محاولة للطَّيران

لم أكن أقلدُ الطَّيرَ
فليسَ لي أجنحةٌ
لكنَّني كنتُ أجرِّبُ صدْقَ أمِّي
قالتْ لي يوماً:
الأطفالُ ملائكةُ اللهِ
على الأرضْ.
أغسطس 2004
Gent

شتاء

مطرٌ
والشَّوارعُ مغسولةٌ ومُزْرقَّةُ الوجناتِ
العاشقونَ لصوصٌ يسرقونَ المحبَّةَ علانيةً
ويرجعون إلى أسرَّتِهم بشفاهٍ مُحْمرَّةٍ
وسراويلَ مبلولةْ.
وحدها الأشجارُ تظلُّ واقفةً
ترقبُ أوراقَها التي تتهاوى في العتمةِ
لتطفو فوق المياه

وعلى البعد
شبَّاكٌ وحيد
خلفَ زجاجه المصقولِ دفءٌ، وكأسُ نبيذٍ
وروحٌ معلَّقةٌ في الفراغ
روحٌ
كانت تجاهدُ كي تمتصَّ داخلِها
بصبر الجبال
قطرات المطر.

نوفمبر 2004
Gent

وحدة

يهربُ من الزحام
وحين يغلقُ عليه باب حجرته
يسمعه الجيران لساعات طويلة
وهْوَ يستعطف آخرين
ويرجوهم المغادرة
كانوا متأكدين أنه وحده
وأنّه لا يعرف أحداً
بعد دقائق
يسمعون أصوات أقدام
تهبط السلَّم.

ديسمبر 2004
القاهرة

رقصة

وحدَها في البيت
أنهكتْها الموسيقى
وأتعبَها الشَّجنُ الغريبُ في صوت الكمان
ظلَّتْ ترقصُ سبعَ ساعاتٍ
كان جسدُها يختزنُ الإيقاع كنبْتةٍ عطشى
وصدرُها العفيُّ
يترجرجُ بزيتونتيه المنتصبتين كدرويشٍ
رمتْ نفسَها في الفراشِ عاريةً
بعد أن خلعتْ قميصَ نومِها الحريريَّ
هذا الذي
واصلَ الرَّقصَ وحدَهُ
من دون موسيقى
ولا عرق
ولا بحَّةِ الكمان الحزين.

أغسطس 2004
Gent

جنازة

سرنا في جنازته
لم يخبرْنا أحدٌ أنَّ علينا اختصارَ الطَّريق
ولم يعطِّلْنا المرورُ
حملنا زهورَنا بكفوفٍ بلَّلها العرق
وانحنتْ رؤوسُنا خلفَ نعْشهِ في مذلَّةٍ
النَّعش
الذي تباطأ خطوهُ بوضوحٍ
قبيل بوَّابةِ القبورِ المشرعة
ظللنا نخطو
بنفسِ الإيقاعِ الحزين
عبرنا كلُّنا البوَّابةَ الحديديَّةَ في صفوفٍ متراصَّة
حتَّى الذين كانوا يحملون جثمانَه
أنزلوه على قارعة الطَّريق
وأغلقوا وراءنا البوَّابة بسلاسل عريضةٍ ومصقولة
فيما تابوتُه
يرتجُّ في الخارج
يرقبُ خطوَنا المرتبك
إلى قبرهِ المفتوحْ.

أغسطس 2004
Gent

قارب

ما جعلَني أحيا
ليس المياه
التي نُذِرتُ لها في غفْلةٍ منِّي
ولا الرِّيحُ البيضاءُ في شراعي
لا الذراعان اللَّتان تدفعانني للأمام
بمجدافينِ عتيقينِ
ولا مسامرات المسافرينَ على ظهري العاري
لكنَّه الرَّملُ
هذا الذي يمسُّه خشبي
فقطْ
حين أرسو.
أغسطس 2004
Gent

شاعر مصري مقيم في بلجيكا
www.efouad.jeeran.com
[email protected]