قبل اسبوع قرأنا على الأنترنت تعرض احد العراقيين اللاجئين الى نوبة قلبية بسبب تلقيه رفضا بعدم قبوله كلاجئ في دولة المانيا حيث كان قد وصلها هاربا بعد ان باع كل ما يملك من حطام الدنيا من دار واثاث للنفاذ بجلده بسبب تعرضه الى تهديد من احدى الميليشيات، واوضحت عائلته بان رفضه جاء بسبب دعوة السيد المالكي من الدول الأوربية بعدم استقبال العراقيين.


ويبدو ان السيد المالكي ووفق اجندة سياسية معينة مصر على عودة العراقيين المهجرين، ولكن السؤال المهم هل توفر الأمن والإستقرار في الوطن ليضمن السيد المالكي حياة الراغبين بالعودة من العراقيين اصحاب الكفاءات وبقية المواطنين، الم تكن المأسي والأحزان والتي خلفها العنف الطائفي والسياسي نتيجة حتمية للمحاصصة الطائفية التي فرضت على اسلوب ادارة الدولة، ثم هل تخلت حكومة المالكي عن المحاصصة الطائفية في ادارة الوزارات، هل عدل الدستور، هل اكتملت المصالحة وبات الجميع ينادون بعراق واحد وشعب واحد، وهل حُلت الميليشيات وحل بدلها جيشا عراقيا يضم كل العراقيين دون تمييز طائفي او ديني او قومي، وهل سيعاقب قاتلي الشعب وسارقي ماله، اسئلة كثيرة بحاجة الى حلول لأنها طريق الطمأنينة التي يحتاجها العراقيون للعودة دون ان يطلب منهم ذلك.

ان التحسن الأمني النسبي والهش الذي طرأ على بعض مدن العراق، مؤشر جيد ولكنه بحاجة الى وقت اكثر للثبات، المهم.....يقوم السيد المالكي رئيس وزراء العراق بزيارة بعض الدول الأوروبية لإعادة العلاقات بعد ان اصابها نوع من الفتور وعدم الرضا لما تعرض اليه العراقيون بكافة انتماءاتهم الدينية والقومية من القتل والتهجير الذي نتج جراء ما افرزته الحرب من فوضى واعمال عنف قامت بها بعض الميليشيات الطائفية والقومية المتحكمة بامور الوطن ضد الإنسان العراقي واغتصبت حقه في الحياة، كما ان هذه الزيارات تأتي لإظهار ان العراق بات آمنا سياسيا واقتصاديا وانه مستعد لإستقبال وعودة العراقيين المهجرين، بالإضافة الى استقبال كافة المستثمرين باعتبار ان العراق بات مستقرا وان شعبه يعيش الأمن والأمان، وقد زار المانيا وايطاليا، اما في ايطاليا فقد التقى الحبر الأعظم في مقر اقامته حيث تمنى البابا للعراق دوام السلام و { جدد البابا امانيه بان يجد العراق مسار السلام والتقدم عبر احترام للهويات المختلفة وروح كافة مجموعاته العرقية والدينية وبمن فيها أقلياته، في اطار اعادة البناء الإجتماعي والروحي للبلاد وفق التصالح والبحث عن الصالح العام كي يتمكنوا سويا اعادة البناء الإجتماعي والروحي للبلاد }، كما من المؤمل ان يزور غيرها من دول الإتحاد الأوربي والتي تحتظن كل انسان يتعرض للتشريد او الموت في وطنه.


وكان السيد المالكي قد زار من قبل دولة السويد وهي الدولة التي استضافت العدد الأكبر من طالبي اللجوء من العراقيين الذين هربوا نتيجة الأوضاع الأمنية السائدة من الملاحقة والتشريد والقتل والإختطاف والذي طال جميع العراقيين وعلى مختلف انتماءاتهم الدينية والقومية وحتى السياسية.

ولا تخلو هذه الزيارات من اسباب اخرى قد تكون لأميركا دورا في دعمها، حيث ولا يخفى على احد ان الدول الأوربية اصبحت في مأزق بسبب تدفق الاف اللاجئين العراقيين الى دولها والذي يتطلب توفير السكن والمعيشة والصحة استنادا لقوانين الهجرة والرعاية والتي هم ملزمون بتطبيقها، ولهذا السبب فانها باتت غير قادرة على الإيفاء بالتزاماتها المادية اتجاههم مما اضطرها ان تطالب بتعويضات دولية من الأمم المتحدة، وبما ان اميركا هي الدولة المحتلة للعراق فانها تتحمل كل ما يتعلق بذلك من دفع للتعويضات ومساعدة الإتحاد الأوروبي في كل ما من شأنه مساعدة اللاجئين العراقيين، لكنها ولأجل الهروب عن التعويضات ولإظهار ان العراق قد اصبح آمنا بسبب وجودها هناك لذلك اوعزت الى السيد المالكي للقيام بزيارة الدول الأوربية، فتم ذلك وها هو السيد المالكي يحث هذه الدول برفض طلبات اللجوء السياسي او الإنساني للعراقيين المتواجدين في بلدانهم واقناعهم على العودة الى العراق بدعوى تحسن الوضع الأمني والمعاشي، وقد استطاع السيد المالكي اقناع بعض الحكومات ومنها الحكومة السويدية بان الوضع الأمني في العراق جيد وان الحياة طبيعية، ولا ادري على ماذا استند في اعتبار ان الوضع الأمني في العراق جيد، في حين ان ما يرد من تقارير واخبار موثقة بالصور من داخل العراق يشير عكس ذلك وان الوضع الأمني مازال صعباً، المهم انه افلح باقناع الحكومة السويدية فاصدرت القرار المرقم06 - 23 في 26 شباط 2007 والذي جاء فيه بان المحكمة لاحظت بعدم وجود نزاعات مسلحة في اغلب مناطق العراق، ولا يوجد هناك اي مانع من عودة العراقيين الى العراق، وهذا القرار كان السبب في رفض طلبات اللجوء لغالبية العراقيين المتواجدين في السويد وما زال الرفض مستمرا.

ترى هل من المعقول ان يطلب من العراقيين الذين غادروا العراق قسرا حيث تم فصلهم من وظائفهم وقتل احباءهم وتشريدهم من مناطق سكناهم وهدم منازلهم وسرقة اثاثهم، كيف يطلب منهم اليوم ليعودوا الى العراق ودورهمقد دمرت أو اغتصبت من قبل جيوب العصابات والميليشيات، وغالبيتهم لا يملكون موردا ماليا حيث غالبيتهم قد فقدوا وظائفهم خاصة موظفوا القوات العسكرية، لا بل وكما يقول بعضهم بان رعب التفريق الطائفي والتمييز الفكري السياسي ما زال ماثل امامهم.


ولسنا هنا بصدد القاء اللوم على حكومات الدول الأوربية المحترمة، حيث كلنا يعلم ما تقدمه هذه الحكومات من دعم وعون لمن يطلب اللجوء اليها { دون منّية } كما يقولون، كما انهم ملتزمون امام شعوبهم وشعوب العالم بانهم دول ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان وانهم ماضون في تبني قانون اللجوء والذي اصدره إتحادهم الأوروبي، انهم شعوب انسانية عظيمة، لكن الذي نريد قوله هو انه لا يوجد عراقي لا يرغب بالعودة الى داره واهله ووطنه، ثم لماذا هذا الإصرار على الطلب من دول الإتحاد الأوربي عدم قبول العراقيين بحجة ان الوضع في العراق آمن، الغريب ان الإتحاد الأوربي دعى الى عدم قبول لجوء العراقيين تلبية لدعوة السيد المالكي، ولا ادري لماذا اعتمد الإتحاد الأوربي على كلام السيد المالكي فقط، من دون ان يتأكد ما هو قائم على الأرض، ان تقارير المنظمات الإنسانية تؤكد باستمرار بان الوضع الأمني في العراق ما زال هشا ويهدد حياة الكثيرين.


لماذا اذن يصر السيد المالكي على عودة العراقيين، الا يعلم بان عددهم فاق الأربعة ملايين، فكيف سيضمن سلامتهم بعد ان ضاقوا المأسي والويل على يد البعض من الميليشيات الحزبية التابعة الى الحكومة ومن العصابات المنفلتة والخارجة عن القانون، ان السيد المالكي واثناء زيارته الحالية الى المانيا كرر نفس القول على السيدة المستشارة الألمانية انجيلا ماركل واستطاع ايضا اقناع المستشارة بان { الدنيا في العراق ربيع والجو بديع }، واكدت ميركل في مؤتمر صحافي ان رئيس الوزراء والوفد الوزاري المرافق دعوا الثلاثاء المانيا الى اعادة النظر في موقفها، وقالت ميركل...... ان الحكومة العراقية بررت ذلك بتحسن الأوضاع الأمنية،وان السيد المالكي { قــــال } بانه قد اوعز الى كافة الدوائر المعنية لإتخاذ الإجراءات لاستقبال العائدين من العراقيين ونقلهم الى مناطق سكناهم والتي تم تهيئتها على احسن ما يرام بعد ترميمها وتأثيثها، ولكن الذي نسمعه على لسان بعض العائدين عبر شاشات الفضائيات يؤكد بان البعض تفاجئوا بالغرباء يسكنون منازلهم واخرون لم يعثروا اصلا على دارهم، انما عثروا بقايا من بقاياه، فاين الدار واين الجار واين الخام واين الطعام.

كم كنت اتمنى ان يبادر السيد رئيس وزراء السويد وكذلك المستشارة الألمانية ان تسأل المالكي اذا كان الوضع الأمني على احسن ما يرام، وان الدنيا العراقية بخير، اذن لماذا يتخذ غالبية المسؤولون في الحكومة العراقية مع مجموعاتهم المنطقة الخضراء المحصنة مكانا لسكنهم، اليست لأنها آمنة ولا تدخلها دجاجة الا بعد ان يتم شمها كيميائيا بانوف الكلاب البوليسية المتواجدة في مداخل المنطقة، ولماذا تستعين حكومة المالكي ب 150000 رجل امن اجنبي تابع لشركات متخصصة بشؤون الأمن وذلك لحماية رجال السلطة في تنقلاتهم داخل وخارج المنطقة الخضراء، كما ان لكل عضو في الحكومة بما فيها اعضاء البرلمان رجال حماية تقدر بالعشرات، اليس ذلك دليل على أن الأمن ما زال مفقودا، فان كان حال المسؤولون الحكوميون هكذا، فكيف سيكون حال المواطنين البسطاء.

اتمنى ان يطلع المسؤولون في الإتحاد الأوروبي على تقارير المنظمات الإنسانية المستقلة وحالة العراقيين المهجرين داخل العراق وليس خارجه، وساستثني بذلك منطقة كردستان، اتمنى ان يطلعوا على حال العراقيين وكيف يعيشون واطفالهم في بيوت من الصفيح والطين ويشربون المياه الأسنة في مناطق تواجدهم، لا ماء لا كهرباء لا دواء لا مدارس ولا احد من حكومة العراق يستجيب لنداءاتهم ولإنقاذهم من مأساتهم، انما الذي يقف معهم ويقدم لهم ما امكن من طعام ودواء هم اهل المروءة في المنظمات الإنسانية الدولية، وانقل هذا النص ليقرأه المسؤولون في دول الإتحاد الأوروبي حيث جاء على لسان السيد وزير المهجرين والمهاجرين عبد الصمد رحمن سلطان يوم الخميس المصادف 24/07/2008 بخصوص العراقيين المهجرين حين قال.. { إن تقارير الوزارة تؤكد أن 65% من العوائل النازحة لا تملك دورا سكنية وإن 15% من هذه العوائل دمرت دورها. جاء التصريح في وقت دعا فيه نوري المالكي الدول التي يزورها الى إعادة العراقيين اللاجئين للعراق لكي يسكنوا الشوارع والخيام شأنهم شأن المهجرين ويزيدوا المشكلة تعقيدا!}
كما وجهت منظمة العفو الدولية المعنية بحقوق الإنسان انتقادات للحكومة الألمانية بسبب رغبتها في إرجاء اتخاذ القرار في مسألة استقبال اللاجئين العراقيين في البلاد وحذرت المنظمة في بيان صدر عنها أمس من quot;خطورة وخطأquot; هذا الإرجاء..

ان اللاجئين العراقيين يستغيثون دول الإتحاد الأوربي ويدعونهم للنظر في محنتهم حيث تمثل هذه الدول قمة تقدم الإنسانية في العالم، ويدعونهم للتراجع عن قرارهم والعودة لإستقبال العراقيين ممن تنطبق عليهم شروط اللجوء، حيث ان اسبابها ما زالت قائمة على كل ارض العراق باستثناء منطقة كردستان حيث تتمتع بوضع امني جيد نوعا ما، واخص بالذكر كل من السويد والمانية واللتان تستضيفان العدد الأكبر من المهجرين العراقيين، واناشدهم بان يقدروا صعوبة وخطورة عودتهم على الأقل في الوقت الحاضر.


وقبل انهاء كتابة هذا المقال جائني اتصال هاتفي من احد العراقيين الهاربين من نظام صدام ايام انتفاضة الجنوب ولجوءه مع مجموعة كبيرة الى منطقة quot;رفحة على الحدود السعوديةquot;، حيث قال انه والكثيرين بعد ان وصلوا الى اوروبا لا يرغبون بالعودة الى العراق بسبب الرعاية الجيدة التي يلقاها اللاجئون في البلدان الأوربية، واضاف..بانه وبعض اصدقاءه كانوا ضمن تشكيلات حزبية كانت تعارض نظام صدام الدكتاتوري وهي الأن في سدة الحكم، واضاف ان احزابنا لم تعد بحاجة الى خدماتنا اليوم، ويضيف مبتسماً.. اقول لك سرا ان غالبيتنا بدون مؤهل علمي ولا فني بل كنا اصحاب اعمال خدمية بسيطة ونعتاش على هذا المعمم وذاك.. ويضيف..، ما دام السيد المالكي واعضاء حكومته يصرحون بان العراق اصبح حرا وآمنا، فلماذا لا تعود عوائلهم قبل عودتنا، اليس غالبيتهم كانوا لاجئين ايضا..وينهي كلامه.. والله لو كانوا حكامنا ديمقراطيين كفوئين وصادقين ويرفضون المحاصصة الطائفية والتمييز القومي العنصري، لعدنا وكل العراقيين تلقائياً.

ادورد ميرزا

استاذ جامعي مستقل