بعد ان انتهى حكم المغول بموت تيمورلنك وانقراض الدولة الجلايرية كما ذكرنا فى الجزء الثالث وقتل قره يوسف التركماني السلطان أحمد الجلايري، وأرسل ابنه محمد الى بغداد فى سنة 1410 حيث حاصر بغداد ثمانية شهور، ثم دخلها فاتحا فى 1411، ووقع السيف فى أهل بغداد وقتل خلق كثير. ونهبت التركمان بغداد يوما واحدا.

دولة قره قوينلو التركمانية
جلس محمد بن قره يوسف على عرش العراق فى سنة 1411، ولما مات أبوه قره يوسف أضاف كل ما كان يحكمه من البلاد الى سلطنته. و بقي محمد ببغداد حاكما طوال 23 سنة. وفى سنة 1432 ثار عليه أخوه (أصبان)، وحوصرت بغداد مرة أخرى واكتسحها أصبان وانفرد بالحكم الى ان مات ببغداد فى عام 1435م وخلفه أخوه جهان شاه سنة 1446، وبعده حسن على بن جهان،وآخرهم كان منصور بن زينل الذى كان ظلوما غشوما قتل جماعة من أكابر الجيش بغير ذنب، وكان يقضى أكثر نهاره وليله بالشراب والحشيش المخدر والنساء، وحكم شهرين فقط وانتهى فى1469 حيث حمل عليه حسن الطويل (اوزون) الآق قوينلي، وقضى على قره قوينلو التى حكمت 58 سنة، واسس دولة الآق قوينلى التركمانية.

دولة الآق قوينلو التركمانية
هذه الدولة التركمانية كأختها دولة قره قوينلو نزحت قبيلتها من تركستان الى اذربايجان، ثم هاجرت الى نواحى ديار بكر والموصل واستقل زعيمها علاء الدين بك فى ديار بكر والموصل وما يليها، وأسس دولة الآق قوينلو. ثم نهض أحد أحفاده الأمير حسن بك الطويل وقرض دولة قره قوينلو.
وبعد وفاته تنازع أبناؤه وأمراؤه، وحدثت بينهم حروب استعرت نيرانها عدة سنين كان من جرائها ان يقاسى العراق وأهلوه البلاء العظيم والخراب العام الى أن دخلت سنة 1497م فاستقر الأمر لمراد بك حفيد حسن الطويل. وفى زمنه ظهرت الدولة الصفوية فحمل الشاه اسماعيل الصفوي على العراق سنة 1508م بعد ان أخضع لسيادته بلاد فارس واذربايجان وكردستان وخراسان وديار بكر وتغلب على مراد بك وقرض دولة الآق قوينلو بعد أن ملكت العراق نحوا من أربعين سنة.

الدولة الصفوية
بعد اسقاط النظام البعثي فى نيسان/ابريل 2003 بدأنا نسمع بالصفويين، واتخذها البعض سبة موجهة لبعض الشيعة العراقيين. واستعملها كثيرون دون ان يعرفوا شيئا عن الصفويين أو ربما لم يسمعوا بهم أصلا.

الصفويون اسرة تركمانية عريقة سنية المذهب، أسسوا دولتهم فى ايران سنة 1501م واستمرت فى ايران الى سنة 1795م. أسسها اسماعيل الصفوي الذى فرض المذهب الشيعي على الايرانيين لاسباب سياسية معاكسا بذلك خصومه الدولة العثمانية السنية المذهب. احتل الصفويون بغداد ثلاث فترات مجموعها 37 سنة.

(من غريب المصادفات ان هنرى الثامن الذى جلس على العرش البريطاني عام 1509-1547 والذى تزوج ست مرات، ولما كان الدين الكاثوليكي الذى كان عليه البريطانيون لا يسمح بالطلاق، فقد غير هنرى دينه الى البروتستانتى وأمر البريطانيين ان يفعلوا الشيء نفسه، وهكذا أصبحت بريطانيا تدين بالبروتستانتية، على عكس ايرلندا القريبة الكاثوليكية. وهكذا بدأ الصراع بين الطائفتين واستمرالى يومنا هذا، ولو انه خف كثيرا فى هذه الأيام بعد نزاع طويل أليم سالت فيه الدماء مدرارا وازهقت عشرات الألوف من الأرواح)

احتل اسماعيل الصفوي بغداد فى عام 1508 أي 250 عاما بعد احتلالها من قبل هولاكو حين قرضت الدولة العباسية وقتل المستعصم بالله العباسي سنة 1258. وكان أحد أسباب سقوط الدولة العباسية كما ذكرنا سابقا هو الخلاف الطائفي بين السنة والشيعة. وعلى هذا يستبعد الصفويون عن اثارة الخلافات والتى يرجع الكثيرون من المؤرخين تأريخها الى مقتل الخليفة عثمان بن عفان (رض) ومبايعة الامام علي بن أبى طالب (رض) بالخلافة من بعده.

ذكر قطب الدين محمد بن علاء الدين أحمد الزروالي الحنفي (1511-1581) فى كتابه (الأعلام باعلام بيت الله الحرام ) قال: (هو شاه اسماعيل بن الشيخ حيدر بن الشيخ جنيد بن الشيخ صفي الدين بن اسحق الأردبيلى، واليه تنسب الأولاد فيقال لهم (الصفويون)، وكان الشيخ صفي الدين صاحب زاوية فى اردبيل وله سلسلة فى المشايخ، أخذ عن الشيخ زاهد الكيلاني وتنتهى بوسائط الى الامام أحمد الغزالي وهو أول من ظهر منهم بطريقة المشيخة والتصوف وأول من اختار سكن أردبيل /ايران. أخرجهم الشاه جهان القره قوينلي من أردبيل فتوجه الشيخ جنيد الى ديار بكر/تركيا. جمع الشيخ جنيد طائفة من مريديه وقصد قتال (كرجستان) ليكون من المجاهدين فى سبيل الله، فقاتله السلطان شروان فقتل الشيخ جنيد وتفرق مريدوه ثم اجتمعوا بعد مدة على الشيخ حيدر، ولكن الشيخ حيدر قتل وأسروا ولده اسماعيل وهو طفلا. وضع اسماعيل فى بيت فى (لاهجان/ايران ) فيها الكثير من الفرق كالرافضة والحرورية والزيدية فتعلم منهم فى صغره مذهب الرفض فان آباءه كان شعارهم مذهب السنة السنية. وخرج لثأر والده وجده، وعمره يومئذ ثلاث عشرة سنة وقصد مملكة شروان لقتال شروان شاه قاتل أبيه وجده وقتله). انتهى.

وذكر ريتشارد كوك مؤلف كتاب (بغداد مدينة السلام) : وبلغ الصبي الصفوي (اسماعيل) أشده وبعد ان امضى سنوات فى صحبة رجال الدين من الشيعة عاد بهدوء الى اردبيل وحشد جيشا قوامه مريدو الأسرة الصفوية وأصدقاؤها واستطاع ان يهزم (الوند مرزا) أحد أمراء قبيل (آق قوينلو) ثم دخل تبريز ظافرا سنة 1501م وأعتلى فيها عرش بلاد فارس رسميا. ثم بلغ الشاه اسماعيل من القوة سنة 1508 فأمر قائده (لاله حسين) ان يمضى الى العراق ويستولى على بغداد، وسرعان ما هرب حاكم الآق قوينلو من بغداد الى حلب فضمت بغداد الى دولة الشاه المتنامية الأطراف دونما حرب. وزار الشاه اسماعيل بغداد فى السنة التالية، وجدد بناء مشهد الامامين موسى الكاظم وحفيده محمد الجواد. وبعد ان زار الشاه كربلاء والنجف الأشرف قفل راجعا الى بلاد فارس بعد أن خرب مشهد الامام ابى حنيفة واضطهد أهل السنة، وعين ابراهيم خان حاكما على بغداد لأول مرة.

الدولة الكلهورية الكردية
كان ابراهيم خان حاكم بغداد الذى عينه الشاه اسماعيل الصفوي فى طريقه الى الموصل عندما هاجمه ابن أخيه (ذوالفقار) واستولى على بغداد وجعل نفسه سيد العراق كله وذلك فى سنة 1523م. كان ذو الفقار رئيسا لقبيلة موصلو الكلهورية الكردية. كان يدرك انه لا قبل له بالصفويين وقوتهم، فأرسل رسالة الى السلطان سليم الأول العثماني يعرب فيها عن ولائه. جاء طهماسب الأول بن الشاه اسماعيل الصفوي الى بغداد وقاومه ذو الفقار مقاومة شديدة. كانت الغيرة تقرح قلب كل من على بك وأحمد بك (وهما من اخوان ذي الفقار) فاتصلا سرا بالصفويين وقتلا أخاهما وسلما مفتاح المدينة الى الشاه طهماسب، وذلك فى عام 1529م، وهكذا انتهى حكم الدولة الكلهورية الكردية بعد مرور ست سنوات على قيامها، وعاد الحكم الصفوي الى حين احتلال السلطان سليمان القانوني لبغداد سنة 1534م.



عاطف العزي

الأحداث المذكورة مستقاة بايجاز وتصرف من عدة مصادر أهمها:
- دليل خارطة بغداد/ طبعة سنة 1958
- بغداد مدينة السلام/ طبعة سنة 1962
الجزء الخامس وما يليه سيدور حول الحكم العثماني والاحتلال البريطاني للعراق


الجزء الثالث