عجبت للمقال الذي كتبه رئيس تحرير صحيفة مصرية حكومية مشيدا بالرئيس الزيمبابوي روبرت موجابي باعتباره البطل الإفريقي الذي تحدى أمريكا والغرب!


ولم أفهم كيف يكون موجابي بطلا لمجرد أنه قال quot;لاquot; للأمريكان والأوروبيين في حين أنه حول بلاده إلى خرابة كبيرة بعد 28 عاما قضاها في السلطة لدرجة أن البنك الدولي وصف زيمبابوي بأنها نموذج لأسوأ كارثة اقتصادية يمكن أن يواجهها بلد في وقت السلم!
صحيح أن الرجل لعب دورا بارزا مع جوشوا نكومو في تحرير بلاده من الاستعمار البريطاني وحكم الأقلية البيضاء مما أهله لرئاسة الحكومة في عام 1980 ورئاسة الدولة في عام 1987 لكنه ركز جهوده بعد ذلك على شيء واحد فقط هو الاحتفاظ بالسلطة!
بل إن تصريحاته النارية ضد الأمريكان والأوروبيين بحثا عن الشرعية لم تعد تنطلي على أحد إذ لو كان الرجل جادا في مواقفه فلماذا لم يقطع علاقته الدبلوماسية بواشنطن ودول الاتحاد الأوروبي ويتوقف عن تلقي المساعدات التي يقدمونها لبلاده والتي تقدر بنحو 367 مليون دولار سنويا.


وبفضل سياسة الرجل الواحد والحزب الواحد قاد موجابي بلاده طوال 28 عاما نحو الخراب والدمار، فعلى المستوى السياسي نجح باستخدام العنف في تحطيم كل أشكال المعارضة السياسية، وعلى المستوى الاقتصادي جعل الفساد شكلا طبيعيا من أشكال الحياة، وحسب تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة فإن 68% من الزيمبابويين يعيشون تحت خط الفقر وتجاوز معدل البطالة 80% وهبط معدل النمو الاقتصادي إلى ndash; 6% وقفز الدين العام الخارجي إلى 211% من الناتج المحلي الإجمالي الذي لا يتجاوز 2،2 مليار دولار في عام 2007.


بل إن الحكومة في زيمبابوي لم يعد أمامها سوى طبع النقود على المكشوف لتمويل الموازنة مما رفع التضخم من 32% عام 1998 الى 100 الف % عام 2007 وأصبح الدولار الأمريكي الذي كان يساوي واحد دولار زيمبابوي في عام 2003 يوازي الآن أكثر من 40 الف دولار زيمبابوي!


وحتى برنامج الإصلاح الزراعي الذي تم بموجبه الاستيلاء على أراضي الأقلية البيضاء لتوزيعها على الأغلبية السوداء - ثم اتضح أن المستفيدين الحقيقيين منه هم أعضاء حزب (زانو) الحاكم الذي يتزعمه موجابي- لم يحقق هو الآخر شيئا سوى تدمير قطاع الزراعة الذي يعمل به 400 الف عامل لدرجة أن المساحة المنزرعة تقلصت إلى 8% من المساحة الكلية للبلاد وأصبح الاستيراد حتميا لتوفير الغذاء للشعب الزيمبابوي!


ولم يكن هذا المشروع هو الكارثة الوحيدة فقد سبق أن ورط موجابي بلاده في الحرب الدائرة في الكونجو بين عامي 1998 و 2002 مما كبدها خسائر فادحة بمئات الملايين من الدولارات، ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية وتواصل القمع السياسي انضم مئات الألوف من الفقراء إلى صفوف المعارضة التي تقودها حركة التغيير الديمقراطي بزعامة مورجان تسفانجيراي، وتواصلت الهجرات إلى بتسوانا وجنوب إفريقيا هربا من البطالة والاضطهاد، مما دفع بتسوانا لإنشاء سور مكهرب على الحدود لوقف تدفق اللاجئين الزيمبابويين في حين شددت جنوب إفريقيا إجراءتها الأمنية على الحدود وتشير التقارير إلى أن 3،5 مليون زيمبابوي هربوا إلى الخارج!
وطبقا لتقديرات صحيفة لوموند الفرنسية فقد بلغت ثروة موجابي وكبار المسئولين في حزب (زانو) الحاكم أكثر من 100 مليار يورو، بل إن موجابي نفسه يتنقل للإقامة بين أربعة قصور تحيط بها مساحات شاسعة من الأراضي كان قد استولى عليها في إطار برنامجه للإصلاح الزراعي!


ورغم أن زيمبابوي غنية بالذهب والبلاتينيوم والليثيوم والنحاس والحديد لكنها تستورد حاليا بما قيمته 2،2 مليار دولار من النفط والغاز والماكينات ووسائل النقل والمواد الكيماوية والغذاء من جنوب إفريقيا وزامبيا والولايات المتحدة.


الأخطر من ذلك أن الإيدز أصاب 25 % من السكان البالغ عددهم 12،3 مليون نسمة مما خفض متوسط عمر الفرد إلى 39 عاما وبلغ معدل الوفيات 21 من كل 1000 من السكان ولم يكن الإيدز هو المرض الوحيد الذي يفتك بالزيمبابويين فقد انضمت إليه الملاريا والدوسنتاريا والتيفود والتهاب الكبد الوبائي (أ)، كما تحولت زيمبابوي إلى محطة لتهريب الحشيش والهيرويين والماندراكس والأمفيتامينات من وإلى جنوب إفريقيا وزامبيا وبتسوانا وموزمبيق.


ويا عزيزي رئيس تحرير صحيفتنا الحكومية الهمام.. روبرت موجابي ليس بطلا ولا هم يحزنون وإنما ديكتاتور إفريقي حول بلاده إلى خرابة كبيرة باعتراف الأمم المتحدة!

عبد العزيز محمود