصة باللهجة الحسانية وأخرى تضم أسماء النباتات والحيوانات وتوبونيميا الأماكن والعمل على إدراج اللغة الحسانية في المناهج التعليمية وذلك في إطار جهوية البرامج وإنشاء مجالس جهوية وصناديق دعم لدراسة وتتبع وتقويم المشاريع التراثية بالمنطقة .

ودعا في السياق ذاته إلى إحداث متاحف اثنوغرافية وأثرية تقدم فكرة عن روائع ونفائس ونماذج جمالية وعينات تراثية راكمها المجتمع الحساني منذ نشأته، وكذا خلق جمعيات علمية متخصصة تضع ضمن أولوياتها دعم التراث الشعبي الحساني في مختلف المجالات المرتبطة بالثقافة الإيكولوجية والحفريات والمخطوطات والمسموعات والإبداعات البصرية. وخلص السيد الحيسن إلى أن نشر هذا التراث الإنساني يتطلب التوعية والتحسيس بأهميته في المناسبات والمهرجانات الثقافية وتنظيم ندوات ولقاءات وحلقات دراسية تحت إشراف فاعلين ومتخصصين وانفتاح وسائل الإعلام السمعية والبصرية والمكتوبة على هذا الصنف التراثي من خلال استثمار الأبحاث والدراسات التي يتم إنجازها في هذا المجال.

وإذا كان غياب التدوين يرجع إلى تنقل سكان الصحراء المستمر وانعدام آليات ووسائل الكتابة لتبقى الذاكرة القوية هي الوسيلة الوحيدة لتداول هذا التراث فإن هذا يفرض اليوم أكثر من أي وقت مضى -حسب السيد الحيسن - تفعيل دور مركز الدراسات الحسانية المحدث بمدينة العيون وإنجاز دلائل ومجلة تراثية تضم مختلف المقالات والدراسات المهتمة بالتراث الشعبي الحساني وبثقافة الصحراء. وشدد السيد الحيسن على ضرورة تخصيص منح وتعويضات لحاملي وممتلكي هذا التراث لتشجيعهم على إخراج مذخراتهم التراثية وإنشاء هيئات خاصة بجمع هذا الإرث الإنساني على المستوى الجهوي والقيام بحملات تحسيسية وتوعية لإبرازه وخلق جوائز تحفيزية لاقتناء القطع.

والسيد إبراهيم الحيسن من مواليد 1976 بمدينة طانطان عضو اتحاد كتاب المغرب وأحد الباحثين والمهتمين بالتراث الشعبي الحساني كما أنه فنان وناقد تشكيلي له مجموعة من المؤلفات قيد الطبع منها "السفر في الصحراء" و"الطقوس الشعبية بالصحراء" و"جماليات من الصحراء" و"رقصة الكدرة .. الطقوس والاحتفالية" و"سوسيولوجيا الثقافة الحسانية".