جثمانه يرق فوق حفنة من تراب القدس
التميمي يروي لـquot;إيلافquot;لحظات عرفات الأخيرة
أسامة العيسة من القدس:
يحيي الفلسطينيون، الذكرى الثالثة لرحيل ياسر عرفات، رئيس السلطة الفلسطينية الراحل، بمهرجانات ضخمة، وسط حالة من الإنقسام الفلسطيني، جعل الكثيرين
التميمي يتحدث لـإيلاف
يشعرون بالحنين إلى الزعيم الراحل.
وعلى الرغم من مرور ثلاثة أعوام على رحيل عرفات، إلا أن الغموض ما زال يحيط بسبب وفاته، وظروفها، ولحظاته الأخيرة.
ويعتبر الشيخ تيسير بيوض التميمي، قاضي القضاة في السلطة الفلسطينية، أحد الأشخاص القليلين، أو ربما الشخص الوحيد، الذي كان شاهدًا على أيام عرفات الأخيرة في مشفى (بيرسي) العسكري في إحدى ضواحي باريس، الذي نقل إليه عرفات.
وكان التميمي، قد إستدعي إلى باريس، بعد أيام من نقل عرفات إليها، وهو ما فسر آنذاك، انه مقدمة لإعلان وفاة الزعيم الفلسطيني، الذي كانت تتضارب الأنباء حول حالته الصحية، وبعد وفاة عرفات أشرف التميمي على تغسيله والصلاة عليه وفقًا للتقاليد الإسلامية، وبينما كانت جثة عرفات في طريقها إلى رام الله، عبر القاهرة، كان التميمي قد وصل إلى المقاطعة مقر عرفات في رام الله، في انتظار الجثمان، حيث دفنه بيديه في المقاطعة، وسط حشود جماهيرية كبيرة.
وبسبب هذا الوضع الذي جعل التميمي يقترب أكثر من غيره، في لحظات عرفات الأخيرة، حاورته إيلاف، عن تلك اللحظات في حياة زعيم راحل ما زالت الأسئلة مطروحة بقوة حول رحيله بدون أجوبة، على الرغم من مرور ثلاثة أعوام عليها.

*إيلاف: متى كانت آخر مرة تحدثت فيها مع عرفات؟
-التميمي: التقيته قبل أن يسافر إلى باريس، في يوم 8 رمضان، حيث زرته في المقاطعة، وكان يعاني من الأنفلونزا. جلست إليه وتحدثنا وطلبت إليه أن يفطر بناء على طلب الأطباء، ولكنه رفض وقال لي بعد أن بلغت عمر الخامسة والسبعين، ولم أفطر، تريدون أن أفطر الآن... ورفض الإفطار واستمر صائما، فبينت له الأحاديث والآيات التي تبيح للمريض الإفطار، ولكنه أصر على الاستمرار بالصوم.* أفهم من كلامك أنك شككت بأنّ الرئيس يعاني من شيء أكثر من الأنفلونزا، ولذلك طلبت منه الإفطار؟- التميمي: كان الرئيس مرهقًا، وأنا زرته عندما حضر إليه الطاقم الطبي المصري الذي تولى فحصه، وبناء على طلبهم، طلبت بدوري من الرئيس، الذي كان تعبًا، أن يفطر.
* أفهم من كلامك أنك شككت بأنّ الرئيس يعاني من شيء أكثر من الأنفلونزا، ولذلك طلبت منه الإفطار؟
- التميمي: كان الرئيس مرهقًا، وأنا زرته عندما حضر إليه الطاقم الطبي المصري الذي تولى فحصه، وبناء على طلبهم، طلبت بدوري من الرئيس، الذي كان تعبًا، أن يفطر.

* لماذا لم تسافر معه إلى باريس؟
- التميمي: أنا سافرت إلى دولة الإمارات العربية، ثم إلى القاهرة، وقطعت زيارتي عندما علمت من وسائل الإعلام بأنّ صحة الرئيس تدهورت وعدت إلى رام الله.
* كيف تقرر سفرك إلى باريس والذي فسر حينها أنه للإعلان رسميًا عن وفاته؟
- التميمي: كما تعلم تربطني بالرئيس علاقة وثيقة وطيبة، ووجدت أنه من المناسب أن أكون إلى جانبه. فطلبت الإذن من مجلس الوزراء للسفر، لأكون بجانب الرئيس في الساعات الأخيرة، حيث تم الإعلان أنه يحتضر وأنه يعاني من نزيف في الدماغ، ورأيت أيضا أنه من واجبي، كشخصية إسلامية، أن أكون إلى جانبه في ساعاته الأخيرة.

* ألم تطلب منك أي جهة الذهاب إلى باريس لاعلان وفاته؟
- التميمي: هذا ما نشر في الإعلام الإسرائيلي، الذي عمل على تشويه الحقائق، ولكن الحقيقة أنني ذهبت لأكون بجانبه، وعندما وصلت كان هناك جيش من الصحافيين مرابطين كالعادة على باب المستشفى، وعندما سألوني عمّا ردده الإعلام الإسرائيلي بشأن مجيئي قلت لهم إن الرئيس على قيد الحياة وبينت الحكم الشرعي بالنسبة إلى رفع الأجهزة، ومكثت بجوار الرئيس صباح يوم الأربعاء (10/11/2004) من العاشرة والنصف بتوقيت باريس وطوال اليوم.

* هل كنت بجانبه باستمرار؟
- التميمي: كنت أمكث بجانبه فترات وأخرج ثم أعود. وكان الرئيس حينها على قيد الحياة، لون جسده لم يتغير، وفي أثناء تلاوتي للقرآن، تحرك كتفه عدة مرات. راقبت الأجهزة ورصدت لوحة نبض القلب وكانت 315 نقطة في الدقيقة. وفي ساعات المساء من يوم الأربعاء تحسنت صحة الرئيس.

* هل استيقظ من غيبوبته وشعر بوجودك عندما تحسنت صحته؟
- التميمي: لم يشعر بي ولم يصح من غيبوبته، ولكن كانت كل مظاهر الحياة في جسده، من حرارة وحركة ونبض القلب وغير ذلك.

* عندما تقول تحسن ماذا تعني بالضبط؟
- التميمي: النزيف توقف ونبضات القلب بدأت تنتظم، وكذلك ضغط الدم أخذ ينتظم، حتى أن الأطباء فوجئوا من ذلك.

*ما هو تفسيرك لهذا التحسن ثم الهبوط مرة أخرى؟
- التميمي: هذه صحوة الموت كما هو معروف. إن الله يقبض الإنسان عندما يكون خاليًا من الأمراض.

* بعد صحوة الموت هذه، ماذا حدث؟
- التميمي: بعد ذلك تدهورت صحة الرئيس بشكل مفاجئ وانتقل إلى رحمته تعالى واسلم الروح إلى بارئها.

* متى حدث ذلك بالضبط؟
- التميمي: توفي الرئيس في الساعة الثالثة والنصف بتوقيت باريس، أي في الرابعة والنصف بتوقيت فلسطين.

* هل تأخر إعلان الوفاة رسميًا؟
- التميمي: بعد وفاة الرئيس أبلغنا رام الله، وصدر الإعلان عن القيادة.

* قيل إنك بعد الوفاة خرجت من الباب الخلفي للمستشفى لتجنب الصحافيين؟
- التميمي: بعد الوفاة لم أخرج من المستشفى، بقيت فيه، حتى تم تغسيل الرئيس وتكفينه وتجهيزه، وأشرفت على ذلك بنفسي.

* كل ذلك تم في المستشفى؟
- التميمي: نعم، بعد تغسيل الرئيس وتكفينه صليت عليه، ووضعته في الثلاجة، وبعد الانتهاء من ذلك خرجت بالسيارة أمام الصحافيين.

* هل اشترك معك أحد في الصلاة على الرئيس؟
- التميمي: نعم كان هناك حرس الرئيس ومرافقوه مثل الدكتور يوسف العبد الله وعدد من رجال الدين التونسيين من أئمة مسجد باريس، وهم الذين غسلوا الرئيس وكفنوه تحت إشرافي.

* عندما توفي الرئيس، هل كانت معك السيدة سهى عرفات؟
- التميمي: نعم كانت الأخت سهى موجودة في الغرفة وأيضًا الدكتور رمزي خوري وعدد من حرس الرئيس.

* هل طلب منك أحد أن تخفي شيئا عن صحة عرفات؟
- التميمي: لم يحدث ذلك، بالعكس. أنا خرجت إلى الصحافيين وقلت لهم إن الرئيس على قيد الحياة، وعندما توفي قلت انه مات موتًا طبيعيًا.

* كيف كان لقاؤك مع السيدة سهى وأنت وصلت بعد تصريحاتها التي أغضبت القيادة، واتهامها للقيادة بأنها تريد أن ترث عرفات حيا، حسب تعبيرها؟
- التميمي: أنا شخصيًا عندما دخلت إلى المستشفى، رحبت بي السيدة سهى وشكرتني على حضوري.

* لماذا لم ترافق الجثمان إلى مصر، بعد الوفاة؟
- التميمي: أنا عدت إلى رام الله مباشرة لتجهيز القبر والإشراف على ترتيبات الدفن
.
* ترددت شائعات بأنه لم يتم دفن عرفات يوم الجمعة 13 تشرين الثاني (نوفمبر)، بل في اليوم التالي كما ألمح البعض، تجنبا للعدد الكبير من الجماهير التي خرجت عن السيطرة، ما هي الحقيقة؟
- التميمي: لقد دفنت الرئيس يوم الجمعة وسط أهله وشعبه، وأريد أن أوضح هنا بشأن اللغط حول أنه تم دفن عرفات في التابوت، وهذا خطأ، لقد دفنته بنفسي، بعد إخراجه من التابوت الذي ما زال موجودًا في المقاطعة لمن يريد أن يتأكد.

* وهل وضعت تراب القدس عليه، كما تردد؟
- التميمي: نعم وضعت تراب القدس في القبر تحت الجثمان ونثرت حفنات من التراب على الجثمان.

* كيف تنظر لفرضية تسميم الرئيس؟
- التميمي: بالنسبة لسبب المرض وتسميم الرئيس أراها قضية طبية، ولا أستطيع أن أفتي بها. وأنا سألت الجنرال الفرنسي المسؤول عن مشفى بيرسي، والأطباء فقالوا لي انهم لم يتمكنوا من معرفة سبب المرض.

* هل تعتقد انهم لم يخفوا شيئا؟
- التميمي: لا أستطيع أن اكذب ولا أستطيع أن اثبت، ولا أستطيع أن اتهم أحدًا بناء على تخمينات، ولكن هذا ما قاله الأطباء. يمكن أن يكونوا صادقين ويمكن أن يكونوا غير ذلك، لا أستطيع أن اجزم بشيء.
* منذ متى تعرف الرئيس عرفات؟
- التميمي: أعرفه منذ فترة طويلة، ولكن عرفته عن قرب منذ أحداث مسجد فلسطين المؤسفة في شهر تشرين أول (أكتوبر) 1994، والتي سقط فيها جرحى وقتلى، وتوطدت علاقتي معه حتى الحصار الذي فرض عليه.

* ماذا كان دورك في أحداث مسجد فلسطين التي اصطدمت بها السلطة مع الحركات المعارضة؟
- التميمي: كان دوري أنني أرسلت نداء مناشدة من الخليل لجميع الأطراف يدعو لضبط النفس والحذر من الأصابع الخفية التي تعمل للمسّ بوحدة الشعب الفلسطيني، وكانت مناشدة باسم كل مؤسسات وفعاليات الخليل، وكان لها أثر فعال في وقف تدهور الأمور في قطاع غزة.
* بعد ذلك هل استدعاك الرئيس؟
- التميمي: بعد ذلك خرجنا بوفد من الخليل إلى غزة والتقينا مع جميع الجهات والأطراف المعنية وساهمنا بوضع حد لحالة الفوضى التي نشأت في أعقاب أحداث مسجد فلسطين. وبعد ذلك طلبني الأخ الرئيس عدة مرات إلى غزة للمساهمة في تعزيز الوحدة الوطنية بين أبناء الشعب الفلسطيني. كان الرئيس ياسر عرفات يحرص على الوحدة الوطنية بين جميع الفصائل الفلسطينية وكان حينما ينشأ خلاف يعمل على تطويقه بالسرعة الممكنة، وكلفني مرات كثيرة للمساهمة في ذلك.

* هل هذا يعني أنك تفتقده كثيرا؟
- التميمي: نعم ربطتني بالرئيس عرفات، صداقة عميقة وعلاقة شخصية. أعتبر رحيله خسارة كبيرة لي وللشعب الفلسطيني وللأمتين العربية والإسلامية.