وداعا للاحـلام:
الهروب من واقع لا يطاق.

رزق علي عروق: كل يوم في حال، يوم نحو الشمس ويوم نحو الارض . لا يجمع بين الماء والنار سوى تضادهما. جملة من المفاهيم غير المفهومة في هذا الصدد تحاكي قصة ليست مجرد حكاية او دعابة بل هي الم يعتصر في القلب. فليس من السهل ان تطلب الموت في وقت الموت هو أقرب اليك من نفسك ،وان تكون الاحلام و الامال تتهاوى كمن يهدم منزله حجرا حجرا.ليس اكثر من المر الا ما هو أمر منه -أو بمعنى- قل لا يجبرك علي أكل الملح الا الملح. تلك حكاية من رفح العتيدة أكثر المناطق تعرضا للدمار خلال انتفاضة الاقصى ، حكاية تحمل في ثناياها الكثير من الحكايات والعبرات المؤلمة التي ان لم ترسمها ريشة فنان فقد رسمها كل شاب تهاوت احلامه كما تهاوى بيته.
حكاية الالاف من الشباب الفلسطيني في ظل الواقع الذي يعيشونه في وطن بات لا يحتضن أبناءه ، حيث المعالم ذاتها تغيرت والمشاهد المؤلمة الراسخة في مخيلة الشباب شاهدة علي مرحلة لم تكن بأقل من نكبة العام ثمانية واربعين.
سموا بـ "الابراهيمين" كل منهما جاوز الواحد والعشرين ربيعا يقطنا في غزة.همومهم جزء من رحلة شاقة وغصة في القلب والم على حال يعيشه الشباب الفلسطيني .
بداية البداية
شاء القدر ان يجتمعا تحت مظلة واحد وان يجتمعا في مظلمة واحدة، ففي ظهيرة نهار ساطع من احد الاجتياحات العسكرية التي نفذها جيش الاحتلال لاحدى اطراف مدينة رفح كانا هذين الشابين على موعد ليشهدا ولادة جريمة بحقهما وبحق الالاف ممن شردوا من منازلهم المدمرة.
فقد وقع "الاختيار" على منزل كل منهما لتعيث به المدرعات دمارا كما يحلو لها ،وخلال دقائق فقدا كل ما يملكاه .كان الامر كالصاعقة التي اتت في غير وقتها التي لم تصم الاذان فحسب بل صمت العقول عن التفكير.. فالامر في ذاك الوقت لم يكن ليحتاج لفصل جديد من الحياة المؤلمة. اربعة أعوام من الحياة الجافة كانت كافية لدرء كل حلم فيه بصيص امل نحو المستقبل.. تلك كانت بداية البداية.
فبعد تدمير المنزل الذي تهاوت معه أحلام عشرين عام قضت بذلها والديهما في بناء كل ركن ، كانت ساعة ولادتهما هي الساعة التوافقية لوقت هدم كلا المنزلين. الى ان كتب الله امرا كان قد حسم.
قضوا فترة كبيرة حتى تخطيا تلك الواقعة وان بقت تؤثر في تحركاتهما و واضحه في أفكارهما وحتي في احلامهما فيما بعد. ناهيك عن الفقر المدقع الذي يعيشه هذين الشابين فحدث ولا حرج من فصول وفصول.
أهاجر لأطلق يدي

هكذا دارت عجلة الحياة منذ عامين، ليتكرر المشهد نفسه . فالمعاناة التي يختصرها هذين الشابين في وضعهما الحالي تضع خيار الهروب من حياة لا تطاق كحل وحيد ، فلا امال ولا احلام يسعيان لتحقيها، الهدف هو الهروب فقط. فكلا الشابين وجدا ضالتهم للهروب من هذا الواقع نحو شبكة الانترنت التي باتت الملاذ الذي لا يمكن الاستغناء عنه في الوقت الحاضر، فأسوة بكثير من الشباب الفلسطيني يجد هذين الشابين في الانترنت وسيلة مجدية للهروب من هذا الواقع، فينسجان علاقات على شبكة الانترنت ويحاولان ايجاد طرف خيط لفرصة تمكن احداهما من الهجرة الى بلد اوروبي او حتى عربي،وحين يستقر سيسهل سفر الاخر . ثلاث اعوام مرت ولم تثمر هذه المحاولات عن اي نتيجة ملموسة بل زادت من حدة اليأس والاحباط .
450 شهيدا قضوا خلال انتفاضة الاقصى سرّع من وجوب البحث عن ألية حديثة من اجل الخروج من عنق زجاجة المعاناة الفلسطينية.. وان كان كثيرون هم الذين يقبلون تجرع الحنظل من اجل الظفر للخروج الي حياة غير الحياة التي نحياهالتكن الهجرة موعدهم من اجل بناء كل حلم وكل امل كان قد بنوه في خيال غير موجود علي الارض.
سلسلة متصلة من الاحباطات .. هذه هي قصة هذين الابراهيمين اللذين لا يكادا يشارفا على يجاد مخرج من المأزق حتى يدخلان في دوامة اخرى .لا امل ولا حتى فسحة قليلة منه ، "ما باليد حيلة " هو الشعار الامثل لهذين الشابين الذين كغيرهما وجدا انفسهما اسرى مكان وزمان احكما اسرهما ورفضا السماح لهما بالخروج . فكم من شاب وجد نفسه أسيرا لهذه اللحظة حيث اللاخروج من الخروج الى واقع لا يطابق في واقعيته نماذج أخرى مما نراه في أفلام سينمائية او مسسلات تلفزيونية تفتقد الي الواقعية.... والمضحك المبكي في ذات الوقت هو الشعور بالحاجة الى البكاء من اجل البكاء على البكاء حتى ينذر بوجود أمل لفرح أو سرور بالغد القريب.