كتبوا على الجدران " أحلام شبابية"
المبدعون الشباب بين حاضر أليم ومستقبل غامض

رزق علي عروق: قطعة كبيرة من الورق يصل طولها الى اكثر من عشرين مترا يجاورها أقلام اختلفت اسماءها والوانها وبعض كؤوس الشاي وفناجين القهوة توزعت علي اركان طاولة التي التف حولها خمسة عشر شابا وفتاة .
كل منهم يمسك قلمه محاولا استجلاب افكاره ليخطها بقلمه..يقسم القطاع الي مساحات متوازيةو الشبان والشابات استحوذوا على مساحة بيضاء من الورق.
هذه المحاولة هي لشبان فلسطينين يحاولون تشكيل اكبر رسالة مخطوطة الي الام الفلسطينية في عيدها.
المكان هو مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي فرع قطاع غزة.. الساعة الثانية من منتصف ظهر الثلاثاء. نشاط ثقافي يبدعه شبان في رسالة لأم بذلت الغالي والنفيس في سبيل تربية أبناءها وتقديمهم للعالم بابهي صورة ينظر اليها.

مجتمع صغير لحاضر كبير

مؤسسة فلسطينية تبحث عن الجميل في خيال وحيوات الفتيان الفلسطينيين في زمن الاحتلال، هذا هو هدف مؤسسة "تامر للتعليم المجتمعي" ، هذه المؤسسة التي ذاع صيتها في اوساط الشباب الفلسطيني بسبب نشاطها الفكري والفني انطلقت من رام الله في القرن المنصرم وكانت الدافع لكثير من الشبان من ذوي ملكة الابداع سواء كان في الشعر او القصة القصيرة او المسرح او الغناء او صحافة الشباب.
و الى جانب نشاطات اجتماعية وثقافية وفنية تساهم المؤسسة في اثراء المجتمع الفلسطيني الرازح تحت احتلال عقيم بمختلف شرائحه من احلام وطموحات وأفكار وتطلعات وقواسم مشتركة جمعت هؤلاء الشباب.
زيارة واحدة لـ"تامر" قادرة على نقلك الى عالم ثقافي وابداعي مختلف تماما عن المحيط الخارجي، فتطالعك الجدران المغطاة بديوان شعري نسقه شبان مبدعون وتناثرت كلماته في ارجاء جدران المؤسسة الداخلية..رسومات تعبيرية تصاحب الاوتار الشعرية في معزوفة كان لها أن تعزف في فضاء غير موجود في قطاع أنهكه ظلم الاحتلال وتضييق الخناق حول كل ما هو فلسطيني. "يراعات " والمنتدي الصحفي الشبابي" وفرق النخيل" تلك أذرع تامر الشبابية التي تحتضن متطوعين من عرض وطول القطاع الغزي.
الي جانب ذلك لا يجد هؤلاء الشبان مفرا من الهروب حيث اللاهروب. فالمجتمع الذين خرجوا منه يلتفتون اليه مرة اخرى ولكن هذه المرة بمذاق أخر.
شاب وفتاة

محمد البوبلي 22 عاما طالب في كلية الزراعة في جامعة الازهر في غزة وهو متطوع في مؤسسة تامر من خلال فريقها الادبي الشبابي "يراعات".يعتبر محمد ان مؤسسة تامر كانت السبب وراء اطلاق الشرارة الاولى التي مكنته من اخراج ابداعه الى النور " فالكبت وحالة الانقطاع والانفصال القصري عن العالم الخارجي والفراغ الثقافي الذي يعاني منه الشباب الفلسطيني فرض عليهم البحث بأنفسهم عن الاماكن التي تنمي وتطلق مواهبهم ".
ويبدي محمد تذمره من الواقع المتردي للحياة الفلسطينية، حيث كانت انتفاضة الاقصى كفيلة بحرمانه من أصدقاءه في الضفة الفلسطينية المحتلة وفلسطين المحتلة .
ولم يقتصر الامر على هذا فقط بل تعداه الى حرمانه من الدراسة خارج قطاع غزة بسبب القيود الصارمة المفروض علي التنقل بين المناطق الفلسطينية وحتى السفر الى بلد مجاور"الانتفاضة نقلتنا من واقع لاخر، أصبحنا أكثر استيعابا للواقع الذي نعيشه فأحلامنا وطموحاتنا تأتي متكيفة مع ما نعيشه في الوقت الحالي.وبالتالي فانها باتت دافعا للشباب الفلسطيني على مواصلة الابداع والابتكار من رحم المعاناة ".

لنا حجازي صاحبة الحضور الطاغي في مشاركاتها الفاعلة في المؤسسة، أبدت استيائها من حالة الجهل الواسع في صفوف الشباب الفلسطيني " هناك فئة قليلة تعد مثقفة ".وعزت حجازي هذه النظرة القاتمة لحال الشباب الى" المجتمع الفلسطيني المحافظ الذي يفرض قيودا صارمة علي أفراده وخاصة الفتيات اللاتي وجدن في المجتمع حدا لطموحاتهن وقدراتهن الابداعية أسوة بنظرائهم الشباب الذكور".
واضافت الفتاة المقدسية التي تعيش في احد ضواحي مدينة غزة ان "المؤسسات الشبابية والثقافية لا تلبي طموحات الشباب الفلسطيني علي أساس تعامل تلك المؤسسات مع الشبان من خلال نظام غربي تم استيراده ليطابق تجربة الشباب المحلي في فلسطين بالشباب الغربي. الا ان هذه التجربة كانت سلبية جدا لعدم ملائمتها لواقع المجتمع الفلسطيني وطبيعة حياته".
تعترف لنا بانعدام الخيارات امام الشباب الفلسطيني المحروم من "المساحة الجغرافية لكنها ترفض القاء اللوم على الاحتلال " . لربما هو السبب الرئيسي لكنه ليس كل القضية.وترى حجازي ان المؤسسة كانت حلقة الوصل للالتقاء بمجموعة من الشباب يتقاربون في المستوى الثقافي والفكري والحلم الجماعي.

رسائل
وفي معرض رسالتهما للشباب الفلسطيني وأصدقائهم من الشباب الغربي دعا محمد البوبلي زملائه الفلسطينين الى التكاتف من اجل بناء الوطن " لنحلم معا. ليكن لنا وطنا يتسع كل القلوب". من جهتها دعت لنكن مثقفين لنقرأ جيدا.ونبدع " .وعن علاقته بالشباب الغربي يعتبر البوبلي ان لقائه باصدقائه الترويجيين في غزة تجربة رائعة رائعة لاكتساب ثقافة مغايرة وكسب تضامن غربي مع قضية الشعب الفلسطيني العادلة " لا تظلمونا بأخطاء غيرنا ، تعالوا الى غزة " .وتشاطره الرأي زميلته حجازي التي طالبت الشباب الغربي بأن " يعرفوا عنا ولا يحكموا علينا "

قد تكون " تامر" قد احتفت بهذه الكتيبة المبدعة من الشبان وأعطتهم مجالا أكبر للتفكير ومساحات واسعة للنقاش لابداء الاراء، لكنها حافظت على نشر الهوية الفلسطينية والثقافة التقليدية للفلسطينين. وحاولت جاهدت ترسيخ تلك المبادىء " الامل في قمة الالم، الحلم في قمة اليأس" في أوساط الشباب حتي يكون أكثر نشاطا وابداعا في المجتمع الفلسطيني .
ولا أجد بدا من ترديد ما يردده شبان تامر " حلم يراع قادم".