اعتراف الرئيس التركي عبد الله غول بان بلاده ( تلعب دور القناة الخلفية بين سوريا و اسرائيل ) في محاولة ( لمساعدتهم على حل مشلاتهم من وقت لاخر ) حسب تعبيره في حديث مع ( الحياة ) اللندنية يؤكد بما لا يقل الشك المعلومات التي كانت تسربت الاسبوع الماضي عن مفاوضات سرية وصفت ب( المتطورة و المتقدمة ) ترعاها انقرة بين دمشق و تل ابيب،لا تعرف تفاصيلها وطبيعتها حتى الان.
وكان محللون اسرائيليون كثيرا ما تحدثوا خلال الفترة الماضية عن رغبة رئيس الحكومة الاسرائيلية اولمرت في ابقاء المفاوضات مع سوريا في اقصى الاحتمالات الممكنة، نظرا لان المسار السوري اسهل من المسار الفلسطيني ويمكن التحرك في اتجاهه في ضوء عدم القدرة على التنازل على المسار الفلسطيني.


وعلى الرغم من ان اولمرت يبحث عن اكثرمن قناة دبلوماسية مع دمشق،و من بينها الاردن و مصر، الا ان القناة التركية باجماع المراقبين تبدو الافعل في المرحلة الاخيرة، دون ان نتجاهل بالطبع ما كان حمله السناتور الاميركي ارلين سبكترالذي زار العاصمة السورية مؤخرا خاصة و انه من الساعين الى استعادة السيرفي المسار السوري ndash;الاسرائيلي.


ومن الواضح ان اسرائيل من الناحية العملية لا تمانع في ابرام صفقة اتفاق مع الاسد يعيد نفوذ سوريا الى لبنان، وهو ما يثير مخاوف من ان يؤدي ترك واشنطن للمسار السوري ndash; الاسرائيلي يوازن نفسه لتنقذ حكومة اولمرت نفسها وتبرر المحافظة على بقائها واحتمال انعكاس ذلك سلبا على سيادة لبنان و تطلعات اغلبيته الاستقلاية.

وتحدث الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الاوسط دافيد ماكوفسكي عن وجود خلاف بين اسرائيل و الولايات المتحدة حول سوريا و لبنان، مشيرا في مقال بجريدة ( هآرتس ) الى ان بوش بحث خلال زيارته تل ابيب قضية العلاقة بسوريا التي يختلف الطرفان في موقفيهما منها ) موضحا ان ( مفتاح حل الخلاف بين الدولتين الصديقتين حيال سوريا موجود في لبنان ) اذ انه في الوقت الذي يثير فيه موقف دمشق من لبنان غضب ادارة بوش الذي ارتفعت حدته مع تعمق ازمة الاستحقاق الرئاسي اللبناني ) لا( يخفي الاسرائيليون دهشتهم من ايمان بوش و ادارته بان الحكم المتهاوي في لبنان احد النجاحات الكبيرة لسياساتها الشرق الاوسطية ).


ويسود الاوساط الاسرائيلية الفاعلة اعتقاد راسخ بان خروج سوريا من لبنان لم يأت نتيجة الدبلوماسية الناجحة لمحور واشنطن ndash; باريس ndash; الرياض، وانما اتهام سوريا بجريمة اغتيال رئيس الحكومة المحبوب رفيق الحريري الذي اثار معارضة داخلية بنانية لسوريا وحدت كل اللبنانيين باستثناء الشيعة، برأي ماكوفسكي.


ويؤكد ماكوفسكي ان اولمرت و المؤسسة الامنية يؤمنان بفائدة البحث في تغيير وجهة التعاطي مع سوريا لاضعاف ايران في المنطقة و جبهة الرفض الفلسطينية و وقف تزويد حزب الله بالاسلحة.


في هذا السياق ذكرت مصادر دبلوماسية غربية ان اولمرت ابلغ عواصم اوروبية فاعلة بوجود تقدم في مفاوضات السلام بين اسرائيل و سوريا، اذ حسمت مسائل خلافية بنسبة كبيرة، مرجحا ان يتم الاعلان عن النتائج الفعلية في ابريل المقبل، اذا ما شهد ت المفاوضات مع الفلسطينيين تقدما مماثلا وبعد تجاوز التعقيدات التي سببتها الخطط الاستيطانية.


وتساءل مراقبون عن افق المفاوضات المحاطة بتكتم شديد، واذا ما كانت تل ابيب ستتخلى عن الجولان والثمن الذي تريده مقابل ذلك، و ارتباطه بملفات اخرى شائكة بالمنطقة مثل قضية مزارع شبعا، و ملف الجنديين الاسرائيليين الاسيرين لدي حزب الله، ومصير هذا الحزب في المستقبل،واكدوا ان التوصل الى اتفاق يطرح ثلاث مسائل تعتبرها اسرائيل في غاية الاهمية:
الاولى: مصير النفوذ السوري في لبنان بعد التقدم الذي تعتبر دمشق انها حققته في استعادة قوتها في لبنان، منذ انسحاب قواتها العام 2005، و اصرار الاسد على الامسك بمفاصل القرار فيه عبر حلفائه.


الثانية: مصير حزب الله بعد التسوية، و اذا ما كان سيقبل التخلي عن سلاحه، واذا ما كان سيشترط لذلك اعادة صيغة التركيبة اللبنانية الداخلية بالشكل الذي يكرس هيمنته و نفوذه داخل السلطة السياسية، وردود الفعل لدى الطوائف الاخرى و الاوساط السياسية المسيحية و السنية وغيرها.
الثالثة: مستقبل العلاقة الستراتيجية بين سوريا وايران.


وعزا مراقبون الازمة الرئاسية اللبنانية المستمرةمنذ اشهرالى ما يجري من تحضيرات لرسم نظام اقليمي جديد، لا تقتصر نواحيه على السلام مع اسرائيل بل تتعداه الى صوغ ادوار جديدة لدول المنطقة،ويدخل في ذلك اعادة تركيب النظام السياسي اللبناني بالشكل الذي ينسجم و يتوافق مع هذه الادوار الجديدة.
المشكلة الاساسية التي تعترض الخطط و السياسات الاسرائيلية الخاصة بالمسار مع سوريا باجماع المراقبين، هي ان الادارة البوشية و بتوافق مع الديمقراطيين، تتخذ موقفا ثابتا من لبنان و مستقبله، و تحرص على التركيز على المسار الفلسطيني في عملية السلام وترى في التوصل الى اتفاق يؤدي الى ظهور الدولة الفلسطينية، العامل الاساسي في حل الكثير من مشاكل المنطقة وكبح جماح النفوذ الايراني المتنامي، وتحجيم دور الجماعات الجهادية المتطرفة.


ما يتبقى معرفته ان المفاوضات التي قال الرئيس غول ان تركيا تلعب فيها دور القناة الخلفية ستستمر و لن تتوقف ما دامت الاطراف المعنية التي بدأتها ما زالت ترى فيها طريقا افضل للتوصل الى اتفاقات على نار هادئة، تمنع اهتزازات تزيد و تفاقم الاوضاع المتفاقمة اصلا في المنطقة.!

محمد خلف